تعذرت حكومة مصر الشقيقة باتفاقيات تنظيم المعابر كي تبرر تقشفها في فتح المنافذ الحدودية التي تفصلها عن قطاع غزة الفلسطيني، رغم ما يعانيه المرابطون من موت بطيء بالحصار، وموت سريع بالقصف البري، والبحري، والجوي. وبعيداً عن الجوانب السياسية، والإنسانية الواجبة الاعتبار، فإنني سأخصص هذا المقال للرد على العذر المصري الرسمي من ناحية قانونية بحتة، وذلك على الوجه التالي:
أولاً: ان الاتفاقيات التي يتم التعلل بها تتضمن التزامات على الجانب الصهيوني تتمثل في عمل المعابر بصورة متواصلة، وضمان انسياب حركة الأشخاص والبضائع عبرها، وتشغيل ميناء غزة البحري، وهي أمور لم يتم الالتزام بها مطلقاً سواء في ظل وجود سلطة الرئاسة الفاسدة، أو مجلس الوزراء الشرعي، مما يسقط الاتفاقيات عملياً، بل ويجيز قانونياً طلب تعويضات مالية من الصهاينة جزاء نقضها للاتفاقيات المبرمة.
ثانياً: إن أهم الاتفاقيات المبرمة في عام 2005، إذ كانت هناك اتفاقيات ثلاث نظمت المعابر بجانب معاهدة «كامب ديفيد» 1979، قد سقطت لكونها تنص على أن مدتها ستة شهور تسقط بانقضائها ما لم تجدد، ولأن المدة انتهت من دون تجديدها، فإنها لم تعد ملزمة لمصر، بل إنه لا يحق لمصر إلزام الأطراف الأخرى بها لسقوط الاتفاق بانتهاء مدته، وكون «العقد هو شريعة المتعاقدين» مبدأ عاماً ومستقراً.
ثالثاً: الاتفاقية تنظم نقطة حدود رفح الفلسطينية، وليست رفح المصرية، ومصر تملك السيادة الكاملة على منافذها، وبالتالي فإن مصر تملك فتح المعبر من ناحيتها، وليست معنية بمن ينظم النقاط الحدودية الفلسطينية، طالما كانت تطبق الإجراءات الجمركية، والأمنية، والقانونية في جانبها.
والتمسك المفرط بالسيادة أمام اللاجئين الفلسطينيين والاغاثات الإنسانية، كان مستغرب جداً، خصوصاً في ظل انتهاكات الجيش الصهيوني المتكررة للسيادة المصرية، عبر قصفها البري والجوي، وهو ما كشفته «هيئة الإذاعة البريطانية» في كثير من تقاريرها ومنها التالي:
«أصيب شرطيان مصريان بجراح جراء تناثر شظايا قنابل الأحد 11 يناير 2009 خلال الغارات الجوية الإسرائيلية على الشريط الحدودي الموازي لمعبر رفح للقضاء على أنفاق التهريب، حسبما ذكر مصدر أمني مصري، ولم يذكر المسؤول مدى شدة الإصابات، مشيراً إلى أن الشرطيين نُقلا إلى المستشفى للعلاج، وكان مسؤولون أمنيون مصريون قد قالوا في وقت مبكر إن القصف الإسرائيلي أدى إلى تدمير بعض المباني وتحطيم عدد من النوافذ».
رابعاً: إن الحصار عمل عدائي منظم في القانون الدولي، وقيام مصر بإغلاق معابرها في وجه اقليم حبيس من جهات ثلاث، يمثل اشتراكاً بفعل غير قانوني، وهو ما يؤكده الدكتور صلاح عامر، أستاذ القانون الدولي في جامعة القاهرة، قائلاً:
«إن حق الاتصال بين الدول هو من الحقوق المعترف بها، ولا يجوز لأي دولة أن تفرض حصاراً يعزل أي دولة ويمنع وصول مقومات الحياة إليها، وفي حال التعارض بين اتفاقيات موقعة وبين القانون الدولي الإنساني فالأولوية للقانون الثاني».
خامساً: إغلاق المعابر بوجه الفلسطينيين، مع العلم بانتهاكات حقوق الإنسان، والاتفاقيات الدولية الجارية في غزة، يمثل فعل اشتراك في جرائم الحرب المرتكبة، حيث تمنع اتفاقية «جنيف الرابعة»، بمادتيها 78، و123 في شأن الشعوب الخاضعة لاحتلال، تعريض السكان للتجويع، أو الإفقار المتعمد، وتلزم الدول بتقديم ما تستطيع من خدمات لإيقاف هذه الانتهاكات.
سادساً: مشاركة في الحصار عبر السماح بدخول شاحنات الأدوية، ومنع دخول الأغذية، والأموال، والمواد الخام، والأفراد إلى قطاع غزة، وعدم السماح بخروج أحد من هناك، عدا بعض الحالات الصحية الحرجة، يمثل إخلالاً بالتزامات القانوني الدولي، عبر مخالفة قرارات كسر الحصار الصادرة عن اجتماعات جامعة الدول العربية، ومنظمة «المؤتمر الإسلامي»، وبمشاركة الوفود المصرية فيها.
ومع سقوط المبررات القانونية، يستمر التساؤل عن دوافع هذا التصرف، ويكشف مساعد وزير الخارجية المصري السابق وأستاذ القانون الدولي الدكتور عبد الله الأشعل ما يعتبره السبب الحقيقي وراء إغلاق المعابر المصرية قائلاً:
«إن إغلاق معبر رفح الحدودي مع غزة يعكس موقفاً سياسياً لا قانونياً، لأسباب ترتبط بالخوف من نجاح التجربة الإسلامية في فلسطين، وامتدادها إلى مصر المجاورة متمثلاً في (جماعة الإخوان المسلمين)، والقاهرة دربت الأجهزة الأمنية التابعة للرئيس الفلسطيني أبو مازن، وتنتظر بفارغ الصبر سقوط حكم (حماس) وعودة حلفائها إلى غزة».
وهو ما أكده نائب رئيس محكمة النقض المصرية المستشار أحمد مكي بقوله:
«ما يقوله النظام المصري كلام سياسي وليس قانونياً، تفرضه ضرورات سياسية تتمثل في عجز مصر عن اتخاذ موقف حازم في مواجهة إسرائيل لظروف سياسية خاصة اقتصادية، وعسكرية، ودولية، وضغوط معينة».
وفي الختام، فإنني قد حاولت أن ألخص الجوانب القانونية لمسألة استمرار السلطات المصرية بالتلكؤ في فتح معابرها مع قطاع غزة الفلسطيني، واقتباساتي مأخوذة من أعلام القانون والقضاء المصري، في دلالة على أن خلافنا مع قرار دولة شقيقة في جانب، لا ينفي اتفاقنا معها في جوانب أخرى، واعتزازنا بدورها، ودور شعبها في القضايا العربية، والإسلامية، والإنسانية، والحمد لله أولاً وأخيراً.