كلنا قرأنا كتاب نيتشه عندما أراد أن يستبدل الإنجيل وقتل الإله الباطل الذي في صفحاته، مع احترامي لكل مسيحي يعتقد بالثالوث، مع احترامي لمعتقد المؤمنيين، فأنا لا أحمل أية ضغينة للمعتقدين بوجود إله؛ لكن لم أعرف بأن المسيحيين الأوربيين قتلوا المسيح كذلك في 1095 عندما نادى البابا أربان الثاني بإنقاذ بيت المقدس، من المسلمين هل كانت هناك جماعات إسلامية مقاتلة؟ بالطبع لا. وهل في الإنجيل ما يوحي بأن القدس مقدَّسة عندهم؟ بالطبع لا. لكن الحروب الصليبة انتهت لكن للاسف عقلية الرجل الأبيض لم تتغير، فهاهو يعيد الفعلة الأولى ليسيء لنبي المسلمين، هذه الشخصية التي عاشت بالفعل ولم تشوَّه مثلما شوِّهت شخصية المسيح، فأنا عندما كنتُ ذلك الشاب الثانوي بحثتُ عن المسيحية ككل مسلم يقرأ الكتب حاولتُ فهم المقدَّس، وهل يعبد هؤلاء الأوروبيون الله الذي كنت أحبه من خلال نصوص الأحاديث النبوية؟ قرأت الإنجيل رغم أنه كان ممنوعًا في بلدي إلا أن المبشرين كانوا يبعثونه عبر البريد، وحتى رجال الدين ـ لاحترامهم للاخر المسيحي ـ لم يكونوا يحرقونه بل كانوا فقط يصادرونه؛ لم يلفت انتباهي إلا جملةٌ في كل الإنجيل، وهي: (عندما

تمرض يدك اليمنى وتتعفن فاقطعها)؛ كان هذا الكلام قاسيًا عليّ، وببراءة الطفولة؛ تذكرتُ ابن سينا فنحن ـ المسلمين ـ لا نقطع اليد بل نعالجها بالأعشاب ونضع لها جبيرة حتى تبرأ لكن لا نقطعها، شككتُ في هذه الكلمات، ثم قرأت جملة: (إن صُفِعتَ على خدك الأيمن فصعِّر له خدك الأيسر)؛ كذلك صُدِمت فنحن ـ المسلمين ـ إن صُفِعنا على خدنا الأيمن توقّعْ لكمة في أنفك؛ لهذا كنتُ أجيب بعقل المراهق، وبعد مرور السنوات بحثتُ عن النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، بحثتُ عنه بعقل الرجل الذي عرف كل الشرور من خلال مهنة المحاماة وتجاربه من حمامات الدم التي حدثت في الجزائر بسبب الإسلام السياسي في التسعينات، حاولتُ أن أفهم النبي وماذا يعني؟ ولماذا يحاول الغرب أن يسيء له؟ وأتذكر كتاب (آيات شيطانية) ـ المقرِف ـ للكاتب سلمان رشدي؛ حاولت أن أفهم في كل ليلة، حاولتُ أن أفهم محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وعندما وجدتُه في كتاب (سيرة ابن هشام)، عرفتُ أنه كهل كان طيب القلب لا يجيد القراءة والكتابة يرث شرف الهاشمية ويرث معه تاريخ عبد المطلب الجد الذي تزعّم قريشًا؛ وكانت له قصص، كان محمد يرى كل الآثام في قومه تنتشر كما رأى العرب متشرذمين بين الروم والفرس، لكنه قبل كذلك بدأ عملية التأمل مثلما فعل النبي إبراهيم ـ عليه السلام ـ، بدأ يفهم بأن الله لا تحتويه الكعبة ولا واديها، فذهب الى غار حِراء يتأمل، ولعله كان يتعبد بطريقته حتى تم الاتصال العظيم مع جبرائيل عليه السلام لتبدأ قصة الإسلام، فيشرق الدين الجديد، محمد عندما تمت دعوته كان يخشى على أمته من باقي الأمم، وكان يخشى عليها الحروب الأهلية؛ فهو لم يكن يحب القتل ولا يوجد ما يؤكد حبه للقتل فهو لم يطلب من الصحابة منهم شيء من هذا القبيل حتى أنه لم يفرض عليهم نظام حكم معين بل تركه للناس يختارون ما يناسبهم؛ لأنه لم يكن هدفه السيطرة لكن هدفه الوحيد إخراج الناس من الشرك إلى التوحيد، فمن أين تأتي أفكار الغرب السيئة عنه؟ حتى في قضية التعدد؛ نجد أن أنبياء بني إسرائيل عدّدوا الزوجات، لم يتكلم الغرب عنهم ولم يسيء إليهم، رغم أنهم أنبياء الذين يعتقد بهم اليهود اليوم حسب الطائفة والمذهب، لكن لم نسمع بأن التوراة حرقت، أو أن النبي موسى ـ عليه السلام ـ رسمته جريدة ـ مع دفاعي عن كل الأنبياء ـ لكن فهمت الغرب ماذا يريد؛ هم يريدون الرد بنفس الطريقة فهم يجهلون حبنا للمسيح ـ عليه السلام ـ فمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال بأنهم إخوة ولا يوجد تفاضل بينهم، فنحن لا نصور الأنبياء مثل ما فعلوا لاعتقادنا بأنهم مقدَّسون بما قدموا للإنسانية لا كصورة ورمز؛ ولا تجد في الإسلام هذه الصورة التي يتجرأ الغرب في رسمها وإخراج الأفلام حولها، فحتى في فيلم (الرسالة) بنسخته الأمريكية التي تطابقت مع النسخة العربية لا يظهر نبينا محمد ولا عائلته لكن يظهر المجتمع الإسلامي الذي أوصل فكرة الإسلام، للعالم من خلال فيلم وقد يتعجب الغرب لماذا لا نصور محمد في أفلامنا وفي كتبنا، رغم ذلك يرانا نحبه بدون أن نراه، فهو تربي على عقيدة الوثن المصلوب في الكنائس تربي على حاسة اللمس لهذا فهم لا يفهمون معنى الحب الذي يربطنا مع نبينا لقد أخرجنا من مصير الجحيم الذي كان ينتظرنا كلنا لولا ظهروه، لهذا عندما تتجرأ جريدة فرنسية برسمه والإساءة له فهي لا تسيء للنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ؛ لكنه تسىء لنا إلى محبتنا له، تريد منا أن نتقبل هذا تحت مسمى حرية التعبير يعتقدون بأن اسمه كان محمد وقد مات وانتهى؛ لكنه في حقيقة أمره هو حي بيننا بكلماته وحركاته وسكونه؛ فنحن العرب ـ أبناء عمومته ـ ندين الإرهاب وندين القتل الذي وقع في باريس لكن أن أرفع عبارة (أنا تشارلي) ـ اسم الجريدة التي أساءت إلى النبي ـ لا أستطيع، فنحن رغم تقليدنا للغرب ألا أننا نعتبر هذه العبارة هي راية استسلام وقتل لحضارتنا التي يعرفونها من خلال الأندلس وتركيا وقبرص ومالطا؛ لقد عرفونا حتى وصلاح الدين يفتح القدس عندما لم يقتل مدنيًّا واحدًا ولا حتى أسيرَ حربٍ واحدًا؛ تركهم يرحلون بسلام، لكن للأسف عادوا في 2015 وكانهم يحتفلون بنداء أربان الثاني1095؛ لكنه للأسف عادوا في الوقت الذي يدخلوا فيه حتى الملحد الأوربي إلى الإسلام بسبب محاولة معرفة لماذا يكرهون محمدًا؛ وممكن أن هناك مراهق مثلي في فرنسا سيفتح الكتب ويتصفح المواقع على النت يجد أن محمدًا على عكس من ذلك فهو عندما فتح مكة صفح حتى على أشد الأعداء؛ سيعرف بأن المسيح لم يقتل وبأنه سيعود وينتشر العدل؛ أو على الأقل سيعرف أن العرب كان يقتلون البنات في المهد وجاء محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليمنع ذلك؛ سيقول: هذا الرجل عظيم لقد أنقذ البنات من الموت ظلمًا؛ ثم سيكتشف بأنه منع الربا والفوائد لأنها خطيرة على المجتمع؛ في الأخير سيعرف بأن المسلمين ونبيهم لم يكون سيئين مثلما علموه قد يحدث هذا، لهذا كمسلم أعتقد قبل أن نقول كان اسمه محمد، يجب أن نقول قد كان اسمهم مسلمين؛ إن لم ندافع عن نبينا.

التدقيق اللغوي: خيرية الألمعي.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية