النكبة أولُ الشارعِ الفضي / وآخرُ المنفى/ حكايةُ الراحلينَ والقادمين / شفافيةُ الحزنِ في الروحِ / بلاغةُ الخديعةِ في المعنى / انتصارُ الغدرِِعلى البراءةِ / والسلاحِ علىالزيتونِ / والدبابةِ على البيوتِ / والمجرمينَ على الضحايا .

النكبةُ قطارُ الذاهبين من العمرِ إلى المنفى قطارُ العائدين من المنفى إلى المعنى / بلاغةُ النسيانِ / وقهرُ الخديعةِ في الروحِ .
النكبةُ صوتُ أمي وهي تشهقُ بالرجوعِ / صريرُ جسرُ العودةِ / لهـاثُ فيروزَ في التمني / وجرحُ الضياءِ في جبهةِ الزمنْ . النكبةُ مخيمٌ ينمو وينجبُ وردةً وضحايا / ينجبُ ساعداً طوَّقَ الأرض ... ما وصلت يداهُ للمغيبِ أو النسيانْ. هل مرَّ عصفورٌ على جرحِ الشظيَّةِ / كي أرى جسدي نثيراً بين أنيابِ العواصم ؟! / أو أرى رسمي يمجِّدُ ما تخبئهُ الظنونُ ؟! على إشاراتِ الندى في صوتها الرعوي/ ينكسرُ المدى / والحلمُ يصعدُ / صوتها إيقاعُ حمَّايَ الأكيدةِ / سرُّ أسراري / وميناءُ وصولي في الأخير من الشهيقْ .
النكبةُ انحدارُ الماءِ في النجوى / وأعطافُ الخلودِ على سنينِ العمر / مسغبةُ الدعاءِ / بشارةٌ أولى على رعشِ الضياع.
النكبةُ أمٌ تُعمِّرُ الوصولَ في البنين / تجتاحُ الأمكنةَ ظلاً لجسدٍ كان هنا / يمجِّدُ العسلَ / ويبني البيتَ الفلسطينيَّ / يرفعُ أَردانَ العمرِ / لِيَقفَ المولودُ بينَ الرصاصِ والوطن .
النكبةُ جنازةُ القادمين /
وحياةُ الراحلينَ في المجهولِ إلى المجهولِ / كيفَ تَكونُ الدروبُ وطناً ؟!
والضياعُ بلداً ؟! والمعاناةُ ذكريات ؟!
النكبةُ صراخُ الآسِ في الذكرياتِ/عناءُ الماءِ في سقيِِ الشجرِ/ بكاءُ الليلِ في وجعِ المطرِ/ رغوةُ الحناءِ في إرثِ الصلاة / والحناءُ في رعشِ المطر / صلاةُ العاشقينَ إلى النجاة / وأُغنيةُ الوَلَهِ الشَّقيِّ في محاريبِ الدعاء .
النكبةُ بهتانُ الزمانِ / وخلاصَةُ المأوى في المأوى/
ش
ج
رُ
العودة
م
ن
المخيم
للولادة .

النكبة جرحُ المخيمِ في الصقيع / حِدادُ وردِ النارِ / نارٌ في المدى تمشي ...
تلِفُ الأرضَ والإنسان / لكنَ الصدى يُولَدُ منْ رنةِ الحزنِ الفضيّ ومن شُحوبِ الدربِ / يولدُ منْ إشاراتِ الندى / ومن إنبعاثِ المستحيل .
النكبةُ جرحُ الغيبِ / ناقوسُ الضياعِ المرِّ / مرثياتُ عمرِ المستحيلِ / ويسألني المنتهى أينَ فجري ؟
فأقبَسُ من رنّةِ العينِ برقاً أكوِّنهُ شمسَ فجرٍ ،وأغرقُ في المبتدى تولدُ التسمياتُ منَ الرملِ ، والرملُ يكتبُ : إن البلادَ التي لا نشاءُ إليها سبيلا / نستطيعُ الرجوعَ إليها /وتدخلُ فينا .. لندخلَ فيها . الأرضُ سيدةُ الزمان / عرشُ الحياةِ على دعةٍ في المكان / المكانِ الملوَّعِ كالعاشقِ الذائبِ الصبرَ / يكبرُ فيه الحنانُ / ويشتدُّ فيه جنون الأمان ْ الأرضُ سيدةُ الزمان / رنينُ الوقتِ في الحمّى / طلاءُ العينِ / كحلُ العمرِ في النجوى/ وإيماءُ الندى في الرعشِ / حمّى الوصلِ / تابوتُ التمني / غابةُ التسآلِ في نارِ الحنينِ / وشقاوةٌ تلدُ السنينَ .
الأرضُ يومُ السحرِ في المرآةِ / زينةُ العذراءِ في وجَعِ الصلاةِ / وبُحَّةُ المطرِ المقدسِ تحتَ أقدامِ الغزاة .
الأرضُ فاكهةُ الحياةِ / بلاغَةُ الكُهانِ في رعشِ الصلاةِ / إغماءة القديسِ في الأجراسِ / ناقوسُ التمني في الحياة / وسرُّ أحلامِ النعاس .
الأرضُ أغنيةُ البلابلِ في الأثيرِ من الشقاء / نجوى الماءِ للميناء / ذبحُ الوصلِ في الحناء / أغنيةُ المدى في الانتهاء . الأرضُ عمرُ النكبةِ الأولى / ميناءُ الرجاءِ / بُحَّةُ الناي الكسيرة / موتُ عصفورٍ على غصنٍ / وغصنٌ في انكسارٍ للثمر .الأرضُ عاصمةُ الفؤادِ / دلالةُ الأرواحِ في موتِ الشجر/ غناء ملحِ البحر / ناقوسُ بحرٍ لا يُسَلِّمُ في الاحتدام / خصرُ حيفا بهيٌّ كما الملحِ و النارِ في نرجسِ القلبِ ...
ذابَ القلب ... ذاب !
ولم ينم عن ذكرها / وهي امتدادٌ للسحر / كونتُ فاصلتي
و
ل
م
أبدأُ
لأن دمي لخارطتي / والجنونُ العِبَرْ .
الأرضُ سيدةُ الغناء
الأرض سيدةُ المطرْ
النكبةُ انتشارٌ في المدى المفتوح بين الغناءِ والمطر / يذوي الغيمُ ... والغيبُ /
يتصافحُ المستحيلُ ويفاعةِ الطلقِ في الولادةِ /
يسقطُ الظلُّ عن مرآةِ الكونِ / وتولدُ امرأةً بحجمِ البلاد .
رحمٌ وجنازاتٌ وحداد / دروبٌ تلتهمُ الأجساد
النكبةُ سماءٌ لا تمطرُ / بل تنزفُ / أرضٌ لا تنبتُ شجراً / بل تبكي عمراً / وردٌ لا يتضوَّعُ عطراً / بل يتفتقُ قهراً.
النكبةُ عمرٌ وطنٌ ، شعبٌ
و
س
م
ا
ءٌ
فـــــــــــــــــي
الزنزانة .









النكبة انفجارُ الحنينِ للمأوى / سراطُ السفرِ المرِّ بين الهضابِ والسهوبِ والوهاد / بين بردِ الشتاء / وعويل الخريفِ الأخرس / نردُ الضياعِ اللانهائي / ويقنطُ الليلُ عندَ أعتابنا في الوجع/ يكبرُ الوجع / وتكبرُ المسافة . مَنْ مِنّا لم تُرَصِّعْهُ الأحزانُ مساماً ... مساما؟! ولم يكتمل في المأساةِ الأولى / مأساةِ النكبة ؟!
النكبةُ حدادُ الشجرِ والحجر / بكاءُ الليلِ في شارعِ النجومِ الطويل / ضياعُ البسمةِ في منعرجاتِ السكينة /انقسامُ الدمعِ في أثلامِ المقلْ .
النكبةُ شارعٌ يمتدُ من يافا إلى مخيمِ اليرموك / ومن طيرة حيفا إلى تلِّ الزعتر / ومن جبل الكرمل إلى صبرا وشاتيلا / تتعانقُ الآهاتُ نأمةً ...نأمة / ويسوَدُّ النهارُ في أتونِ الإنتظار /
والدمُ لوَّنَ الحياةَ كلَّها / ولم يبزغ القمرُ في الليلِ بعد / لم تشرق الشمسُ في الصباحِ بعد.
النكبةُ شهيقُ ضحايا الطنطورة / الذي ضاعَ بين منعرجاتِ الدم / ولم يكن الشاهدُ حيّاً / إذ تلاشت الأنباء وانتحر الشكُّ باليقين / وماتَ الإنسانُ قبل أن يتركَ أثراً / غيرَ هذا المدى الملوَّع بين شهيقِ الحياةِ وزفير المذبحة . النكبةُ شعارٌ اسمهُ المخيم / يتلو صلاتَهُ للقادمين / ويعمّرُ فيهم رجاءَ المغفرةِ للوصول / الوصولُ الثيِّبُ في المنحنى المضمخُ بالآسِ / المعطرُ بالحنَّاءِ / يرتعشُ على أبوابِ السكينةِ / حيث تتلو الصلاةُ نشيدَ اللقاءِ الأخير .
النكبةُ قناديلُ الوجعِ في حارةٍ منسيّه / تلتفُّ شوارعها على عنقِ الزمان ... والزمانُ غافلٌ عن مصباتهٍ الأولى .../ ضائعٌ في انفراد الضياعِ / والضياعُ سلَّمٌ للمنارةِ الأكيدةِ في صوتِ الجرحِ ،
ولونِ الدم.
النكبةُ جديلةُ طفلةٍ في المخيم / تعلمتْ سَبْكَ الحروفِ من رشاقةِ الأسى فوقَ جبينِ الأمومةِ والأبوَّةِ.
النكبةُ أمومةٌ ضيعتها عناوينُ البنينِ، وأبوَّةٌ فارقتها الانكساراتُ في صوتِ هذا الرنين / إذ تَعَلَّمَ الأبناءُ معنى الوصولِ إلى الحديقةِ ... وسقي الزنبقِ في الأحواضِ من دمعِ العيون .
النكبةُ أبٌ معذب /
النكبةُ أُمٌ تبحثِ عن بنيها /
وبين مشارقِ الأرضِ ... ومغاربها / يستيقظُ الحجرُ في بكاءِ ليل العمرِ / وترمي الشمسُ أثوابَ الحدادِ على منعطفاتِ الدروبِ الطويلةِ والقصيرةِ / يهتكُ الغيبُ جفافَ الغيمِ / وتمطرُ الحياةُ بلاداً أوسعَ من البلادِ / وحياةً أعزَّ من الذكرياتِ / وأدْوَمَ من مصيرٍ مضيَّعٍ في فلك المعجزات .
الأرض سيدةُ الغزاة
الأرض
سيدة المطر .



النكبة غربةُ الأشياءِ عن معناها / والأسماء عن محتواها / فيصبحُ لحنين البحرِ عيون / والأشواقُ على شطآنه تفردُ مناديلَ الذكرياتِ لتستقبلَ يوماً جديدا ، وشمساً ضائعةً ، وشفَقاً أسيرا .
هو البحرُ إذاً ...
يلمُّكَ من حيثُ الضياعِ الأكيدِ الصارم / يفتحُ مناديلَ التمني ، ليكتبَ أحلامهُ على شطآنِ النكبة / وأنتَ ... أنت ...
كما كنتَ جئتْ
وكما جئتَ كنت
هوَ البحرُ إذاً ..
يزنِّرُ خصرَ حيفا بتعاويذِ الماءِ ،وتمائمُ المرجانِ الأولى، ويحكُّ جلدَ المغفرةِ الأولى في ضياعِ العمرِ الأول.
هو البحرُ إذاً ..
يفردُ ما تبقى منَ الروح في انتِشاءِ المدينةِ الساحر/ علَّهُ ينْظمُ المرجانَ المنفرطَ من عينيها / وتكتملُ أقواسُ الفرحِ بعدَ جيلٍ
و
خ
م
س
ي
نَ
سنةٍ .
هو البحرُ إذاً .. يبدأ من حدودِ يديها / ولا ينتهي في كمالِ بهائها / طالعةٌ عليَّ كالنوارسِ القريبةِ / تعبىءُ ما تبقى من الذكرياتِ والأيام والسنين في دَعَةِ الانتظار /
وأنا ... أنا :
كما جئتُ أذهبُ
وكما ذهبتُ أجئ .
النكبةُ بين صوتي ... وبيني ، عمرٌ من التسميات / بحرٌ من الذكريات / يكلِّل الدمعَ في عيون الموج / يكتبُ قصةَ شعبٍ على صفحات مغفرةِ السماء / فبأيِّ حنينٍ أتقيكِ / أيتها البلادُ ؟!
وبأي صدىً لسنيني الطويلةِ أرسمكِ … ؟!
مشغولةً بندى اللؤلؤ /
وبريقِ أصدافِ المحارات .
البلاد رِقَّةُ البهاء / حدودُ الرعشةِ الأولى / وجعُ الولادةِ الأولى / ظِلالُ المدينةِ الأولى / من شاطىءِ بحر غزة التي لم تُقهر / وتمجِّدُ الروحَ في حياكةِ نصِّ الخلودِ / حتى آخرِ قطرةٍ في موجِ شطآنِ حيفا. وما الخلودُ إلا أنتِ / مبتدءاً من رطانةِ التكوينِ / حتى أكعاب الجندي المجهول .
النكبةُ بحرٌ يرقُّ / ليبدأ ثانيةً من جديد / كأننا حرَّاسهُ حديثي الولادة نرددُ في سرِّنا وجهرنا ما تخبىءُ الموجةُ للموجةِ / وما يُرْعِشُ السمكَ الفضيَّ في جدارةِ المعرفةِ ونواحِ المدى .
للوطنِ كلُّ هذا السحر / يلوي الحنينَ البدائيّ يعمِّرُ فضاءاتٍ من شوقٍ ولهفةٍ / يفردُ ما تبقى من العمرِ سجادةً لصلاةِ عينيها /
ويدجِّنُ المسافاتِ من أول الحبوِ / حتى يفاعةِ الشيخوخةْ .
الوطنُ أولُ الأشياء / وآخرُ النرجس في بساتين الروح
يبدأ ...ليبدأ /
وينتصرُ ...لينتصرَ كغناءِ الحمام / وشعائرِ العبادةِ الأولى /
الوطن آخر الأشياءِ /
يكتبُ دمعنا /
ويريقُ
م ...
ا ...
ء ...
ا .. ل .. ق .. ص .. ا .. ئ .. د ..
في العطش /
العطش المهزوم
ح...
ت...
ى...
الأبد .


*مقاطع من نص طويل / حاز على جائزة أحسن نص في مهرجان القاهرة للاذاعة والتلفزيون عام 1999

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية