مقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم.
يشكّل هذا البحث الموسوم: "(فتوح الغيب) من المعنى الروحي إلى أزمة الإنسان المعاصر"، المساهمة الثانية في مجال التأسيس لعلم الروح الإسلامي، بعد أن صدر البحث الأول قبل ما يقرب من سنتين بعنوان: " نحو علم إسلامي روحي: مساهمة في نقد الأزمة المادية للحداثة والإنسان المعاصر" [1]، ليكون بمثابة إعلان عن تأسيس علم الروح الإسلامي في صياغة معاصرة، في ظل المبادئ التي اشتمل عليها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وليعمل على إحداث توازن بين شهوات الجسد ومتطلبات الروح الضرورية، مستظلا بقول الله تعالى في كتابه الكريم: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ﴿٢٨﴾ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } [ ص: 71 - 72 ].
ويساعد ( علم الروح الإسلامي ) على إيجاد حلول جذرية للمشاكل العميقة، الناتجة عن الفلسفة المادية الأحادية، والتناقضات الكامنة في نظام الحداثة، وما يترتب عليه. يدور البحث حول المفاهيم الأساسية، التي اشتمل عليها كتاب: " فتوح الغيب" للشيخ عبد القادر الجيلاني، ويعمل على مد الجسور بين الكتاب المذكور، وبين مفاهيم العصر ومشكلاته الراهنة، وأزماته المعقدة، وصولا، من خلال المقارنة، إلى إيجاد حلول للمشكلات الإنسانيّة والاجتماعية والثقافية الراهنة.
ومن الله سبحانه وتعالى العون والتوفيق.
أحوال المؤمن:
قال الشيخ عبد القادر الجيلاني: "لا بد لكل مؤمن في سائر أحواله من ثلاثة أشياء: أمر يمتثله، ونهي يجتنبه، وقدر يرضى به، فأقل حالة المؤمن لا يخلو فيها من أحد هذه الأشياء الثلاثة، فينبغي له أن يلزم همها قلبه، وليحدث بها نفسه، ويؤاخذ الجوارح بها في سائر أحواله".[2]
يعلق ابن تيمية على هذه الحكمة، بالإشارة إلى أن هذا الكلام شريف جامع يحتاج إليه كل عبد، وهي مطابقة لقوله تعالى: { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٩٠﴾}، [يوسف: 90]. ولقوله تعالى: { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴿٤٣ } [ الشورى: 43]. ولقوله تعالى: { وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ } [الشورى: 120].
فالتقوى تتضمن: فعل المأمور وترك المحظور. والصبر يتضمن: الصبر على المقدور. فالثلاثة ترجع إلى هذين الأصلين، والثلاثة في الحقيقة ترجع إلى امتثال الأمر وهو طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فحقيقة الأمر أن كل عبد محتاج في كل وقت إلى طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وهو: أن يفعل في ذلك الوقت ما أمر به في ذلك الوقت.
والرسل كلهم أمروا قومهم أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، وقال تعالى: { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [الزخرف: 45].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [ النحل: 36 ].
وطاعة الله ورسوله هي عبادة الله التي خلق لها الجن والإنس؛ كما قال تعالى{
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [ الجن: 56]. وقال تعالى: { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴿٩٩﴾ الحجر: 99 } وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿٢١﴾ } [البقرة: 21]. [3]
تحمل المعاني المتقدمة ايجازات معنوية بالغة التركيز والأهمية؛ حول استسلام المؤمن لله سبحانه وانقياده له بشكل كامل. فهذه هي الإرادة الحقيقية التي ينبغي للمؤمن أن يتمتع بها، وليس، كما ذهب "نيتشه"، أن إرادة الحق في عرف الحكماء، ليست إلا تلك القوة التي تحفز وتضطرم، تلك هي إرادتهم التي يسميها هو «إرادة تصور الوجود»؛ فإنهم يطمحون إلى جعل كل موجود خاضعا لتصورهم، وهم يحاذرون بحق أن يكون هذا الوجود قد أحاط به التصور من
قبل، فيريدون أن يخضعوه لإرادتهم كل كائن؛ ليتحكموا فيه بالصقل ليصبح مرآة تنعكس
عليها صورة العقل. هذا ما يطمحون إليه، وتلك هي إرادتهم تجاه القوة والشر وتقدير قيَم الأشياء. إنهم يريدون خلق عالم يمكن لهم أن يجثوا أمامه، تلك هي نهاية نشوتهم وآخر أمنية لهم. ولكن البسطاء الذين يدعون شعبا يشبهون نهرا تخوضه أبدا باخرة تقل الشرائع، وقد جلسن عليها بعظمة، وأنزلن على وجوههن الحجاب. إن الخطر الذي يتهدد شرهم لا يكمن في النهر، بل الخطر كل الخطر في إرادة القوة نفسها؛ لأنها الإرادة الحية الدائمة المبدعة. [4]
الحقيقة الشرعية:
ويبين ابن تيمية مفصلا "الحقيقة الشرعية في هذا المجال أن هذا المقام نوعان: أحدهما أن يكون العبد مأمورا فيما فعله الرب؛ إما بحب له وإعانة عليه، وإما ببغض له ودفع له. والثاني ألا يكون العبد مأمورا بواحد منهما. ويشير إلى أن كلام الشيخ عبد القادر الجيلاني يدور على هذا القطب، وهو أن العبد يفعل المأمور ويترك المحظور، ويخلو فيما سواهما عن إرادة؛ لئلا يكون له هو مراد غير فعل ما أمره به ربه، وما لم يؤمر به العبد، بل فعله الرب عز وجل بلا واسطة العبد، أو فعله بالعبد بلا هوى من العبد؛ فهذا هو القدر الذي عليه أن يرضى به. ومن كلام الشيخ عبد القادر الجيلاني ما يبين مراده، وأن العبد في كل حال عليه أن يفعل ما أمر به ويترك ما نهي عنه. وأما إذا لم يكن هو أمرا للعبد بشيء من ذلك؛ فما فعله الرب كان علينا التسليم فيما فعله، وهذه هي "الحقيقة" في كلام الشيخ ( يقصد الشيخ عبد القادر الجيلاني) وأمثاله. [5]
والْحَقِيقَةُ، كما ذهب أبو بكر الجصاص، "مَا سُمِّيَ بِهِ الشَّيْءُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ وَمَوْضُوعِهَا"، و وَالْمَجَازُ (هُوَ) "مَا يَجُوزُ بِهِ الْمَوْضِعُ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ لَهُ فِي الْأَصْلِ وَسُمِّيَ بِهِ مَا لَيْسَ الِاسْمُ لَهُ حَقِيقَةً"، فالْحَقِيقَةَ مَا لَا يَنْتَفِي عَنْ مُسَمَّيَاتِهِ بِحَالٍ. وَالْمَجَازُ مَا يَنْتَفِي عَنْ مُسَمَّيَاتِهِ بِحَالٍ. مثال ذلك: أَنَّا إذَا سَمَّيْنَا الْجَدَّ أَبًا وَالْأَبَ الْأَدْنَى أَبًا فَإِنَّ اسْمَ الْأَبِ قَدْ يَنْتَفِي عَنِ الْجَدِّ بِحَالٍ؛ بِأَنْ نَقُولَ لَيْسَ هَذَا بِأَبِيهِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَا يَنْتَفِي ذَلِكَ عَنْ الْأَبِ الْأَدْنَى. ومثال المجاز قَوْله تَعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا } [يوسف: 82] وَمَعْنَاهُ (وَ) اسْأَلْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ حَقِيقَةً لَكَانَتِ الْقَرْيَةُ هِيَ الْمَسْؤُولَةَ، وَمُحَالٌ مَسْأَلَةُ الْجُدْرَانِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ أَهْلَ الْقَرْيَةِ يُسَمَّوْنَ قَرْيَةً إذَا كَانُوا فِيهَا. قِيلَ لَهُ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ مَتَى أَشَرْنَا إلَى رِجَالٍ فِي الْقَرْيَةِ أَنْ نَقُولَ هَؤُلَاءِ قَرْيَةٌ نُرِيدُ بِهِ الرِّجَالَ دُونَ الْبُنْيَانِ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ إطْلَاقًا عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ، (وَلَكَانَ جَائِزًا) أَنْ يُسَمَّى هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ الْقَرْيَةِ؛ فَنَقُولُ إنَّهُمْ قَرْيَةٌ لِأَنَّ الِاسْمَ لَهُمْ حَقِيقَةٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَنْفِي الْمَجَاز،َ وَأَلا يَمْنَعَ خُرُوجُهُمْ مِنْهَا إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ قَرْيَةٌ كَمَا لَا يَمْنَعُ إطْلَاقُ الْقَوْلِ فِيهِمْ بِأَنَّهُمْ رِجَالٌ حَيْثُ كَانُوا، فَدَلَّ امْتِنَاعُ إطْلَاقِ اسْمِ الْقَرْيَةِ عَلَى جَمَاعَةِ رِجَالٍ أَنَّ الْقَرْيَةَ لَا تَكُونُ اسْمًا لِلرِّجَالِ بِحَالٍ، وَأَنَّ قَوْلَهُ {وَاسْأَل الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]. أما الْحَقِيقَة فهي مَا لَا يَنْتَفِي عَنْ مُسَمَّيَاتِهِ بِحَالٍ، وَالْمَجَازُ مَا يَنْتَفِي عَنْ مُسَمَّيَاتِهِ بِحَالٍ. نَظِيرُ ذَلِكَ أَنَّا إذَا سَمَّيْنَا الْجَدَّ أَبًا وَالْأَبَ الْأَدْنَى أَبًا فَإِنَّ اسْمَ الْأَبِ قَدْ يَنْتَفِي عَن الْجَدِّ بِحَالٍ؛ بِأَنْ نَقُولَ لَيْسَ هَذَا بِأَبِيهِ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَا يَنْتَفِي ذَلِكَ عَن الْأَبِ الْأَدْنَى. [6]
تلك هي الحقيقة، بشكل عام وموجز جدا في علم الروح الإسلامي. لكن يتم تقديم الحقيقة بشكل يكشف عن تباين حاد في فهمها، من قبل العقل الفلسفي المعاصر.
فمثلا، يناقش "هابرماس" التعددية التأويلية في سياق أكبر، أي في سياق مناقشته الحقيقة. بالنسبة لـ"هابرماس" التعددية التأويلية تأتي في سياق تحديد صورة معينة للعالم، ولفهم الذات أيضا، ولإدراك القيم والمصالح المرتبطة بالأشخاص ارتباطا حميميا، وقد عمل التاريخ الفردي على الزج بها في تقاليد الحياة الخاصة. هذه الكثرة في الرؤى المؤولة؛ هي في الواقع السبب الذي يجعل التفكير ذاتيا، ومهما تكن مميزاته، سيبقى فكرا منفتحا على البدهيات؛ التي لا تستنفد معنى مبدأ الشموليانية والمقبولة بشكل عام، ومن ثم فإننا هنا لا نحمل ممارسة الفضسلة المعرفية الخاصة بالتقرب إلى الغير؛ إلا بوصفنا مشاركين في حوار شامل يهدف إلى الوصول إلى إجماع ميعن؛ وذلك بسبب الاختلافات المتبادلة التي تتجلى بخاصة في الإدراك الخاص بالحالات المشتركة. ويفترض هذا معرفة بالطريقة التي يتبعها كل مشارك من المشاركين في المناقشة؛ إنطلاقا من رؤيته الخاصة في إرساء السياق العام، الذي يضم مختلف المصالح المعينة. [7]
في الاتباع:
يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني: " تبعوا ولا تبتدعوا، وأطيعوا ولا تمرقوا، ووحدوا ولا تشركوا، ونزهوا الحق ولا تتهموا، وصدقوا ولا تشكوا، واصبروا ولا تجزعوا، واثبتوا ولا تنفروا، واسألوا ولا تسأموا، وانتظروا وترقبوا ولا تيأسوا، وتواخوا ولا تعادوا، واجتمعوا على الطاعة ولا تتفرقوا، وتحابوا ولا تباغضوا، وتطهروا عن الذنوب وبها لا تدنسوا ولا تتلطخوا، وبطاعة ربكم فتزينوا، وعن باب مولاكم فلا تبرحوا، وعن الإقبال عليه فلا تتولوا، وبالتوبة فلا تسوفوا، وعن الاعتذار إلى خالقكم في آناء الليل وأطراف النهار فلا تملوا، فلعلكم ترحمون وتسعدون، وعن النار تبعدون...".[8]
الأفعال التي يمكن دخولها تحت الأمر والنهي لا تكون متساوية من كل وجه؛ بل إن فعلت على الوجه المحبوب كان وجودها خيرا "للعبد، وإلا كان تركها خيرا" له، وإن لم يعاقب عليها ففضول المباح التي لا تعين على الطاعة عدمها خير من وجودها إذا كان مع عدمها يشتغل بطاعة الله؛ فإنها تكون شاغلة له عن ذلك، وأما إذا قدر أنها تشغله عما دونها فهي خير له مما دونها، وإن شغلته عن معصية الله كانت رحمة في حقه، وإن كان اشتغاله بطاعة الله خيرا له من هذا وهذا. [9]
الاتباع المتقدم، في تصوري، يجعل الإنسان في حالة إستقرار روحي – جسدي، بما يبعده عن ( الصراع الباطل) وأنواعه المختلفة. ففي نظريات النزاع أو الصراع التي يشير إليها "شيللنج"، خط رئيسٌ يفصل بين تلك النظريات التي تتعامل مع النزاعات على أنها حالة مرضية وتسعى إلى معرفة أبعادها وأسبابها وعلاجها، وتعمل على دراسة السلوك المرتبط بها. وتنقسم الأخيرة إلى نوعين: الأول يركز على المشاركين في الصراع، أي فيما يتعلق بالسلوك العقلاني واللاعقلاني والواعي وغير الواعي، أما الآخر فيركز على نوع النزاع أكثر وعيا وعقلانية. [10]
وبالتواصل مع كلام الشيخ عبد القادر الجيلاني حول الاتباع؛ فكذلك أفعال الغفلة والشهوة التي يمكن الاستعانة بها على الطاعة: كالنوم الذي يقصد به الاستعانة على العبادة، والأكل والشرب واللباس والنكاح الذي يمكن الاستعانة به على العبادة، إذا لم يقصد به ذلك كان ذلك نقصا من العبد وفوات حسنةٍ وخيرٍ يحبه الله. وأيضا فالعبد هو مأمور بفعل ما يحتاج إليه من المباحات، هو مأمور بالأكل عند الجوع والشرب عند العطش، ولهذا يجب على المضطر إلى الميتة أن يأكل منها ولو لم يأكل حتى مات كان مستوجبا للوعيد، كما هو قول جماهير العلماء من الأئمة الأربعة وغيرهم. ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال لسعد: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة، حتى اللقمة تضعها في في امرأتك"، وقال في الحديث الصحيح: "نفقة المسلم على أهله يحتسبها صدقة". فعدول المؤمن عن الرهبانية والتشديد وتعذيب النفس الذي لا يحبه الله إلى ما يحبه الله من الرخصة؛ هو من الحسنات التي يثيبه الله عليها، وإن فعل مباحا لما اقترن به من الاعتقاد والقصد اللذين كلاهما طاعة لله ورسوله. فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى. [11]
ما تقدم هو الانسجام الذي يقدمه (لم الروح الإسلامي) لمتطلبات العلاقة بين الروح والجسد، وهذا ما يفترق به، أي هذا الانسجام، عن فكرة الروح في مشروع "ماكس هوركهايمر" و"تيودور أدورنو" عن الروح، فالروح، بالنسبة لهما، أثناء الحركة، ليست إٍسقاطا، بل هي الصدى لما في ذهن البدائي من جبروت الطبيعة، والقسمة بين حي ومن ليس له حياة، وعزو بعض الأماكن للشياطين أو للآلهة، لا يبدو أمام هذا الكائن ما قبل الإحيائي حاملا للقسمة بين الذات والموضوع. فالتنوير هو عقلنة الرعب الميتولوجي، لا شيء يمكن أن يبقى في الخارج، ذلك أن فكرة الخارج بالذات ليست أكثر من المصدر الذاتي للرعب. [12]
(فالتنوير الإسلامي) يقوم على أساس مبدأ ( اقتران العقل بالعمل)، خلافا للفلسفة اليونانية التي كانت ترى اقتران العقل بالقول، فاقتران العقل بالعمل أقرب إلى التداول الإسلامي، بل هو أصل من أصوله الأساسية، فالعقل في (التنوير الإسلامي) علامة على تحصيل العلم الذي يصحبه التغلغل في العمل. [1]
والسلوك بالنسبة للمسلم ( سلوك للأبرار وسلوك للمقربين) سلوك الأبرار أهل اليمين، وهو أداء الواجبات وترك المحرمات باطنا وظاهرا. و(الثاني): سلوك المقربين السابقين، وهو فعل الواجب والمستحب بحسب الإمكان وترك المكروه والمحرم. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه. وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". وطريق الخاصة طريق المقربين ألا يفعل العبد إلا ما أمر به، ولا يريد إلا ما أمر الله ورسوله بإرادته، وهو ما يحبه الله ويرضاه ويريده إرادة دينية شرعية، وإلا فالحوادث كلها مرادة له خلقا وتكوينا. وكذلك يحب الإيمان والعمل الصالح الذي ينفعه، ويبغض الكفر والفسوق الذي يضره، بل ويحب الله وعبادته وحده ويبغض عبادة ما دونه. والوقوف مع الإرادة الخلقية القدرية مطلقا غير مقدور عقلا ولا مأمور شرعا. وذلك لأن من الحوادث ما يجب دفعه ولا تجوز إرادته، كمن أراد تكفير الرجل أو تكفير أهله، أو الفجور به أو بأهله، أو أراد قتل النبي وهو قادر على دفعه، أو أراد إضلال الخلق، وإفساد دينهم ودنياهم، فهذه الأمور يجب دفعها وكراهتها، لا تجوز إرادتها. وأما الامتناع عقلا؛ فلأن الإنسان مجبول على حب ما يلائمه وبغض ما ينافره، فهو عند الجوع يحب ما يقيته كالطعام ولا يحب ما لا يقيته كالتراب، فلا يمكن أن تكون إرادته لهذين سواء. وكلام الشيوخ الكبار كالشيخ عبد القادر وغيره يشير إلى هذا السلوك، ولهذا يأمرون بما هو مستحب غير واجب وينهون عما هو مكروه غير محرم؛ فإنهم يسلكون بالخاصة مسلك الخاصة وبالعامة مسلك العامة. [14]
الاستسلام الكامل لله سبحانه:
جاء في فتوح الغيب في هذا المعنى:
" إذا ابتلي العبد ببلية تحرك أولا في نفسه بنفسه، فإن لم يتخلص منها استعان بالخلق كالسلاطين وأرباب المناصب وأرباب الدنيا وأصحاب الأحوال وأهل الطب في الأمراض والأوجاع، فإن لم يجد في ذلك خلاصا رجع إلى ربّه بالدعاء والتضرع والثناء. ما دام يجد بنفسه نصرة لم يرجع إلى الخلق، وما دام يجد به نصرة عند الخلق لم يرجع إلى الخالق، ثم إذا لم يجد عند الخلق نصرة استطرح بين يديه مديما للسؤال والدعاء والتضرع والثناء والافتقار مع الخوف والرجاء، ثم يعجزه الخالق عزَّ وجلَّ عن الدعاء، ولم يجبه حتى ينقطع عن جميع الأسباب، فحينئذ ينفذ فيه القدر ويفعل فيه الفعل، فيفنى العبد عن جميع الأسباب والحركات، فيبقى روحا فقط، فلا يرى إلا فعل الحق فيصير موقنا موحدا ضرورة، يقطع ألا فاعل في الحقيقة إلا الله لا محرك ولا مسكن إلا الله ولا خير ولا ضر ولا نفع ولا عطاء ولا منع، ولا فتح ولا غلق، ولا موت ولا حياة، ولا عزّ ولا ذل؛ إلا بيد الله، فيصير في القدر كالطفل الرضيع في يد الظئر والميت الغسيل في يد الغاسل والكرة في صولجان الفارس، يقلب ويغير ويبدل، ويكون ولا حراك به في نفسه ولا في غيره فهو غائب عن نفسه في فعل مولاه، فلا يرى غير مولاه وفعله، ولا يسمع ولا يعقل من غيره إن بصر وإن سمع وعلم،ـ فلكلامه سمع، ولعلمه علم، وبنعمته تنعم، وبقربه تسعد، وبتقريبه تزين وتشرف، وبوعده طاب وسكن، به اطمأن، وبحديثه أنس، وعن غيره استوحش ونفر، وإلى ذكره التجأ وركن، وبه عزَّ وجلَّ وثق وعليه توكل، وبنور معرفته اهتدى وتقمص وتسربل، وعلى غرائب علومه اطلع، وعلى أسرار قدرته أشرف، ومنه سمع ووعي، ثم على ذلك حمد وأثنى وشكر ودعا". [15]
فإذا عرف أن العبد مفطور على حب ما ينفعه وبغض ما يضره؛ لم يمكن أن تستوي إرادته لجميع الحوادث فطرة وخلقا ولا هو مأمور من جهة الشرع أن يكون مريدا لجميع الحوادث؛ بل قد أمره الله بإرادة أمور وكراهة أخرى. وهذا لأن حقيقة التوحيد ألا تحب إلا الله وتحب ما يحبه الله لله؛ فلا تحب إلا لله ولا تبغض إلا لله، قال تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } [ البقرة: 165]. والفرق ثابت بين الحب لله والحب مع الله، فأهل التوحيد والإخلاص يحبون غير الله لله، والمشركون يحبون غير الله مع الله، والرسل -عليهم الصلاة والسلام- بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها لا بتحويل الفطرة وتغييرها. وقد قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم : 30]. [16]
واستسلام المؤمن الكامل لله سبحانه هو ما يفترق به علم الروح الإسلامي عن مقاربات الحداثة بحسب توصيفات "الآن تورين". يشرح "تورين" كيف أن نظام الحداثة ومنهجها يدفع بالإنسان دفعا إلى التخلي عن الله والاعتماد على ذاته. ويؤكد أن المستحيل أن نطلق كلمة حديث على مجتمع يسعى لأن ينتظم ويعمل طبقا لوحي إلهي أو جوهر قومي. فالحداثة تعلن القطيعة الضرورية مع الغائية الدينية التي تنادي دوما بنهاية للتاريخ، سواء أعن طريق تحقق تام لمشروع إلهي أم اختفاء لإنسانية منحرفة لم تخلص لرسالتها. وفكرة الحداثة لا تستبعد فكرة نهاية التاريخ، كما ذهب إلى ذلك كبار مفكري التاريخية مثل "كونت" و"هيجل" و"ماركس"، ولكن نهاية التاريخ هي هنا بالأحرى ما قبل التاريخ، وهي أيضا بداية لتطور يدفعه التقدم التقني وتحرير الحاجات الأساسية وانتصار العقل. تحل فكرة الحداثة فكرة العلم محل الله في قلب المجتمع، وتقصر الاعتقادات على الحياة الخاصة بكل فرد. ومن جهة أخرى، فإنه لا يكفي أن تكون هناك تطبيقات تَقانية للعلم لكي نتحدث عن مجتمع حديث، ينبغي حماية النشاط العقلي من الدعايات الأساسية أو من الاعتقادات الدينية، وأن تقوم عمومية القانون بحماية هذا النشاط، ضد المحاباة والفساد والمحسوبية، وألا تكون الإدارات العامة والخاصة أدواتٍ لسلطة شخصية. ينبغي الفصل بين الحياة العامة والحياة الخاصة، كما ينبغي الفصل بين الثروات الخاصة وميزانية الدولة أو المؤسسات الإنتاجية. [17]
إن استسلام المؤمن لله سبحانه وتعالى هو الذي يوصل الإنسان المؤمن إلى السعادة في أقصى مستوى لها. وهذا ما يختلف به علم الروح الإسلامي مع نظرية "جون ستيوارت مل"؛ حينما يذهب إلى أن النظرية التي تعتنق المنفعة أو مبدأ أعظم قدرا من السعادة كأساس للأخلاق، وأن الأفعال تكون صوابا بقدر ما تساعد على زيادة السعادة، وخطأ بقدر ما تساعد على إنتاج ما هو عكس السعادة. ما يقصده "ستيوارت مل" بالسعادة اللذة وغياب الألم، وبالتعاسة الألم وغياب اللذة. فاللذة والتحرر من الألم هما الشيئان المرغوبان الوحيدان كغايات، وأن كل الأشياء المرغوب فيها بموجب المذهب النفعي هي مرغوبة إما بسبب اللذة الكامنة فيها أو كوسيلة لزيادة اللذة وتجنب الألم، على الرغم من أن هذه النظرية تثير الكراهية لدى كثير من العقول، وقد يكون بعضها متميزا بأنبل المشاعر والغايات. ويؤكد "ستيوارت مل" بأن ليس لديه جواب حول سبب تفاوت اللذات، لكن المهم بالنسبة له أن كل من اختبر لذة من بين لذتين وفضلها على اللذة الأخرى بغض النظر عن أي شعور بالإلزام الخلقي في تفضيله، فإن ما يفضله فيها هو المقدار الأكبر من اللذة. [18]
فهو استسلام حقيقي ناجم عن إرادة واعية، وليس الموضوع كما ذهب "نيشته" إلى أنه فعل من أفعال أساطين الشعوذة، هؤلاء الذي يتقنون تحويل الأسود الفاحم إلى بياض ناصع كبياض الحليب والبراءة، إنهم يقومون بذلك بدقة مفرطة ولمسة فنية جسور، وروحانية كاذبة. فهم يرددون: نحن معشر الطيبين، نحن معشر العادلين. إنهم يكرهون الظلم والكفر، إنهم يعتقدون بالانتقام اللذيذ (وهو ألذ من العسل)، كما كان يقول "هوميروس"، بل بانتصار مشيئة الله، انتصار إله العدالة على الظالمين. فهم لا يحبون إخوانهم في الكراهية، بل يحبون إخوانهم في العدالة، جميع الطيبين والعادلين على وجه الأرض. [19]
الخاتمة:
1ـ بين الشيخ عبد القادر الجيلاني أن أحوال المؤمن تتمثل في أمر ونهي وقدر يؤمن به، وهذا ما يفسر بالتقوى، وهذه إرادة المؤمن الحقيقية خلافا لـ"نيتشه".
2ـ العابد يتصرف بموجب الإرادة الشرعية أمرا ونهيا وخضوعا، وهذا هو معنى الحقيقة.
3ـ اتباع الشرع أحد الوصايا الرئيسة في ( فتوح الغيب).
4ـ ولذلك يطالب الشيخ الجيلاني بالاستسلام الكامل لله سبحانه، وهي نقطة خلاف جوهرية مع مشروع الحداثة على طريق "تورين".
قائمة المصادر والمراجع
1ـ الألباني، محمد ناصر الدين: "صحيح الجامع الصغير وزيادته"، ط3، المكتب الإسلامي - بيروت، 1408هـ.
2ـ "تورين آلان": "نقد الحداثة"، ترجمة أنور مغيث، المجلس الأعلى للثقافة، مصر، 1997 م.
3ـ ابن تيمية: "شرح كلمات من فتوح الغيب"، ضمن: "جامع الرسائل"، (المجموعة الثانية)، تحقيق د. محمد رشاد سالم، دار المدني، جدة، بدون تاريخ.
4 ـ البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبد الله الجعفي: "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه"، تحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر، ط1، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، 1422هـ.
5 ـ الجصاص، أحمد بن علي أبو بكر الرازي الحنفي (المتوفى سنة 370هـ)، " الفصول في الأصول"، وزارة الأوقاف الكويتية، 1414هـ - 1994م.
6 ـ الجيلاني، الشيخ عبد القادر (ت 561 ه): " فتوح الغيب"، مع تعليقات شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728ه)، حقق نصوصه وخرج أحاديثه عبد العليم محمد الدرويش، دار الهادي، بيروت، دار الزاهر، دمشق، 2007.
7 ـ ابن حبان: "صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان"، تحقيق شعيب الأرنؤوط، ط2، مؤسسة الرسالة – بيروت 1414ه.
8 ـ د. رواء محمود حسين: " نحو علم إسلامي روحي.. مساهمة في نقد الأزمة المادية للحداثة والإنسان المعاصر"، مركز نماء، الرياض، 3 / 11 / 2012 م، على الرابط الآتي:http://nama-center.com/ActivitieDatials.aspx?id=321
9 ـ السيوطي، عبدالرحمن بن أبي بكر: "تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي"، تحقيق طارق بن عوض الله بن محمد، ط1، دار العاصمة – الرياض، 1424هـ.
10ـ "شيللنج"، "توماس": " إستراتيجية الصراع"، ترجمة نزهت طيب وأكرم حمدان، الدار العربية للعلوم، ناشرون، بيروت، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، ط1، 1431 ه – 2010 م.
11ـ عبد الرحمن، طه: " سؤال العمل: بحث في الأصول العملية في الفكر والعلم"، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، 2012م.
12ـ "مل"، "جون ستيوارت": "أسس الليبرالية السياسية"، ترجمة وتقديم وتعليق د. إمام عبد الفتاح إمام، ود. "ميشيل متياس"، مكتبة مدبولي، القاهرة، بدون تاريخ.
13ـ نيتشه: "هكذا تكلم "زرادشت": كتاب للكل ولا لأحد"، ترجمة "فليكس فارس"، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2014م.
14ـ نيتشه: "أصل الأخلاق وفصلها"، ترجمة حسن قبيسي، بدون بيانات أخرى.
15ـ "ابرماس، يورغن": "إتيقا المناقشة ومسألة الحقيقة"، ترجمة وتقديم د. عمر مهيبل، ط1، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، منشورات الاختلاف، الجزائر، 1431هـ - 2010م.
16ـ "هوركهايمر"، "ماكس"، "تيودور أدورنو": "جدل التنوير: شذرات فلسفية"، ترجمة د. جورج كتورة، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2006م.
17ـ الهيتمي، أحمد بن محمد بن حجر: "الزواجر عن اقتراف الكبائر"، دار المعرفة – بيروت، بدون تاريخ.
[1] مركز نماء، الرياض، 3 / 11 / 2012 م، على الرابط الآتي: http://nama-center.com/ActivitieDatials.aspx?id=321
[2] الشيخ عبد القادر الجيلاني (ت 561 هـ): "فتوح الغيب"، مع تعليقات شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ)، حقق نصوصه وخرج أحاديثه عبد العليم محمد الدرويش، دار الهادي، بيروت، دار الزاهر، دمشق، 2007، ص 42.
[3] ابن تيمية: "شرح كلمات من فتوح الغيب"، ضمن: "جامع الرسائل"، (المجموعة الثانية)، تحقيق د. محمد رشاد سالم، دار المدني، جدة، بدون تاريخ، ص 75.
[4] نيتشه: "هكذا تكلم "زرادشت": "كتاب للكل ولا لأحد"، ترجمة "فليكس فارس"، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2014م، ص 144.
[5] ابن تيمية: " شرح كلمات من فتوح الغيب"، ضمن: "جامع الرسائل"، ( المجموعة الثانية)، ص 77 - 79.
[6] أحمد بن علي أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي (المتوفى: 370هـ)، " الفصول في الأصول"، وزارة الأوقاف الكويتية، 1414هـ - 1994م، 1/ 361 - 362.
[7] يورغن هابرماس: "إتيقا المناقشة ومسألة الحقيقة"، ترجمة وتقديم د. عمر مهيبل، ط1، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، منشورات الاختلاف، الجزائر، 1431هـ - 2010م، ص 21 - 22.
[8] الشيخ عبد القادر الجيلاني (ت 561 هـ): "فتوح الغيب"، ص 58.
[9] ابن تيمية: "شرح كلمات من فتوح الغيب"، ضمن: "جامع الرسائل"، (المجموعة الثانية)، ص 79.
[10] "توماس شيللنج": "استراتيجية الصراع"، ترجمة نزهت طيب وأكرم حمدان، الدار العربية للعلوم، ناشرون، بيروت، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، ط1، 1431 ه – 2010 م، ص 11.
[11] ابن تيمية: شرح كلمات من فتوح الغيب"، ضمن: "جامع الرسائل"، ( المجموعة الثانية)، ص 79 - 82. جاء في صحيح البخاري: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا، قَالَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ عَفْرَاءَ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: «لاَ»، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ، قَالَ: «لاَ»، قُلْتُ: الثُّلُثُ، قَالَ: «فَالثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ، فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ»، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا ابْنَةٌ. ينظر: محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي: "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه"، تحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر، ط1، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، 1422هـ، 4 / 3، حديث رقم (2742).
وجاء أيضا في صحيح البخاري: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، فَقُلْتُ: عَنِ النَّبِيِّ؟ فَقَالَ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَنْفَقَ المُسْلِمُ نَفَقَةً عَلَى أَهْلِهِ، وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً». ينظر: "صحيح البخاري"، 7 / 62، حديث رقم (5351).
[12] "ماكس هوركهايمر" و"تيودور أدورنو": "جدل التنوير: شذرات فلسفية"، ترجمة د. جورج كتورة، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2006 م، ص 36 – 37.
[13] طه عبد الرحمن: "سؤال العمل: بحث في الأصول العملية في الفكر والعلم"، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، 2012م، ص 36.
[14] ابن تيمية: " شرح كلمات من فتوح الغيب"، ضمن: " جامع الرسائل"، ( المجموعة الثانية)، ص 82 - 83. وينظر تخريج الحديث عند: محمد بن حبان البستي: "صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان"، تحقيق شعيب الأرنؤوط، ط2، مؤسسة الرسالة – بيروت 1414ه، الرقم ( 3704)، وينظر أيضاً: محمد ناصر الدين الألباني: "صحيح الجامع الصغير وزيادته"، ط3، المكتب الإسلامي - بيروت، 1408هـ، الرقم (3430)، عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي: "تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي"، تحقيق طارق بن عوض الله بن محمد، ط1، دار العاصمة – الرياض، 1424هـ، 1/ 494، أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي: "الزواجر عن اقتراف الكبائر"، دار المعرفة – بيروت، بدون تاريخ، 1/ 13،
[15] الشيخ عبد القادر الجيلاني (ت 561 هـ): "فتوح الغيب"، ص 59 – 60.
[16] ابن تيمية: "شرح كلمات من فتوح الغيب"، ضمن: " جامع الرسائل"، (المجموعة الثانية)، ص 84 - 85.
[17] "آلان تورين": "نقد الحداثة "، ترجمة أنور مغيث، المجلس الأعلى للثقافة، مصر، 1997 م، ص 29 – 30.
[18] "جون ستيوارت مل": "أسس الليبرالية السياسية"، ترجمة وتقديم وتعليق د. إمام عبد الفتاح إمام، و"د. ميشيل متياس"، مكتبة مدبولي، القاهرة، بدون تاريخ، ص 44، 46.
[19] نيتشه: "أصل الأخلاق وفصلها"، ترجمة حسن قبيسي، بدون بيانات أخرى، ص 43.
التدقيق اللغوي: حميد نجاحي.
{jcomments off}