أصابتني الدهشة اليوم وأنا أطالع الأخبار صباحًا... ولم تكن هذه المرة نتيجة لخبر انفجار هنا أو نحر مجموعة جديدة من البشر هناك... وإنما كان سببها أن العالم اليوم أصبح يضم 1826 مليارديرًا بزيادة قدرها 181 مليارديرًا عن العام السابق فقط، على رأسهم بيل غيتس مؤسس ميكروسوفت بثروة مقدارها 79 مليار دولار، ومن بينهم مارك زوكربيرج مؤسس فيس بوك بثروة مقدارها 34 مليار دولار، بحسب البي بي سي.
يا الله! ماذا لو وُجه جزء يسير من هذه الثروات الضخمة لحل مشاكل العالم التي تئن منها الشعوب والتي على رأسها مشكلة الفقر؟
ولماذا على رأسها مشكلة الفقر؟
لأن الفقر يا عزيزي يؤدي بدوره إلى الجوع، والجوع بحسب برنامج الأغذية العالمي ضحاياه يفوقون أعداد ضحايا ثلاثة أمراض مجتمعة، هي الإيدز والسل والملاريا.
ماذا لو وُجدت رابطة خيرية بين هؤلاء المليارديرات لإنقاذ هذه الملايين من البشر التي تتضور جوعًا والتي تبيت الليالي الطوال خاوية البطون؟ وبالتأكيد من بينهم الأم المرضع، والطفل الضعيف، والمسنّ الهرِم، والمعوق العاجز.
ماذا لو فكر المسلمون الموجودون في قائمة أولئك المليارديرات في التخفيف من هذه المعاناة؟ ماذا وماذا وماذا؟
إن نظرة سريعة على أسباب الفقر في العالم، على الرغم من وجود أصحابه في أغنى الدول مثل أمريكا ودول أوروبا ودول الخليج، أقول إن نظرة سريعة على تلك الأسباب لتخبرنا بوجود خلل في الاهتمامات، والشعور الإنساني، وتوزيع الثروات.
فمن ناحية الاهتمام والشعور، فهما يتجهان صعودًا وهبوطًا إلى زيادة الربح والثروة، وغالبًا ما تكون المشاركات المجتمعية المقدمة من الشركات والمؤسسات التجارية إلى المحتاجين ذات مغزى تجاري أيضًا وهو تقليل الضرائب أو الإعفاء منها.
ومن ناحية توزيع الثروات، نجد الخلل واضحًا حيث جميع المواطنين أو المقيمين في بعض الدول، وجميعهم يشارك في خدمة المجتمع والنهوض به، إلا أن الأجور تتفاوت تفاوتًا كبيرًا جدًا لا يتناسب مع التفاوت فيما يقدمه أولئك للمجتمع من خدمة ونهوض! والمقال يغني عن المثال.
وحتى يكون كلامنا أقرب إلى الموضوعية منه إلى مجرد الامتعاض والأسف على هذا الحال، فالفقر بمعناه الواسع لا ينحصر في نقص الطعام والشراب، وإنما له جوانب كثيرة أخرى، بمعنى أن الإنسان في حاجة إلى أن يكون غنيًا بقدر الكفاية ماديًا، ومعنويًا، وتعليميًا، وصحيًا... إلخ.
ويا لصعوبة الأمر لو اجتمعت جوانب الفقر على الإنسان فلم ينل كفايته في جميعها أو معظمها! يا للصعوبة لو لم يحصل على قوته، ولم يُشبَع معنويًا من أبويه أو أسرته، ولم يستطع أن يعالَج من داء ألمَّ به لقلة ذات يده...
لذلك فعندما نحاول أن نستلهم من تعاليم دين الإسلام الحنيف لحل أي مشكلة أو الخروج من أي أزمة، وبخاصة أزمة الفقر، نجد الإسلام سبَّاقا قبل الجميع للقضاء على هذه الظاهرة المقيتة.
فنجده يشرِّع الزكاة وجوبًا في أموال الأغنياء فيما يخص زكاة المال، ويفرض على الجميع زكاة الفطر حتى على من يجد قوت يومه من الفقراء، ثم بعد ذلك يحبب إلى النفوس الصدقة والإنفاق في سبيل الله تعالى ويرصد لذلك الأجر العظيم والثواب العميم، فيقول الله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
ونجده كذلك يحفز أبناءه على العمل وتحصيل المعاش وعدم الكسل والركون إلى الراحة والدعة، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم (لأن يحتطبَ أحدُكم حزمةً على ظهرِه، خيرٌ له من أن يسألَ أحدًا فيعطيَه أو يمنعَه) رواه البخاري.
ونجده أخيرًا يحافظ على الأموال من نهبها أو أخذها بغير وجه حق، فيحرم الربا والغش في البيع والشراء، فيقول تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من غشَّنا فليس منَّا) رواه البخاري.
كل هذه الوسائل لو أخذ العالم اليوم بطرف منها لما وصل الحال إلى ما نراه، ولقلت أعداد الفقراء إلى حد كبير، ولأخذت ظاهرة التسول في التلاشي التدريجي، وهي الظاهرة التي تؤرق جميع الدول لما لها من آثار سلبية على المجتمع ومن تشويه لصورة البلد أمام من يقصده من السياح والزوار.
إذن لا بد من المواجهة الحقيقية لهذه السلبيات والتعرض لمعالجة المرَض لا مجرد العرَض، هذا إن كنا جادِّين في حلها.
الله المستعان.