بشكل عام قدم النموذج النظري للنظام الرأسمالي أو اقتصاد السوق الحر حلا للمشكلات الاقتصادية على أساس افتراض حرية الملكية الفكرية وحرية التصرف الاقتصادي في شتى مجالات الإنتاج والاستهلاك والادخار، وقامت هذه الحرية الاقتصادية على ثلاثة مبادئ رئيسية:حرية الملكية الفكرية، وسيادة المستهلك، وحرية العمل والإنتاج. ولكن اختلفت المدارس الفكرية في رؤيتها للحرية؛ حيث أيدت بعض المدارس فكرة الحرية الإيجابية، بينما دعت مدارس أخرى إلى فكرة الحرية السلبية. فلقد استندت مدرسة الليبرالية المحافظة في رؤيتها على فكرة الحرية السلبية، بينما استندت مدرسة الليبرالية الاجتماعية على فكرة الحرية الإيجابية. الأمر الذي يدعو البحث إلى محاولة تحديد أكبر لهذين النوعين من الحرية ولتحليلهما للوصول إلى مدى سلامة هذين المنطقين. ويعد John Stuart Mill أول من عبر وحلل مفهوم الحرية الإيجابية بشكل منفصل، ولكن Isaiah Berlin أبرز من تحدثوا عن مفهوم الحرية الإيجابية.
ويشير هذا المفهوم إلى الفرصة والقدرة على الوصول إلى تحقيق طاقة الفرد وهو مفهوم يقف على النقيض من مفهوم الحرية السلبية الذي يشير إلى التحرر من الإرغام. وغالبا ما توصف الحرية الإيجابية بأنها الحرية لتحقيق غايات معينة، بينما توصف الحرية السلبية بأنها ترتبط بمسألة التحرر من الإرغام الخارجي. وغالبا ما يؤكد على فكرة الحرية الإيجابية هؤلاء الذين ينتمون إلى جناح اليسار على الساحة السياسية، بينما الحرية السلبية هي الأهم لهؤلاء الذين يميلون إلى الليبرالية. كما يوجد من بين هؤلاء الذين ينتمون إلى جناح اليمين بعض المحافظين الذين يؤيدون أيضا بعض أشكال الحرية الإيجابية. كان Isaiah Berlin قد وضع في محاضرته عن "مفهومين للحرية" تمييزا بين الحرية السلبية والحرية الإيجابية؛ حيث ذكر أن هذا التمييز يكمن بقوة في التقاليد السياسية؛ إذ أن فكرة الحرية السلبية ترتبط بقوة بالمفكرين السياسيين البريطانيين، بينما ترتبط الحرية الإيجابية بالمفكرين الأوربيين ذوي الاتجاهات القارية مثل: هيجل، ورسو، وماركس. وتشير الحرية السلبية إلى حرية الفرد في عدم الخضوع لسلطة الآخرين. وبهذا المعنى السلبي، يعتبر المرء حرا بحيث لا يتدخل أحد في أفعاله. ويعتبر Thomas Hobbes أن الإنسان الحر هو ذلك الشخص الذي لا يعوقه أحد عن القيام بما يود فعله. وهناك عدة جوانب لمفهوم الحرية السلبية. فأولا، يحدد مفهوم الحرية السلبية مجال الحرية. فيذكر Berlin أن الحرية السلبية تحوى الإجابة على هذا التساؤل المتعلق بالحدود التي ينبغي أن يتم فيها ترك الفرد للقيام بما يود أن يفعله دون تدخل من الآخرين. ثانيا،يعد القيد الضمني في الحرية السلبية هو قيد فرضه شخص أو أشخاص ولا يعود إلى أسباب أو حالات محددة مثل العجز أو غيره. وهناك غموض بين المدارس الفكرية في التفرقة بين الحرية الإيجابية والحرية السلبية. فبعضهم يدفع بأنه لا يمكن التمييز بين الحرية الإيجابية والحرية السلبية عند الممارسة والتطبيق، بينما يذكر آخرون بأن أحد هذين النوعين من الحرية لا يمكن أن يوجد بشكل مستقل عن الآخر. وثمة حجة سائدة بأن الحفاظ على الحرية السلبية يتطلب عملا إيجابيا من جانب الحكومة أو المجتمع لمنع بعض الأفراد من أن يستولوا على حريات الآخرين. ويرى David Kelley أن ثمن الحرية الإيجابية هو التضحية بالحرية الأصلية. ويرى المدافعون عن الحرية الإيجابية أنها تعد الضمان لحقوق متساوية بشأن أمور معينة مثل التعليم والتوظيف، كما تعد بمثابة خط دفاع ضد التمييز. وبشكل عام، يمكن القول بأن الحرية السلبية هي تحرر الأفراد من الإرغام على القيام بأعمال معينة، وهي التي تقوم عليها المدارس الفكرية التي تتجه إلى تبني سياسات اقتصادية ليبرالية محافظة تجعل دور الإدارة الحكومية يقف عند الحد الأدنى . بينما الحرية الإيجابية هي حرية القدرة وتوفير الفرصة لتحقيق غايات معينة وهي التي تقوم عليها المدارس الفكرية التي تتجه إلى تبني سياسات اقتصادية ليبرالية اجتماعية. وفي الواقع لا يرى الكاتب تعارضا واختلافا بين هذين النوعين من الحرية بل تكامل وتداخل بينهما. فالحرية الإيجابية وهي حرية القدرة على القيام بعمل تتطلب بالضرورة التحرر من الإرغام على عمل ما؛ بما يعني توافر الحرية السلبية. بينما تتطلب الحرية السلبية وهي التحرر من الإرغام وجود حرية إيجابية في القدرة والإمكانية للقيام أو عدم القيام بعمل ما. ولكن المدارس الفكرية الليبرالية الداعية إلى سياسات اقتصادية ليبرالية محافظة ركزت على نوع الحرية السلبية لكي تجعل دور الإدارة الحكومية في الاقتصاد يقف عند حدوده الدنيا فيما يسمى بالدولة الحارسة. بينما المدارس الفكرية الليبرالية الداعية إلى تبني سياسات اقتصادية ليبرالية منظمة أو اجتماعية ركزت على الحرية الإيجابية لكي تجعل للإدارة الحكومية دورا إيجابيا فاعلا في الاقتصاد من خلال توفير الفرص والقدرات للقيام بالأنشطة الاقتصادية.
التدقيق اللغوي لهذه المقالة: أحمد الزعيم