يعتبر المنظورُ السوسيولوجي الجمعيةَ: مجموعةً من الأفراد المنظمين إراديًّا، طوعيًّا وغائيًّا، بحيث يسعون إلى القيام بعمل جماعي وتشاركي ومستمر. إن الطابع العمومي لهذا التعريف، والمتسم في طياته بنوع من الضبابية، يشمل أيضًا النقابة، الحزب، الشركة، وغيرها من الأشكال الاجتماعية الأخرى. ومع ذلك، فإن التعاون في إطار نوع من التطوع، هو الذي يحدّد مصير العمل الجمعوي المنظم، ويميزه بالتالي عن باقي هذه التنظيمات. إن المقاربة الاجتماعية ـ بذلك ـ تجعل من الجمعية: جماعةً من الأفراد انبثقت عنهم رغبة القيام بنشاط معين كان موجودًا من قبل أو غير موجود؛ لفائدتهم أو لفائدة مجتمعهم، والمقصود بمجتمعهم: الحي أو المدينة أو القرية أو مجموع التراب الوطني، وذلك في إطار من التعاون والتطوع والتشارك والتعاضد وممارسة الأنشطة والعلاقات التي تقوم بها الجمعية تربويًّا وفنيًّا واجتماعيًّا ورياضيًّا...
فوجود تنظيمٍ يعني وجود أفـراد تربطهم علاقات ويقومون بأنشطة تحقّق الأهداف المسطرة في القانون الأساسي للجمعية، وهو الذي يضمن الاستمرار والاستقرار خلال صلاحية المكتب المسير، ثم الفعالية التي تشير إلى القدرة على التنظيم والهيكلة وتحقيق الأهداف، فالعمل الجمعوي عمل هادف وأهدافه محدودة لا يمكن تغييرها إلا بمقتضى شروط معينة. إن كلَّ ذلك يساهم في خلق ديناميكية ونشاط بين مجموعة من الأفراد، يعدّل كلُّ واحد منهم مـن تصرفاته وسلوكه ويُدخل اهتمامات جديدة في اعتباره، ويخصص جزءًا من وقته أو ماله أو هما معًا لخلق جو اجتماعي بينه وبين باقي الأعضاء ويخدم المصالح التي قرّروها بصفة رضائية... على هذا الأسـاس فالجمعية تساعد الفرد على أن يعيش مع الجماعة ويتعاطف معها ويشارك في جميع الأنشطة من أجـل تحقيق المصلحة العامة والحصول على نوع من الإرضاء الجماعي. ومن ثم فهي تشكّل الصيغة الجديدة للتعاون بيـن السكان في إطار أكثر تنظيمًا، ورغم التداخل بين مفهوميْ: (الجمعية والجماعة)، من حيث إن كلًّا منهما يتغيّى تحقيق المصلحة العامة، فإن الاختلاف بينهما يبرز من حيث مصدر التسيير، فالجمعية تمنح مرجعيـة تدبيرها من قوانين مكتوبة، أما الجماعة فتسييرها ينبني على أعراف متفق عليها. كما أن المنظور الاجتماعي للجمعية يجعل منها تنظيمًا (طوعيًّا)، أو (مبادرة تطوعية غيـر حكومية) تهدف إلى إحداث تغيير إيجابي في مستوى معيشة الأفراد، وممكن أن تكون جزءًا من حركة اجتماعية أكبر تهدف إلى تغيير واقع اجتماعي يرى قطاع عريض من المجتمع ضرورة تغييره، وبالتالي لا تنشأ جمعية أهلية من أجل الحفاظ على وضع قائم، بل إلى تغيير الوضعيات السائدة وتحويلها إلى وضعيات فضلى. وهنا نجد أن التنوع لا يقصي الانسجام بخصوص تحليل دور النسيج الجمعوي في التحولات السياسيــة والتغيرات الاجتماعية... إن الجمعيات عمومًا هي تعبير واضح وتجسيد صريح لمختلف التحولات الواقعة. وعلى ضوء ذلك، يمكن تعريــف الجمعية اجتماعيًّا: (جملة الأعمال والأنشطة الناجمة عن المجهودات الجبارة التي يمكن أن تقوم بها جماعات تطوعية تتوسل بالتخطيط المسبق والرؤية الاستراتيجية، والتي تضم في طياتها مختلف الميادين: الفنية، التربوية، الرياضية، الخيرية، الاجتماعية، تقوم بها تجمعات من الأفراد، معترَف بها قانونًا).
إن هذا التعريف يقودنا بالضرورة، إلى مفهوم (الجمعية التطوعية) الذي حدّد بشكل ضيق من طرف علماء السوسيولوجيا، بحيث حثّوا على تمييز هذه الجمعية بصفة (الهدف غير النفعي). كما أن الوجـه التطوعي، هو الذي يجعل الجمعية تتميز عن أشكال أخرى من التنظيمات من قبيل المقاولات الخاصة. وعمومًا فخارجانية Extériorité الأهداف هي التي تميز الطبيعة الوجودية للجمعيات. وهذا هو الذي يجعلها تأخذ تسمية المنظمات ذات الهدف غير النفعي. انطلاقًا من كل ما سبق. يمكن القول أن العمل الجمعوي يدخل ضمن المؤسسات الاجتماعيـة والثقافية ويشكل دعامة وطيدة لمختلف مكونات المجتمع عبر خلق الأجواء المواتية لبناء مجتمع متضامن مندمج ومسؤول، يساهم فيه الجميع في التنمية والتغيير. ومع ذلك، ورغم هذه الأهمية تبقى مجموعة من التحديات مطروحة على الحركة الجمعوية على الصعيد الاجتماعي، ومنها أساسًا أن الجمعيات تتسم من وجهة نظر البعض بعدم التزامها في التضامنات الجماعية، وذلك عندما تعمل على المحافظة على حرية فكرها ونشاطها من أجل التأكيد على هويتها الشخصية المنغرسة في طبيعتها الجوانية. ومن بين التحديات أيضًا، أن الجمعية كيفما كانت نوعية أنشطتها وكيفما كانت أيضًا قوة تأثيرها، فهي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقوم مقام الأسرة التي تشكل اللبنة الأساسية الأولى في التنشئة الاجتماعية للفرد، كما أنه لا يمكنها أن تعوض المؤسسة التعليمية مهما كان تقارب أدوارهما.
إن مكانة الجمعية تبرز من خلال دورها التكميلي في تنشئة الفرد، انطلاقا من الإمكانيات المادية والبشرية التي تتوفر عليها، أو التي يمكن لها أن توفرها، إضافة إلى الأجواء المتاحة داخلها والتي لها أبعاد نفسيـة ووجدانية واجتماعية تساهم في صقل المواهب وإبراز الطاقات من خلال مختلف أنشطتها وتساعد الفـرد على اكتساب العديد من المهارات والتمرّس على الكثير من المسلكيات الإيجابية، تعمل على ارتقائــه الاجتماعي من خلال تحمله المسؤوليات ومشاركته في صياغة البرامج وتنفيذ مشاريع الأنشطة وإبـداء رأيه فيما يُمارس داخل الجمعية، وذلك انطلاقا من تدرُّبه على مبادئ الحوار والمناقشة، مما يكسبه ثقة في نفسه تجعله أكثر إيجابية وأكثر مساهمة في الممارسة الجماعية الناجعة والحياة التشاركية الرائدة.
التدقيق اللغوي: خيرية الألمعي.