يعتبر قطاع غزة جزءًا لا يتجزأ من أراضي فلسطين التي انتهى عنها الانتداب البريطاني بتاريخ 15 / 05 / 1948، حيث كان من نتائج حرب عام 1948م أن ظل قطاع غزة تحت السيادة العربية الفلسطينية مع خضوعه لرقابة وحماية القوات المصرية في فلسطين، في حين خضعت الضفة الغربية لحكم المملكة الأردنية وذلك حتى الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية في يونيو 1967م. بحيث أصبحت فلسطين أراضي محتلة واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بموجب المادة (42) من اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية، الصادرة في لاهاي 18 / تشرين الأول / 1907م، وقد نصت هذه المادة على ما يلي: "تعتبر أرض الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامها"، وينطبق ما جاء في نص المادة المذكورة على واقع الأراضي الفلسطينية، حيث قامت القوات الإسرائيلية بشن حرب عدوانية عام 1967م تمكنت فيها من احتلال الأراضي الفلسطينية، وتولت مهمة إدارة هذه الأراضي بإقامة إدارة عسكرية، ولهذا الغرض تولى (حاييم هيرتسوغ) السلطات الثلاثة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية؛ وذلك بموجب البلاغ العسكري الثاني الذي أصدرته إسرائيل مباشرة عند احتلالها الأراضي الفلسطينية، وأعلنت في البلاغ الثالث الذي صدر عشية الاحتلال أنها ستقوم بتطبيق اتفاقيات جنيف، فقد جاء في المادة (35) من البلاغ الثالث: (... ينبغي للمحاكم العسكرية ورجالها تطبيق أحكام معاهدة جنيف المؤرخة في (12 / آب / 1949م بخصوص حماية المدنيين أثناء أيام الحرب، بصدد كل ما يتعلق بالإجراءات القضائية، وإذا وجد تناقض بين هذا الأمر وبين المعاهدة المذكورة تكون الأفضلية لأحكام المعاهدة) [1].
ولم يمض وقت طويل عن تراجع الحكومة الإسرائيلية عن موقفها، فبموجب الأمرين العسكريين؛ الأول رقم (107) الخاص بقطاع غزة الصادر بتاريخ 11 / 10 / 1967م، والثاني رقم (144) الخاص بالضفة الغربية الصادر بتاريخ 23 / 11 / 1967م، أوقفت إسرائيل سريان ونفاذ المادة (35) من البلاغ العسكري الثالث، وبررت موقفها بأن ما جاء في تلك المادة، أي تطبيق اتفاقيات جنيف، قد ورد بطريق الخطأ، واعتبرت نفسها أنها لم تقم باحتلال الأراضي الفلسطينية، وإنما تقوم بدور المدير لهذه الأراضي [2]، واستندت في تبرير موقفها إلى الحجج التالية:
أولاً: فراغ السيادة:
ويعني أن اتفاقية جنيف الرابعة لا تطبق إلا إذا حل المحتل محل الحاكم الشرعي، ومن وجهة نظر الفقيه الإسرائيلي "يهودا بلوم" فإن المملكة الأردنية الهاشمية التي حكمت الضفة الغربية منذ عام 1949م إلى يونيو 1967م لم تكن لها سيادة شرعية عليها، وكذلك مصر بالنسبة لقطاع غزة. وبالتالي فإن وجودهما في تلك الأراضي قبل عام 1967م، كان وجودًا غير مشروع. إضافة إلى أن الاتفاقية نفسها ووفقًا للمادة الثانية لا تقبل التطبيق على هذه الأراضي، ولا تنطبق إلا على حالات إقليم طرف سامٍ متعاقد، وحيث إن الضفة الغربية وقطاع غزة لم يكونا تابعين لأية دولة أخرى قبل السيطرة عليهما من قبل إسرائيل، فلا يمكن القول بإمكانية تطبيق الاتفاقية عليهما [3].
ثانيًا: الغزو الدفاعي:
ويعني الغزو الدفاعي أن حرب 1967م كانت حربًا دفاعية من قبل إسرائيل، إذ إنها دخلت الضفة الغربية وقطاع غزة دفاعًا عن نفسها في حرب بدأتها الدول العربية، وبالتالي فإن حق إسرائيل أقوى من حقوق الأردن ومصر على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، لذلك فإن إسرائيل تعتبر نفسها غير ملزمة من الناحية القانونية بتطبيق اتفاقية جنيف على تلك الأراضي، فالأراضي الفلسطينية وقعت في قبضتها في إطار الحرب الدفاعية، وليس في إطار الحرب العدوانية التي تعتبر شرطًا للمطالبة بانطباق اتفاقية جنيف الرابعة [4].
ثالثًا: عدم الإلزامية:
على صعيد القضاء الإسرائيلي، برر قضاة محكمة العدل العليا عدم التزام حكومتهم باتفاقية جنيف الرابعة بقولهم أن الاتفاقيات الدولية التي تبرمها إسرائيل لا تكتسب القيمة القانونية الملزمة، وبالتالي لا يمكن لها أن تطبق إلا إذا أصبحت جزءًا من القانون الإسرائيلي المحلي، وهذا ما يمكن أن يتم حال إصدار الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) تشريعًا خاصًا بذلك. وعليه تم اعتبار أن اتفاقية جنيف الرابعة غير ملزمة ونافذة في مواجهة إسرائيل لعدم إدراجها ضمن نطاق القانون المحلي الإسرائيلي جراء عدم إصدار الكنيست لتشريع خاص بذلك، وبالتالي فإن أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لا تتمتع بالسمو والأفضلية على القانون الإسرائيلي.
وللرد على ادعاءات الحكومة الإسرائيلية سالفة الذكر يكفي ذكر نص المادتين الأولى والثانية من اتفاقية جنيف الرابعة، التي قامت إسرائيل بانتهاك معظم لأحكامها عبر ممارساتها اللاإنسانية في الأراضي الفلسطينية، فنصت المادة الأولى من الاتفاقية على أنه: "تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال"، ونصت المادة الثانية من نفس الاتفاقية على أنه: "علاوة على الأحكام التي تسري في وقت السلم، تنطبق هذه الاتفاقية في حالة الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة حتى لو لم يعترف أحدها بحالة الحرب، تنطبق الاتفاقية أيضًا في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة حتى لو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة....". ويتبين من نص المادتين أن الاتفاقية تنطبق في جميع الحالات دون النظر إلى الكيفية والظروف التي أدت إلى وقوع الأراضي الفلسطينية في قبضة قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهذا الاتجاه تم تبنيه على الصعيد الدولي عبر قرارات الأمم المتحدة، حيث يتضح ذلك من موقف مجلس الأمن الدولي، وذلك في القرار (242) عام 1967م الذي يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتم تأكيد هذا القرار في القرار (338) لعام 1973م الذي دعا إلى تطبيق قرار مجلس الأمن رقم (242) القاضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما دعا مجلس الأمن في قراره رقم (237) لعام 1967م إسرائيل إلى تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة، دون قيد، أو استثناءات، أو شروط. وأكد مجلس الأمن موقفه من انطباق اتفاقيات جنيف الرابعة وقواعد القانون الدولي التي تنظم الاحتلال الحربي في قراره رقم (271) لعام 1969م ردًا على الاعتداء الإسرائيلي بحرق المسجد الأقصى. وأكدت القرارات الحديثة التي اتخذها مجلس الأمن أن الالتزام القانوني الأساسي لإسرائيل، كقوة محتلة للأراضي الفلسطينية، يتمثل في تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة تطبيقًا فعليًا حتى زوال الاحتلال بشكل نهائي، وشجب أعمال العنف والاستخدام المفرط للقوة من جانب القوات الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين، ودعا إسرائيل كقوة محتلة إلى الالتزام المطلق بالتزاماتها القانونية ومسؤولياتها المنصوص عليها في اتفاقية جنيف الرابعة، والمتعلقة بحماية المدنيين في زمن الحرب [5].
وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات عديدة أكدت فيها أن اتفاقية جنيف الرابعة تسري على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأدانت في هذه القرارات الانتهاكات الإسرائيلية والخروقات الجسيمة لهذه الاتفاقية [6].
كما اتخذت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في جلستها الخاصة الخامسة المنعقدة بتاريخ 19 / 11 / 2000م قرارًا يدين إسرائيل ويؤكد على وجوب التزامها كقوة محتلة باتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول الملحق بها لعام 1977م. واعتبرت اللجنة أن الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي المحتلة هي من قبيل جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية. وأكد القرار على ضرورة تشكيل لجنة تحقيق دولية في هذه الجرائم [7].
ولعل موقف الحكومة الإسرائيلية اللاحق الذي أعلنته بأنها تقوم بتطبيق الجوانب الإنسانية من اتفاقية جنيف على الرغم من أنها غير ملزمة لها من الناحية القانونية، يعتريه عدم الصواب، والمغالطة الواضحة، والاستخفاف بأحكام القانون الدولي، فهو من ناحية لا يجد له تطبيقًا على أرض الواقع؛ فتصرفات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية لا إنسانية، ومن ناحية أخرى فالهدف الأساسي من الاتفاقية هو توفير الحماية للسكان المدنيين، وبالتالي فإن الاتفاقية بمجملها إنسانية ولا يوجد في أحكامها ما هو غير إنساني [8].
ويعتبر الاحتلال من الناحية القانونية حالة ضمن حالة الحرب أو النزاع المسلح الدولي التي تمتاز قواعده بكونها قواعد وأحكامًا قانونية عرفية تم جمعها وتقنينها في سلسلة متعاقبة زمنيًا من الاتفاقيات الدولية الجماعية، تأتي على رأسها لائحة لاهاي لسنة 1899م المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية، ثم تلتها اتفاقية لاهاي لعام 1907م واتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة في 12 / 8 / 1949م. إضافة إلى جملة من القواعد والأحكام المنصوص عليها في متن أحكام بروتوكول جنيف الأول لسنة 1977م، والمكمل لاتفاقيات جنيف الأربعة، والمتعلق بحماية ضحايا النزاعات الدولية المسلحة. وحيث إن هذه الاتفاقيات قد جاءت لتنظيم حالة الاحتلال الحربي التي تهدف إلى تأكيد الفوارق الجوهرية بين احتلال الإقليم احتلالاً حربيًا وبين ضمه وامتلاكه نهائيًا، وتأكيد على عدم ضم الإقليم المحتل طوال فترة حالة الاحتلال الحربي، كما تؤكد على وجوب معاملة المحتل للإقليم وسكانه معاملة حضارية، فضلاً عن تحديد اختصاصات المحتل ومدى سلطاته العسكرية بشأن إدارة الإقليم وكذلك تنظيم العلاقة بين المحتل وبين السكان، ودولة السيادة، والأطراف المعنية الأخرى، إلا أن إسرائيل لم تلتزم بأحكام تلك الاتفاقيات والمعاهدات [9].
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما مدى تأثير اتفاقية أوسلو على المركز القانوني للأراضي الفلسطينية؟
على الرغم من أن اتفاقية أوسلو تمت في تاريخ 13 / 9 / 1993م بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل، إلا أنه لا بد من التأكيد على أن تطبيق قانون الاحتلال الحربي على الأراضي الفلسطينية متزامن مع اتفاقية أوسلو؛ لأن النهاية الفعلية للاحتلال تقتضي بأن تتنازل إسرائيل عن كل سلطاتها في كامل المناطق الفلسطينية بما فيها المنطقة (أ) إلى السلطة الفلسطينية إلا أن إسرائيل ما زالت تتمتع باختصاصات الأمن في تلك المناطق، وأن نفوذ تلك القوات ما زال مستمرًا في تلك المناطق، ولهذا فإن تلك المناطق تبقى خاضعة لقواعد الاحتلال العسكري. حيث يدعم هذا الرأي ما ورد في أحكام المادة (47) من اتفاقية جنيف الرابعة التي نصت على أنه: "لا يُحرم الأشخاص المحميون الذين يقيمون في أي إقليم محتل، بأي حال ولا بأي كيفية، من الانتفاع بهذه الاتفاقية، سواءً بسبب تغييرٍ يطرأ نتيجة لاحتلال الأراضي على مؤسسات الإقليم المذكور أو حكومته، أم بسبب اتفاقٍ يُعقد بين سلطات الإقليم المحتل ودولة الاحتلال، أم بسبب قيام هذه الدولة بضم كل الأراضي المحتلة أو ضم بعضها" [10].
ويستخلص من أحكام هذا النص أنه لا يمكن لأي اتفاق يعقد مع سلطات الاحتلال أن يؤثر على الحماية التي توفرها الاتفاقية للأفراد المحميين وبالتالي يكون للاتفاقية الأولوية على اتفاقيات أوسلو، وهذا ما نصت عليه المادة (53) من قانون المعاهدات، التي جاء فيها: "تكون المعاهدة باطلة إذا كانت وقت عقدها تتعارض مع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي. ولأغراض هذه الاتفاقية، يقصد بالقاعدة الآمرة من القواعد العامة للقانون الدولي: القاعدة المقبولة والمعترف بها، من قبل المجتمع الدولي ككل، على أنها القاعدة التي لا يجوز الإخلال بها، والتي لا يمكن تعديلها، إلا بقاعدة لاحقة من القواعد العامة للقانون الدولي ولها ذات الطابع".
وإن انتقال السلطة من إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية نتيجة لمسيرة أوسلو والقيود المفروضة على التدخل الإسرائيلي في المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية والمترتبة عن هذا الانتقال قد تكون قلصت من التزامات إسرائيل بموجب قوانين الاحتلال ولكن لم تؤد إلى انقضائها. وفضلاً عن ذلك، فإن الإخفاقات العديدة التي مرت بها مسيرة أوسلو، والتوغلات الإسرائيلية لمناطق (أ) و(ب)، وعودة السيطرة الإسرائيلية على هذه المناطق، وبسط سلطتها الأمنية والإدارية (كحظر التجول)، والتوغل والقيام بالأعمال الإرهابية في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية ترجح أن الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية يتراجع إلى ما كان قبل أوسلو. كما نلاحظ أن كثرة التوغلات الإسرائيلية وعودة العمليات العدائية ضد المدنيين والأعيان المدنية أدت إلى تلاشي اتفاق أوسلو بشكل تام وعودة الأراضي الفلسطينية إلى السيطرة الكاملة لسلطات الاحتلال مما يجعل الأراضي الفلسطينية أراضيَ محتلة تخضع لقواعد الاحتلال الحربي [11].
أما فيما يتعلق بالانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من قطاع غزة، والذي استهدفت منه إسرائيل إخلاء مسؤوليتها والتنصل من التزاماتها القانونية تجاه السكان المدنيين الفلسطينيين تحت الاحتلال وفقًا لقواعد القانون الدولي، بالإضافة إلى ممارسة سياستها العدوانية كلما عنَّ لها ذلك بذريعة الدفاع عن نفسها ضد كيان معاد لا يخضع لسلطتها والعودة إليه في أي وقت من الأوقات تحت ذرائع وحجج واهية، بحيث يسمح لها هذا الوضع القانوني بالعودة بقواتها ومستوطنيها في مرحلة من مراحل الصراع للسيطرة على المحررات وغيرها في القطاع من جديد [12].
واستنادًا لقواعد القانون الدولي العام، يعتبر انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة سنة 2005م مجرد إعادة انتشار وانسحاب جزئي لقوات الاحتلال عنها وليس إنهاءً لحالة الاحتلال؛ لكون هذا الانسحاب اقتصر على الإقليم الترابي ولم يمتد ليشمل جميع مكونات الإقليم الفلسطيني، بل لم يسترد الفلسطينيون سيادتهم عليه، جراء تمسك إسرائيل بعد جلائها عن قطاع غزة بالسيطرة على أجواء القطاع، فضلاً عن البحر ومعبر رفح، كما لم تزل حتى هذه اللحظة تتحكم بحركة المواطنين من وإلى القطاع، فضلاً عن تحكمها المطلق بدخول الإمدادات على اختلافها. وليس هذا فحسب، فلم تزل تتحكم بمن لهم حق الإقامة في القطاع بدليل إصدارها عام 2007م لأكثر من ثمانية آلاف موافقة على طلبات لم شمل لأسر القطاع؛ مما يعني أن القطاع لم يزل تحت السيطرة الفعلية لقوات وإدارة المحتل [13].
كما جعلت إسرائيل القطاع خاضعًا للسيطرة العسكرية والاقتصادية لسلطات الاحتلال، وبقاء الاحتلال مصدر الصلاحيات المدنية والأمنية الممنوحة للسلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة، وعدم سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية على الميناء البحري والمطار والمعابر، وعدم توفر حرية المرور للمواطنين الفلسطينيين القاطنين في قطاع غزة منه وإليه، واحتفاظ إسرائيل بحق إعادة احتلال قطاع غزة تحت ذرائع أمنية [14]. وفضلاً عن ذلك يتطلب إنهاء الاحتلال وجوب قيام سلطات الاحتلال بإعادة الأسرى إلى أوطانهم بدون أي تأخير عند وقف الأعمال العدائية الفعلية وفقًا لنص المادة (118) من اتفاقية جنيف الثالثة، إلا أنها لم تقم بذلك. كل هذه الأعمال لا يتضمن نقلاً للسيادة إلى السلطة الفلسطينية، وكل ذلك يعيدنا إلى الوضع السابق قبل الانسحاب الأحادي والمتمثل في كون قطاع غزة أرضًا محتلة وتنطبق عليها قواعد القانون الدولي الإنساني، كما أنه يتناقض مع ما أكد عليه اتفاق أوسلو عام 1993م بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، والذي جاء فيه: "ومن المفهوم أن الترتيبات الانتقالية هي جزء لا يتجزأ من العملية الشاملة وأن المفاوضات حول الوضع النهائي ستؤدي إلى تطبيق قراري مجلس الأمن 242 و238". وهذا يعني اتفاق الطرفين على أن الأراضي الفلسطينية هي أراضٍ محتلة، ستبقى تحت الاحتلال الإسرائيلي إلى أن يتم التوصل لاتفاق سلام نهائي وتطبيقه بالكامل [15].
ويتضح للباحث من كل ذلك أن قطاع غزة أرض محتلة، وتبقى علاقة هذه الأرض مع دولة الاحتلال الإسرائيلي محكومة بقواعد القانون الدولي الإنساني، وأي تعدٍ من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة يعد خرقًا لقواعد القانون الدولي الإنساني.
[1] نزار أيوب، القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن، سلسلة تقارير قانونية (32)، رام الله، 2003م، ص46 وما بعدها.
[2] هاني عادل أحمد عواد، المسؤولية الجنائية الشخصية لمرتكبي جرائم الحرب، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا: قسم القانون، جامعة النجاح، نابلس، 2007م، ص110 وما بعدها.
[3] عبد الرحمن أبو النصر، اتفاقية جنيف وانطباقها في الأراضي المحتلة، ط1، غزة، 2000م، ص254.
[4] المرجع السابق، ص254.
[5] داود درعاوي، تقرير حول: جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية: مسؤولية إسرائيل الدولية عن الجرائم خلال انتفاضة الأقصى، الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن، سلسلة التقارير القانونية (24)، رام الله، 2001م، ص68 وما بعدها.
[6] أهم هذه القرارات قرار الجمعية العامة رقم 43 / 58 بتاريخ 6 / 2 / 1988م، والقرار رقم 44 / 48 بتاريخ 8 / 1 / 1989م اللذان اعتبرا حالات الخرق الخطيرة لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987م-1993م) جرائم حرب وإهانة للإنسانية.
[7] داود درعاوي، مرجع سابق، ص69 وما بعدها.
[8] هاني عواد، مرجع سابق، ص112.
[9] ماهر حامد الحولي وعبد القادر صابر جرادة، العدوان الإسرائيلي على سفينة الحرية، مجلة الجامعة الإسلامية (سلسلة الدراسات الإسلامية)، المجلد التاسع عشر، العدد الثاني، يونيو 2011م، ص423.
[10] دراسة أعدتها بكدار: الآثار القانونية المترتبة على اعتبار قطاع غزة كيانًا معاديًا، www.pecdar.ps / userfiles / file / Law%20Report.pdf .
[11] المرجع السابق.
[12] ماهر الحولي وعبد القادر جرادة، مرجع سابق، ص423.
[13] ورقة موقف قانوني: الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة في ضوء القانون الدولي الإنساني والعام، جمعية الحق، http: / / www.achr.nu / art543.htm .
[14] ماهر الحولي وعبد القادر جرادة، مرجع سابق، ص424.
[15] عائشة أحمد، الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان الفلسطيني خلال عام 2006 وأثرها على أداء السلطة الوطنية الفلسطينية، الهيئة المستقلة لحقوق المواطن، سلسلة تقارير خاصة (50)، ص19.
التدقيق اللغوي: أنس جودة عبد التواب.