يرى أفلاطون أن الدولة نشأت بشكل مصطنع نتيجة الحاجة لسد احتياجات الأفراد وحاجات تقسيم العمل لمواجهة الأعباء الاقتصادية . فلقد نشأت في رأيه من تفاعل مبدأين وهما : "عدم اكتفاء أي شخص بنفسه" و "اختلاف قدرات الأفراد"؛ لذلك حين افترض قيام مدينة خيالية أسس بنيانها على ركني الاقتصاد والنفس ، فهو يقول أن المدينة أو الدولة أنشئت لسد حاجاتنا الطبيعية من غذاء وسكن وكساء وغير ذلك من حاجات الجسد الضرورية.
فلقد اكتشف الإنسان منذ البداية أنه لا يستطيع الاستقلال والانفراد بإنتاج كل ما يتطلبه من حاجات متنوعة واكتشف أن لكل فرد استعدادا خاصا لنوع ما من الأعمال. ولذلك آثر أن يتخصص فيما يستطيع إتقانه من عمل. فظهر المزارع والبناء والنجار والحداد والنساج والصانع وأخذوا يتبادلون منتجاتهم لكي تستمر حياتهم جميعا . وظهر إلى جانب هؤلاء العمال والمساعدين .
وحين تم للمواطنين الأوائل الذين تأسست منهم المدينة سير الحياة سيرا يكفل إرضاء الحاجات الضرورية ، اتصلوا بمواطني المدن الأخرى عن طريق التجار ليتبادلوا معهم منتجاتهم. وهكذا تأسست دولة المدينة لتنظم نظام الاقتصاد الداخلي ثم تشارك في نظام الاقتصاد الدولي.الأمر الذي استلزم وجود الإدارة الحكومية التي تدير هذا الاقتصاد وتوجهه وفقا للظروف بما يؤدي إلى سير الحياة الطبيعية لسكان البلد والوفاء باحتياجاتهم الضرورية . وبالتالي يشكل هذا الأمر أساس منطقي رئيسي لوجود الحكومة ووظيفة رئيسية هامة لها.
ولكن أرسطو اعتبر أن الدولة كائن حي ينمو بنمو الأسرة والقرية وأن الدولة لا توجد لمجرد حاجات اقتصادية ؛ ولكن توجد لتحقيق الكمال المعنوي للفرد ولكي يحيا الإنسان حياة أفضل في ظل الدولة ويحقق السعادة المنشودة. بينما اعتبر ابن خلدون أن نشأة الدولة والمدنية جاءت نتيجة للحاجة إلى التعاون لسد الاحتياجات المتعددة الضروري منها ثم الكمالي وهي تشمل في عمومها توفير الغذاء وصد العدوان الخارجي ومواجهة خطر الطبيعة وغيرها من الحاجات.
ويرى أبو حامد الغزالي أن أهم وظائف الدولة ثلاث وهي: أولا- تحقيق الأمن والطمأنينة على أساس الاستقرار في الدولة حيث يتحقق للأفراد حياة هادئة ومطمئنة ، وثانيا- تحقيق العدل ورفع الظلم عن الأفراد ، وثالثا-توفير الحياة الفاضلة في الدنيا والآخرة .بينما يرى ابن خلدون أن ظاهرة العمران (تكوين المجتمع والدولة) لها خصائص ثلاث وهي أنها ظاهرة: طبيعية بمعنى أن التجمع البشري طبيعي والإنسان اجتماعي بطبعه ، وعضوية بمعنى أن التجمع الإنساني لا بد وأن يتطور وبشكل معين معبرا عن تطور ثابت في مجموعة الخلايا المكونة لها ، ووظيفية بمعنى أن الأفراد يتجهون إلى التخصص في عمل معين يبرعون فيه ويكتسبون مهارات معينة.
غير أن المفكر الفرنسي "جان بودان " أدخل عنصر القوة في نشأة الدولة على أساس أن الحروب والصراعات بين العائلات أدت إلى سيطرة الأقوى على الأضعف وبالتالي أصبح المنتصر الأقوى يمثل فئة الحكام بينما أصبح المهزوم الأضعف هو المحكوم . غير أن المفكر الانجليزي "جون لوك" طرح فكرة العقد الاجتماعي كأساس لنشأة الحكومة حيث أفراد أحرار عن بعض حقوقهم لأفراد أحرار آخرين من أجل تنظيم بعض أوجه حياتهم ، وعلى ذلك يأمل لوك في أن تكون الحكومة محدودة في قوتها وقائمة بشدة على الموافقة والقبول. وقدم أيضا المفكر الفرنسي الشهير فكرة العقد الاجتماعي الذي ينشئ الدولة ولكن ينحصر أن يضع الجميع قواهم تحت إدارة الإرادة العامة الممثلة للشعب والتي تعبر عن إرادة ومصالح الجماعة ككل والتي تعتبر كائنا معنويا مستقلا عن الأفراد . والعقد الاجتماعي عند لوك وروسو بشكل عام ليس عقدا مطلقا وإنما هو تفويض فقط للحكومة لتمارس وظائفها ويمكن استرداده . بيد أن هيجل رائد المدرسة الألمانية رفض فكرة العقد الاجتماعي في نشأة الدولة باعتبار أن الدولة عضوية وليست مصطنعة وأنها حقيقة في حد ذاتها بل هي مصدر حريات الأفراد وأنها تعتبر أمرا مقدسا على الأرض.
وتذهب نظرية العقد الاجتماعي إلى أن الدولة قامت نتيجة اتفاق مقصود واختياري بين الناس البدائيين لكي يخرجوا من حالة الطبيعة . وينظر بعض المفكرين إلى هذا العهد السابق للدولة على أنه سابق لتأسيس المجتمع حيث كان قانون الطبيعة هو القانون السائد الذي حكم العلاقات البشرية في حالة الطبيعة. ولكن الناس هجرت هذه الحالة البدائية حالة الطبيعة وأقامت مجتمعا سياسيا عن طريق التعاقد. ونتيجة لهذا العقد، فقد كل إنسان حريته الطبيعية جزئيا أو كليا ، وفي مكانها حصلوا على الأمن وحماية الدولة التي كفلها القانون السياسي.
وهناك أربعة اتجاهات متباينة في تحديد طبيعة العقد الاجتماعي وهي:
1- العقد الاجتماعي هو عقد صريح متضمن في وثائق دستورية مثل وثائق الحقوق والعهد الأعظم في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
2- العقد الاجتماعي مفهوم ضمنا من سلوك الأفراد في المجتمع وخصوصا إزاء السلطة السياسية.
3- العقد الاجتماعي هو أمر مفترض –كما تحدث عنه جون لوك- فالدولة تتمتع بالشرعية طالما افترضنا أن هناك نوع من العقد يقبله مواطنوها ويحملهم بالتزامات تجاهه .
4- العقد الاجتماعي هو علاقة شبه تعاقدية إذا كان هناك تفاعل طوعي بين الأفراد مصحوب بمزايا صريحة واضحة لأطراف هذا التفاعل.
وعلى الرغم من اختلاف صورة الدولة عبر القارات على امتداد القرون ، كان يوجد اتفاق في الكتابات المختلفة ل ميكافيللي وكوتيليا وكونفوشيوس وابن خلدون حول دور الدولة في توفير السلع والخدمات العامة الأساسية وإن كان هناك اختلاف كبير في الوزن الذي يعطيه كل منها للأهداف العامة في مقابل الأهداف الخاصة . ورأى دعاة مذهب التجاريين في القرن السابع عشر دورا أساسيا للدولة في توجيه التجارة . وظل الوضع على هذا الحال حتى كتب آدم سميث مؤلفه ثروة الأمم في أواخر القرن الثامن عشر عندما أصبح من المسلم به عموما أن السوق هي أفضل أداة لتحقيق النمو وتحسين الرفاهية . وأصبحت وظائف الدولة طبقا لهذا الرأي تقتصر على سلع وخدمات عامة كالدفاع والأمن والتعليم والالتزام بتنفيذ العقود ؛ حيث إنها وظائف لا غنى عنها لازدهار السوق ، مع حقيقة أن آدم سميث رائد الليبرالية الكلاسيكية أورد استثناءات لتدخل الدول في السوق مثل تحديد سعر الفائدة.
ولكن تطورت الليبرالية الكلاسيكية لتتحول نحو أشكال جديدة من الليبرالية، كان من أشهرها الليبرالية الاجتماعية والليبرالية المنظمة ، وذلك مع نشأة وصعود النظرية الاشتراكية التي أكدت على تدخل الدولة في كافة المجالات ، ولكن انهارت هذه النظرية في أوائل تسعينيات القرن العشرين بسبب جمودها وعوامل أخرى.
وهكذا يمكن القول بأن الدولة نشأت وتطور دورها لتمارس وظائفها في خمس مجالات رئيسية بما يحقق مجتمعا موحدا آمنا مستقرا . وتشمل هذه المجالات : المجال الإداري والتنظيمي ومجال الأمن والعدالة ، والمجال الاقتصادي ، والمجال الاجتماعي ، والمجال الفكري الثقافي .