لفظ الثقافة الإسلامية يستخدم في وصف المظاهر الحضارية والمظاهر الثقافية المرتبطة بالمسلمين تاريخياً في أرجاء العالم ، فهي توضّح شئون المسلمين في جميع المجالات دون استثناء ، وتعد الثقافة الإسلاميّة علماً من العلوم ، يقوم على الجمع ما بين الأصول الشرعيّة والواقع الذي تعيشه الأمة ، وتُعدّ هذه الثقافة من الثقافات الصالحة لجميع الأمكنة والأزمنة ، وقد ذكرت الثقافة الإسلاميّة مدى القوة التي وصلت إليها الدولة الإسلاميّة ، وخوض المعارك والحروب في سبيل نشر الدعوة الإسلاميّة .
وتعرف الثقافة الإسلامية بأنها : معرفة الأمة الإسلامية مقوماتها في الماضي والحاضر ، من دين ، وتاريخ ، ولغة ، وحضارة ، وأهداف ، وقيم ، والتعرف على جميع التحديات المعاصرة التي تتعلق بمقومات الدين الإسلامي وأمته الإسلامية .
وللثقافة الإسلاميّة مكانةٌ رفيعة جداً في العالم الإسلامي ، فهي تُعتبر المكوّن الأول من مكونات الثقافة في العالم الإسلامي ، كما تعتبر في بعض المناطق التي لا يوجد فيها تنوع ديني أو أيديولوجي مكوّن الثقافة الأوحد .
وتحقق الثقافة الإسلاميّة التكامل بين الثقافة السياسية والاجتماعية ، وتُعتبر ذات فاعلية عالية في المساهمة في بناء المجتمعات ، كما أنها توحد جهود الأفراد باتجاه واحد نحو القيم والأخلاق العالية لتحقيق أخلاق الرسالة السامية ، وتعميق روح المسؤولية لديهم ، وترغيبهم في العطاء ، وقيادة المجتمعات الفاسدة إلى الصلاح .
أهمية الثقافة الإسلامية :
تنبع أهمية الثقافة الإسلامية من كون الدين الإسلامي دينٌ شامل كامل له تأثيره الملموس على كافة مجالات الحياة ، ومن أهمّ تأثيرات الثقافة الإسلامية على المجتمعات المختلفة أنها عملت على ارتقائها والنهوض بها من الضياع والتيه ، فصار للمسلمين عزٌّ وجاه في العالمين ، كما ساعدت الثقافة الإسلامية على نشر القيم الإنسانية بين الناس ، ووأدِ القيم السيئة التي ترجّح كفة الشر في الإنسان على حساب الخير الموجود بداخله .
ومن ثم فإن للثقافة الإسلاميّة أهميّة كبيرة في حياة المسلمين ، ولا تقتصر أهميّتها على جانب معيّن من جوانب الحياة ، بل يكون تأثيرها وأهميّتها في جميع الجوانب على حد سواء وتكمن أهميتها في ما يلي :
1) للثقافة الإسلاميّة أهمية كبيرة في النواحي الروحانيّة للمسلمين ، وذلك من خلال التعاليم الدينيّة التي تتضّمنها ، والتي تمنح الراحة والطمأنينة للمسلمين ، فالدين الإسلاميّ دين عظيم ، ويسعى لتهذيب وراحة النفس البشريّة ، ويتجلّى ذلك في الأحكام الشرعيّة ، والمسائل التي تتعلّق بحياة الإنسان ، والتي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، فهي توضّح للإنسان الطريق الصحيح الذي يجب أن يسير فيه لكي يحظى بالهدوء والراحة والطمأنينة في حياته ، وهي صالحة لكل زمان ومكان .
2) وللثقافة الإسلاميّة أهميّة كبيرة في تطور وبناء المستقبل من خلال ارتباطه الوثيق بالماضي ، ويتم ذلك من خلال الاطّلاع على التاريخ الماضي ، ومعرفة كلّ ما يتعلق به من أسباب القوّة والضعف التي كانت سائدة في ذلك الوقت ، ومعرفة مدى ملائمة هذه الأسباب للوقت الحاضر والمستقبل ، والاستفادة من الأخطاء التي حصلت في الماضي ، وتجنّب تكرارها في الوقت الحاضر ، واستغلال كلّ الأساليب والطرق الصحيحة التي كانت متّبعة في ذلك الوقت ، للنهوض بالمجتمع الصحيح والخالي من أي خطأ يُذكر .
3) كما أن للثقافة الإسلاميّة أهميّة كبيرة في تنمية المسلم وتطويره على كافة المستويات ، فالقيم والمبادئ التي جاء بها الإسلام كفيلة بأن تطوّر المسلم إذا التزم بها ، فهي مبادئ وُضعت ليتم تطبيقها في شؤون الحياة المختلفة ، ولم توضع لكي يتم استغلالها في أمور ضارّة وغير نافعة ، لذلك يجب الاطّلاع على سير وحياة المسلمين القدامى ، والاقتداء بهم ، فالغالبية العظمى من المسلمين في الوقت الحاضر غير ملتزمين بالمبادئ العظيمة والشرائع التي وضعت ، فلو التزموا خير التزام لما وصل حال المسلمين لما وصل إليه في هذا الوقت .
مصادر الثقافة الإسلامية :
1) القرآن الكريم :
ويعتبر القرآن الكريم الكتاب الجامع المانع الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو الكتاب الخاتم المُنزَّل على قلب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم .
ويحتوي القرآن الكريم على العديد من المواضيع الهامة والتي ترفع من شأن الإنسان لتوصله إلى أعلى المراتب وأرقاها في الدنيا والآخرة ، وقد شكلت هذه الموضوعات المهمّة وعلى رأسها التشريعات الإسلامية ، والقصص القرآنية ، والنواحي الإيمانية والعقدية والقيمية والأخلاقية جزءاً كبيراً ومهمّاً من الثقافة الإسلامية ، ومن أبرز الأدلّة على ذلك دخول المصطلحات القرآنية إلى مصطلحات اللغة اليوميّة المحكيّة لتصير جزءاً مهمّاً منها ، عدا عن أنّ بعض القصص القرآنية صارت قصصاً أيقونية تحكى للعبرة والعظة .
2) السنة النبوية الشريفة :
وتعتبر السنة النبويّة الشريفة ثاني أهم مصادر الثقافة الإسلامية ، فهي حاضنة الإرث النبوي العظيم ، وقد أسهمت السنة النبوية في إعادة تشكيل الوعي الإسلامي بطريقة رائعة ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة لا نظير لها ، وهو مثال المسلمين الأعلى ، ومن هنا فقد حرص المسلمون على تتبع أخباره ، ومعرفة أقواله وأفعاله وتقريراته ، طمعاً منهم في السير على نهجه الكريم الجليل .
ويجد الزائر للبلاد الإسلاميّة أن هناك تأثيراً واضحاً للسنة النبوية الكريمة في الثقافة السائدة بين الناس ، إذ يظهر ذلك من خلال ترديد بعض الأحاديث النبويّة بشكل دائم ومستمر ، حتى أنّ البعض صار يُردّد أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يدري أن ما يقوله ينسب لشخص الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام .
3) مواقف وأقوال الصحابة والتابعين والعلماء :
يعتبر الصحابة رضوان الله عليهم حملة الدين من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهم الذين تحمّلوا المشقة والتعب في سبيل إيصال هذه الرسالة السمحة إلى كافة بقاع الدنيا ، ونحن كمسلمين نشهد الله أنّ هذا الجيل العظيم قد أدى الأمانة على أكمل وأتم وجه ، ونظراً لشدّة اقتناع المسلمين بالدور العظيم للصحابة في نقل هذا الدين وحفظه ، فقد صارت مواقفهم وأقوالهم جزءاً أصيلاً من أجزاء الثقافة الإسلامية .
إن ما ينطبق على الصحابة ينطبق أيضاً وبدرجات متفاوتة على كلّ من تلاهم من التابعين ، والعلماء الكرام ، والمجاهدين ، والصالحين ، والمفكّرين ، وغيرهم ممّن أسهموا في خدمة الدين الإسلامي الحنيف وتقديمه للعالم بأبهى حلة وأجمل صورة مهما كان مجال تفوّقه وبروزه .
أهداف الثقافة الإسلامية :
تتلخص أهداف الثقافة الإسلامية في :
* تقديم تصور كامل وشامل وصحيح للكون وحياة الإنسان ، وذلك من خلال تحديد علاقة الإنسان بنفسه وعلاقته بالكون وعلاقته بربه وعلاقته بالآخرين .
* إظهار النظرة الشمولية للدين الإسلاميّ ، وذلك لأنه دين مترابط ومتكامل لا يفصل فيه أي فرع عن آخر .
* ترجمة وتطبيق التعاليم الإسلامية وأخلاقها في الواقع العملي والسلوكي المحسوس .
* إمداد الشخص بمعلومات متعلقة بالعقيدة الإسلامية ومنهجها وحضارتها ، وذلك كون الإسلام ديناً صالحاً في كل مكان وزمان .
* تحصين الشخص ضد الغزو الفكري بكافة أساليبه وطرقه ووسائله المتنوعة والمختلفة ، الذي يقوم على إذابة الشخصية الإسلامية ودمجها بالثقافة الغربية .
* تنمية روح الولاء إلى الدين الإسلامي والقيام بتقديمها على كافة صور الانتماءات الأخرى ، مثال : العرقية ، والقومية ، والعنصرية ، فالولاء يكون لله عز وجل ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم .
* نقد قضايا العصر من المنظور الإسلامي وتحديد موقفه منها .
* إظهار مميزات وخصائص الدين الإسلامي وسموه على كافة العبادات ، وبيان قدرته على تحقيق السعادة للشخص في الدنيا والآخرة .
آثار الثقافة الإسلامية :
للثقافة الإسلامية عدة آثار من أهمها :
انتشار الدين الإسلامي وثقافته في الشرق الأقصى وذلك من خلال حركة التجار ، حيث قام التجار المسلمون بنقل الكثير من الثقافة الإسلامية ومظاهرها إلى الشعوب المختلفة في قارة أفريقيا وقارة آسيا . تأثير الدين الإسلامي وثقافته على الثقافة الأوربية في كافة الميادين (ميدان الدين ، وميدان العقيدة) . انتشرت الثقافة الإسلامية والدين الإسلامي من خلال حركات الترجمة ، حيث ترجمت الكثير من الكتب الإسلامية والكتب العربية وكتب العلوم والفلسفة إلى لغات متنوعة .