استكمالاً لمسلسل البحث عن الحقيقة والوصول لليقين بطريق العقل ، اقتنيت كتاب صغيراً للدكتور محمد سعيد البوطي ، شدني عنوانه – حرية الإنسان في ظل عبوديته لله-  كما يشدني كاتبه دائماً.

بدأت قراءته وأنهيته في أثناء رحلة مركز الرواد التدريبية الأخيرة للولايات المتحدة في يناير – فبراير 2010، وكنت أحاول أن أربط ما سأراه ونناقشه من حرية مطلقة يطالب بها اليوم في الكثير من مجتمعاتنا ، بما أعتقده كمسلم، وفي الحقيقة أنني لا أريد أن أعيش هذا التناقض .

يناقشنا الكثير من غير المسلمين عن الدين، ومن أكثر المواضيع التي تطرح علينا، هي حقيقة الحرية البشرية في الاعتقاد والسلوك والرأي والسياسة والجهاد في الإسلام.

ولا يخفى على الكثيرين استشكال هذه المفاهيم على الكثير من المسلمين – كنت منهم سابقاً- وإن إثبات تعارض مفهوم واحد من هذه المفاهيم التي راجت هذه الأيام، مع معتقداتنا قد يبدأ في جر الشكوك والشبهات حول أصل وحقيقة الإسلام –بسبب نقص في إدراك الشخص لا الدين طبعاً-.

لن اعرض مجمل الأفكار ولكن للأمانة العلمية فقط وددت أن اعرض المنبت الذي أثارني لكتابة هذا المقال.

أنا عبد، فهل أنا حر ؟

يعتقد كثير منا أن أفعالنا التي تصدر منا كبشر من تفكير أو حركة أو انفعالات هي نتاج قدرة وقوة وحرية "مستقلة" في ذاتها ، وفي الحقيقة أن جميع ما يصدر عن الإنسان من هذه الانفعالات ما هي إلا نتيجة لسبب ، وأعني هنا أن الإنسان فعلياً ما هو إلا جهاز استقبال وعرض .

وكيف ذلك ؟

هذا أمر شائك سأحاول توضيحه بتصوير كي تتضح المسألة، قد يقول قائل: إني أفكر وأعقل وأبدع وأستنتج بعقلي، فكيف يكون غيري السبب في هذا ؟ وهنا نبين أن الله أودع العقل في جسم الإنسان كجهاز و وضع الفكر كبرنامج في العقل – سوفت وير كما يسمى إلكترونياً- وهذا ما سنطلق عليه جهاز الاستقبال، ثم نتيجة لتشغيل هذا الجهاز -الإرسال- قام بالتقاط بث قنوات فضائية - وهي الأفكار والاستنتاجات - فهل نطلق على صاحب جهاز الاستقبال أنه صاحب القناة الفضائية ؟

أو أن جهاز الاستقبال قد أسس قناة فضائية ؟ أو أنه ابتكر الألوان والصور والصوت اللاتي يظهرن على الشاشة؟

إن الوعي والفهم هي نتيجة استخدامنا للعقل والفكر، وبالتالي فهما إشارة التقطها العقل من مرسل!

وحتى استخدامنا للعقل والفكر هو استخدام خارج سيطرتنا، لأن الجهاز قد بدأ في العمل منذ ولادتنا ولا نملك حتى السيطرة عليه وإيقافه.

وزيادة في التدليل، هل يمكن لإنسان أن يحافظ على هذه القوة التي في عقله والتي تسمى الفكر أو الوعي ؟

إنها قد وُضعت فينا دون قوة منا، وقد تسحب وتضعف دون مقاومة منا بل ودون أن ندري كيف يتم ذلك ودون أن نملك أي حيلة ولو لتأخيره بعض الوقت.

وأنت وأنا حين نتمدد على أسرتنا لننعم بنعمة النوم، فنحن لا نملك من عملية النوم أكثر من أن نتمدد ونسترخي ونطبق العينين، منتظرين هذا الرقاد أن يتسرب إلينا من حيث لا ندري، وكذلك نصحو من النوم مرة أخرى.

بل الأعجب، ألا ترى أننا نسحق كل يوم قطع اللحم في عملية مضغ الطعام، فتُسحق قطعة اللحم تحت رحى الأضراس دون أن يصاب لساننا معها "وهو قطعة لحم في الفم" بأي أذى ! فهل لذلك تخطيط أو قصد أو قرار من الإنسان ؟

إن الإنسان مطبوع بطابع العبودية من رأسه إلى أخمص قدمه، ومن ظاهره إلى باطنه، إنه مجرد مخزن لطاقات وقدرات شتى يستخدمها ولا يتحكم بها من شيء.

وهذه الحقيقة الثابتة، تدفعني للسؤال.. ما هو مصدر كل هذا ؟

هذا ليس تساؤل تشكيك وشبهه، بل حتى أن الدابة التي تقاد من زمام عُقد في رقبتها لابد أن ترفع نظرها لتنظر من هذا الذي يسوقها إلى حيث لا تعلم.

وهنا نود أن نبين أن زمام الدابة قد يطول بعض الشيء، لدرجة أنها قد تسير وترعى هنا وهناك بعيدة عن راعيها، هل من المعقول إن تظن لمجرد أنها تباعدت قليلاً أنها حرة !

بالطبع لا فالحبل مازال في العنق.

عجباً من أنه يستنتج ذلك حيوان -مخلوق- ذو عقل بدائي، ويسهو عنه كثير من البشر العقلاء اليوم، فهل ننتظر جذبة الراعي لحبالنا حتى نتيقن أننا عبيد ؟

إذاً فمن الواضح –لدي على الأقل- أن الإنسان عبد أو –موظف- جهزه سيده بأكمل التجهيزات لأداء مهمة معينه ، بل هو في أساسه جهاز – كما أثبتنا سابقاً- ، فهل يمكن أن تبتكر شركة وتطرح جهازاً حديثاً في الأسواق دون كتالوج أو ما يسمى كتيب إرشادات الاستعمال ؟

بالطبع سيكون الجواب لا !

فكيف ننزه شركة عن سذاجة طرح منتج دون كتالوج ! ولا ننزه الله أبدع الخالقين عن توفيره "الكتالوج" أو كتيب الإرشادات لجهاز البشري والكوني ؟

إنه موجود بيننا.. القرآن كتالوج الكون .

لماذا يدرك كل منا أهمية كتالوج أي جهاز ويقرأه جيداً قبل استخدامه، بينما نهمل قراءة كتلوجنا الشخصي والكوني ؟

إنها لمفارقة عجيبة لا مبرر لها !

الخلاصة:

بخضوع الإنسان لعبوديته لله ، يصغي إلى صفحات التعليمات التي يخاطبه بها الله عز وجل، ويتخذ منها النظام الذي يدير ويتعامل به مع هذا الكون والحياة، والسياج الذي يحمي حريته الشخصية من الطغاة والمستكبرين والمستغلين.

وهكذا فإن عبودية الإنسان لله وحدة، هي حرية الإنسان من كل شيء قد يستعبده (مال-شهوة-جاه- الخ)، أفأن تكون عبداً لواحد مستحق، أولى من أتكون عبداً لكثيرين غير مستحقين ؟

يقول الله تعالى في القرآن الكريم:{قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية