أخيرا جاء "سجين أزكابان" إلى الإسكندرية، فقد أعلنت إدارة سينما "أمير" بالثغر عن بداية عرضها للجزء الثالث من سلسلة أفلام هاري بوتر "سجين أزكابان".
فهل قرأ مسئولو عروض الأفلام، أو مسئولو دور العرض السينمائي، مقالي السابق الذي أعلنتُ فيه عن خلو جميع دور العرض بالإسكندرية من "سجين أزكابان"، وأنه توجد دار عرض وحيدة في القاهرة ملحقة بالمجمع السينمائي للسوق التجاري (المول) التابع لأحد الفنادق الشهيرة بوسط البلد، تقوم بعرضه، وأنني اضطررت للذهاب إلى القاهرة لمشاهدة الفيلم، وبالتالي أخذوا قرارا بعرضه في إحدى دور العرض الكبرى بالإسكندرية؟
ربما ..! عموما فإن رأيي الذي أعلنته ـ في المقال السابق ـ يعبر عن آراء الكثيرين من محبي مشاهدة سلسلة أفلام "هاري بوتر"، وليس رأيا فرديا.
غير أن الشيء المدهش في الأمر، أن سعر تذكرة الفيلم في الإسكندرية، تمثل أقل من ثُلْث سعرها في القاهرة. فقد كان سعرها في الثغر سبعة جنيهات مصرية فقط، في حين كان سعرها في سينما المول خمسة وعشرين جنيها مصريا.
فرحتْ آلاء ابنتي عندما أخبرتها أن "سجين أزكابان" يعرض في الإسكندرية، بعد أن حكيت لها تجربتي عن مشاهدته بالقاهرة، وقررنا الذهاب إلى سينما أمير، لتراه بعد أن قرأت الجزء الثالث، وبعد أن شاهدت الجزئين الأول والثاني في إحدى المحطات الفضائية المخصصة لعرض الأفلام الأجنبية. فأصبح لديها خبرة جيدة بروايات "هاري بوتر" قراءةً ومشاهدةً. واخترنا حفلة صباح الجمعة (10.30) حيث تكون الإسكندرية، وخاصة محطة الرمل، وشوارع: سعد زغلول، وصفية زغلول، والنبي دانيال، وطريق الحرية، أقل ازدحاما في هذا التوقيت.
أثناء ذهابي لحضور إحدى الندوات بمركز الإسكندرية للإبداع، مساء الخميس، مررت على شباك الحجز بسينما أمير، لحجز تذكرتين لحفلة صباح اليوم التالي، فقالت لي موظفة الحجز، إن الدخول بدون حجز مسبق، وأن قطع التذاكر يتم قبل بدء الحفلة مباشرة.
ذهبنا قبل الموعد المحدد من صبيحة الجمعة، وحصلت على تذكرتين، وصعدت مع آلاء إلى القاعة رقم 4 بدار سينما أمير، والتي كانت أفخم وأكثر اتساعا من قاعة سينما المول القاهري، وعلى الرغم من ذلك هناك هذا التفاوت الكبير في سعر التذكرة.
أثناء المشاهدة كان وراءنا أسرة تتكون من أب وابن صغير وابن أكبر. كان الابن الصغير يوجه لأبيه بعض الأسئلة، وكان الأب يجاوبه بكلمات تكشف تماما عن عدم معرفته بالأحداث والشخصيات والتعاويذ السحرية والكائنات غير البشرية، فيتدخل الابن الأكبر ويصحح إجابات الأب. الأمر الذي يدل على قراءة هذا الابن لأجزاء الرواية، أو مشاهدته للجزئين السابقين. لكنني أحسست بعدم رضا الأب عن ابنه الأكبر، فقد أحرجه أكثر من مرة على مسمع من بعض المشاهدين القريبين الذين كانوا يضحكون من إجابات الأب الذي شعر بذلك، لأن ضحك هؤلاء لم يكن متعلقا بما يرونه على الشاشة.
كادت آلاء تضحك ـ هي الأخرى ـ من بعض إجابات الأب، فقلت لها أن تركز في المشاهدة، ولا تلتفت لتفسيراته. ثم لاحظت بعد ذلك عدم إجابة الأب على أي سؤال يوجهه ابنه الصغير. وفي الوقت نفسه أهمل الابن الأكبر تساؤلات أخيه التي ضاعت في ظلام الصالة.
***
في بداية الفيلم كانت هناك لقطة عن مصر، حيث فاز أرثر ويزلي ـ رئيس مكتب شئون العامة بوزارة السحر ـ بجائزة جريدة "المتنبئ البومي" السنوية الكبرى، فقرر زيارة مصر، وقضاء شهر بها، حيث يعمل الابن "ميل" كمفسر للتعاويذ في بنك "جرينجوتس السحري"، وقد أرسل رون ـ صديق هاري ـ صورة للأسرة أمام الهرم الكبير.
وقد ذكرتني تلك اللقطة في الفيلم باهتمام المؤلفة ج. ك. رولينج بالحديث عن مصر ابتداء من الجزء الثالث لروايتها، وربما مصر هي البلد الأجنبي الوحيد ـ بالنسبة للرواية وأحداثها ـ الذي ورد ذكره في الجزء الثالث "سجين أزكابان"، أما في الجزء الرابع "كأس النار" فقد وردت أسماء بلاد أجنبية أخرى، بالإضافة إلى مصر.
يقول رون لصديقه هاري في رسالة بمناسبة عيد ميلاده: "إن الجو في مصر رائع، وقد ذهبنا في جولة لزيارة المعابد، ولن تصدق كم التعاويذ التي استخدمها المصريون القدماء، لدرجة أن أمي لم تسمح ل "جيني" بدخول المعبد الأخير".
أيضا يقول له عن نظارة أخيه بيرسي في جزء آخر بالرسالة: "نظارته التي يشبه إطارها شكل البوق، تلمع تحت شمس مصر".
أما هيرميون فتكتب لهاري شارحة مشاعرها بالغيرة من زيارة رون لمصر ذلك أن السحرة في مصر القديمة كانوا في غاية المهارة.
أما الفأر "سكابرز" الذي يحمله رون في كل مكان، والذي اتضح فيما بعد أنه بيتر بتيجرو الذي ساعد فولدمورت على قتل أبوي هاري بوتر، ثم تشكَّل في صورة فأر يعيش مع عائلة ويزلي، بعد أن أفل نجم فولدمورت، فقد اتضح أن جو مصر لم يناسبه، وأن لونه تغير بعد عودة عائلة ويزلي من مصر.
غير أننا سنكتشف أنه هذا التغير ـ ليس له علاقة بمصر ـ وإنما بدأ بعد عودة العائلة، ومعرفة الجميع بهروب سيروس بلاك، الذي سيكشف حقيقة أن بتيجرو الذي تحوَّل إلى فأر، يعد من أهم مساعدي فولدمورت.
ليس هذا فحسب، ففي الجزء الرابع "كأس النار" كان حكم المباراة النهائية لكأس العالم للكويدتش، حكما مصريا هو حسن مصطفى، تصفه رولينج قائلة: "دخل الملعب ساحر صغير الحجم، نحيف أصلع تماما، وله شارب كث ..".
ما أود أن أذهب إليه أن مصر بجوها وتاريخها وسحرها الأسطوري، وسحرتها الذين اشتهرت بهم، وخاصة في العصور الفرعونية، وفي عصر فرعون موسى على وجه التحديد ـ وهو ما ورد ذكره في القرآن الكريم ـ كان ماثلا في فكر رولينج، وفي إبداعها، وفي تخطيطها لهذا العمل الروائي الكبير.
تُرى هل ستفاجئنا رولينج بنقل جزء جديد من أجزاء سلسلة روايتها "هاري بوتر" إلى مصر، بعد هذا التمهيد الذي قدمته بزيارة أسرة ويزلي ومكوثها شهرا بها؟
هل من الممكن لها أن تفكر في استخدام آلة الزمن لتعود إلى أحداث السحر والسحرة المصريين الحقيقيين، في عصر فرعون موسى، وربما قبله؟
هل سيكون في التاريخ السري لمدرسة "هوجوورتس" وغيرها من مدارس السحر في أوربا مثل دار مسترانج، ومدرسة بوباتون، علاقة ما بالسحرة المصريين قد تمتد جذور هاري بوتر أو حتى فولدمورت، لها؟
إن اهتمام رولينج بمصر، ثم انفتاح روايتها في جزئها الرابع على بعض الدول الأوربية الأخرى من خلال مدارس السحر الأخرى في فرنسا وبلغاريا وألبانيا على سبيل المثال، وإنشاء روابط بين السحرة والساحرات الصغار من جنسيات مختلفة، أمر يشي بأن أفكار رولينج تنحو نحو معالجة موضوع السحر عالميا، ويؤكد رغبتها في الخروج من إطار مدرسة السحر في إنجلترا، خاصة بعد أن أصبحت شخصيتها الرئيسية "هاري بوتر" شخصية عالمية يعرفها ملايين القراء في دول شتى من العالم.
هل ستكتفي رولينج بالصراع بين فولدمورت والطفل هاري ومن معه، وإلى متى سيستمر هذا الصراع؟.
أعتقد أن الكاتبة تحمل في جعبتها الكثير من المفاجآت، فخيالها الجامح الذي حرَّم دخول التكنولوجيا والأجهزة الكهربائية، وأجهزة الموبايل أو التليفون المحمول، في مدرسة هوجوورتس، ما زال لديه الكثير والكثير.
ونحن في الإسكندرية في انتظار هذا الكثير، خاصة بعد أن جاء "سجين أزكابان" إلينا.