لقد تعبت ياأبي. لم أعد قادراً على احتمال العالم. الضغوط التي أعانيها تجاوزت حدود الاحتمال، ولم أعد قادراً على الصمود. كنت (أرى ماأريد) حتى اكتشفت أن العالم ليس كما ينبغي.
الأصدقاء تتوالى خياناتهم. ويوماً بعد يوم يتّضح لي أكثر أن الإنسان كائن وحيد.
أنا وحيد ياأبي، وكل الذين يحيطون بي وحيدون، لكنّهم يتشاغلون عن الوحشة بافتعال الخلافات والحسد والمنافسة، كلهم يتصارعون كي يتناسوا هذه الوحدة القاتلة التي تحيط بنا. صبرتُ طويلاً ياأبي.. عاندت وقاومت.. توهّمت أهدافاً أريد تحقيقها ثم اكتشفت - متأخراً - فداحة أوهامي وأنني كنت (أرى ماأريد) وأحاول تحصين نفسي وأسرتي، وأكافح كي يستمر حلمي بوطن رحب جميل يغدو كما ينبغي. لكنني فُجعت ياأبي.. فالقيم النبيلة حبر على ورق، وكلمات تلوكها الألسن ولا تدركها القلوب.. وكل الذين نحبهم ماهم سوى كائنات ورقية يفسدها التجسّد بعد أول مصافحة لاتليق… أو هم يغادرون سريعاً كي نُفجَع بهم.

تعبت ياأبي.. ولأن الطفل النزق لاتزال طفولته تكبر في داخلي، قررت الاستسلام.
تعبت ياأبي فاعذرني.. سأسلّم مركبي للريح وأستريح.. تكشّف زيف الأحلام، واتّضحت عبثية اللهاث.
خذ ماتشاء أيها العالم الصلب من ليونة عمري الذاوي. فقط، دعوني أسترح..
تعبت ياأبي.. فلا الحب حب، ولا الصدق صدق، ولم يعد للصداقة معنى. بدأت الأمور تتساوى في داخلي، والظلام يلفّ أعماقي.. والوحدة تشتد.
حقوقي تتسرّب مع مجاري المياه، وواجباتي تتراكم كجبل يستريح على صدري.. حتى تعبت..
اعذرني ياأبي.. أيها العالم الجميل اعذرني.. يامن تحبونني اعذروني، لم أعد قادراً على الصمود.
خذوا ماتشاؤون أيها الراغبون، خذوا كل مالدي كي أستعيد سكينتي.
آهٍ كم أرغب أن أستيقظ ذات صباح.. أتناول قهوتي.. أعدّ حقائبي.. أودّع الأصدقاء وأعتذر لكل الذين أسأت إليهم لأنني أسأت فهمهم.. أجمع أسرتي.. أكتب الوصية ثم أغادرهم بسلام.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية