جمالي او حتى قبحي شأني الخاص. فلا شئ اكثر ظلما من ان تقيَّم و يحكم عليك من شكلك الخارجي ، فتَّقدر و تُشكر ان كنت جميلا – وفرت كفاءتك او عدمت- ، و تعاقب و تحتقر -بدلا من ان ينظر الى كفاءتك- ان لم تُمْتِع مؤهلاتك الشكلية الاعين.
العالم - تشرّقَ او تغرّبَ - اثبت و بجدارة - للاسف- على مدى التاريخ انه حكم ، و يحكم و سيحكم على المرأة من خلال شكلها . فامام المرأة اذا خياريان احدهما مر و الاخر لاذع . فاما ان تقبل راضية بمعيار الحكم الشكلي الاعوج الاهوج ، و اما ان تختبئ في قمقم، او صندوق او أي شئ آخر لئلا تهدر كرامتها . المعايير غير العادلة في تقييم المرأة بحسب مظهرها اثارت ما اثارت فلسفيا ، نقاشيا ، بل و حتى جدليا ، الا ان الطرح الاسلامي للمسالة ما فتئ - نظريا و عمليا على حد سواء - جاذبا اذا امعنا النظر و اصخنا السمع و احسنا الفهم.
فلسفة الحجاب في الاسلام هي تحرير للمرأة ، و اكسابها الحق في ان تكون منتجة و مبدعة و ذات دور كما شقيقها . و لو كان الاسلام من منادي حبس المرأة - الخيار اللاذع- لما فرض عليها الحجاب اصلا ، و ما حاجتها له طالما انها ستحتجب في قمقمها كمداً او خوفاً من الاعين الجائعة . فلسفة الحجاب اذا هي احلال للمعايير الغابنة للمرأة بمعايير عادلة تُقيّم المرأة على اساسها كانسان منتج ، متساو في الكرامة الانسانية مع الرجل و من ثم له الحق في الاحترام و في تقييم اعدل و افضل .
الحجاب ليس زياً و حسب ، بل اسلوب تعامل ، و انتقاء فذ لكل حركة و سكنة ، ابتداءا من المشية و مرورا بمواضيع الحديث و انتهاءا حتى بنبرة الصوت ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) ، و هو جزء من نظرة الاسلام لدور المرأة المنتج في الكون في شراكتها مع شقيقها الانسان ، فعلم الله انها ستلقى ذوي السقيم من القلوب و ذوي السوي منها و من هنا كان عليها ان تجبر سقيمهم -امراً لا فضلاً - على احترامها . فلا يملك عندها ذوي النظرات الساغبة سوى ان ينظروا الى الفكر و الانتاجية و الابداع ، الى الانسان لا الى الجسد .
للجمال من الناحية اللغوية معنيين: معني حرفي denotation و هو الجمال كقيمة مطلقة فلسفيا نسبية عمليا. و معني عرفي connotation و هو الفتنة و الاغراء الجنسي. و الاختلاطات في الدلالات اللغوية أمر وارد في كل اللغات. و أبسط مثال على ذلك، وصف المرأة "القبيحة" و لكن المغرية ب" جميلة". فللكملة الواحدة معنيان و ان ادى ذلك الى مفارقة. الجمال بمعناه الأول لا تثريب عليه، و ليس أدل على ذلك من جواز كشف الوجة، فهو جميل، لكن حاشا لله ان يكون مغريا و الا لفرض الحجاب على الأطفال، و كلهم جميل. أما المعني الثاني هو ما يسعى الحجاب لحجبه، فيغدو الحجاب جميلا لحجبه الجمال الممجوج المؤدي الى ذنب، لا الجمال المحبوب المؤدي الى تسبيح الرب.
و الأمر يتضح بدراسة التوصيف القرآني للإمر، فالزينة نوعان:
1- زينة ظاهرة: و هي الجمال " و لا يبدين زينتهن لا ماظهر منها" أي زينتهن الظاهرة المباح ظهورها و هي الجمال
2- زينة باطنة: و هي الفتنة التي لا يسمح لها بالظهور " و لا يضربن بارجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن" أي مقدرتهن المخفية على الغراء. و سميت مخفيه لانه مطوب اخفائها
ليس على اؤلئك اللائي يطمحن ان يكن حرات او قويات او منتجات ان "يخشوشن " ، و لا ايضا ان يخرجن الى الحياة شبة عاريات. بل عليهن ان يعلمن و يفخرن بان ما فرض عليهن -كامر تعبدي حقه الطاعة- ، ليس لقمعهن – لانهن حبائل الشيطان - بل حل عملي ناجع لاعادة "انسنتهن " و متطلب مفصلي المشاركة في الدور الاستخلافي، بدلا من خيارات المجعجعات و المجعجعين بلا طحين .