شهد الوطن العربى العقد الأخير من القرن الميلادى السابق(القرن العشرين) طفرة غير مسبوقة فى مجال الاهتمام بالطفل على المستوى المؤسسى العام, وبالخصوص على مستوى موضوع "أدب الطفل".
فقد كانت المؤتمرات المتخصصة فى مجال الاهتمام بالمرأة, هى المنطلق الطبيعى, باعتبار "المرأة" هى الأم فى النهاية..وارتباط الاهتمام بالطفولة والأمومة غير خاف عن الجميع. كما نشطت الهيئات الثقافية فى دراسة موضوع ثقافة الطفل وأدبه..سواء بالقاهرة أو ببعض عواصم البلدان العربية الأخرى.
ليبقى دوما السؤال متجددا: ترى ماذا يمكن أن نقول ونكتب للطفل؟ لقد تعددت وسائل التعامل مع الطفل العربى مؤخرا, وهو ما ارتبط بالتقدم التكنولوجى لوسائل الاتصال والإعلام, وبالتالى لم تعد الجدة ثم الأم والأب وحدهم مصدر التلقين, ولا حتى المدرسة لمؤسسة تربوية تعليمية.
تعددت الوسائل المساهمة فى تشكيل وجدان وأفكار الصغير, وربما أصبحت منها وسائل أكثر جاذبية وتأثيرا من الأبوين والجدة القديمة. ها هو ذا التليفزيون, الإنترنت وشبكته السحرية, الفيديو, ولن نغفل الدوريات والكتاب والمدرسة على تواضع تأثيرهم بالعموم( حيث أنه يمكن القول بأن القلة التى ترتبط بالكتاب, كما أن المدرسة التى تؤدى دورها جيدا ..لهما تأثيرهما الهام).
بداية لا يمكن إلا أن نعترف بالممكن ونخاطب الصغير كانسان قادر على "الاختيار" وليس تابعا لأفكارنا جبرا. فحبس بعض الوسائل الإعلامية الجديدة عن الصغار (كما يتبع بعض الأباء) لا يزيد الطفل عنادا . أن نصارح الصغير بأن لكل شئ فوائده وأضراره حتى "الدواء المعالج للأمراض" هو البداية . ففى عصر السماء المفتوحة لن يستطع أحد من منع الصغار على ارتياد المحطات الفضائية.. وليس عليهم سوى اختيار المناسب منها بالإقناع (كما أرى تشفير تلك المحطات المشكوك فى صلاحها والتى لا تخاطب الطفل أصلا).وما يقال عن الفضائيات يقال عن شبكة الإنترنت. ولا يبقى سوى مصادق الآباء للصغار والجلوس مهم للبحث والترفيه والتوجيه الخفى الذى لا يتسم بالجبرية.
لتأتى معاملة الآباء للصغار كخطوة عملية وإيجابية لتحقيق الهدف.. ألا نعامل الصغير على أنه رجل أو آنسة بل على قدر عقولهم , حتى يعيش الطفل طفولته, ولكل مرحلة طفولة خصائصها.. أن تظل معاملة البنت أكثر رقة وأقل خشونة من معاملة الولد, مع بقاء تحميلهما نفس القدر من المسئولية .. مبدأ الثواب والعقاب هو المفتاح السحرى للتعامل الإيجابي مع الطفل, وهو ما وافقته الأديان السماوية .. القدوة العملية من الوالدين هى البديل العملى عن التلقين المباشر لمفاهيم القيم العليا التى نرجو غلبتها فى السلوك الخاص والعام, وهى وسيلة تنمية الوازع الضميرى عند الصغار .. إذا كانت الملكات الخاصة والمواهب هبة سماوية يدعها الخالق فى الإنسان, فلا يبقى سوى التنقيب عنها باعتبارها جوهر "التربية" وهدفها..
ومع التفاصيل الجزئية الكثيرة التى يمكن أن نتبادلها فيما يمكن أن يقال للصغير.. فالوصفة السحرية هى أن يقل كلام الأبوين فى التلقين, ويكثر الفعل سواء بالسلوك المباشر منها أمام الطفل, أو فى التعامل مع الطفل.
هل يمكن أن نحدد محاور مخاطبة الطفل.. إجمالا هى محاور ثقافية عامة, وأدبية, وإعلامية, ودينية, وسياسية, وتعليمية, وفنية .
فثقافة الطفل العامة هى مجموعة المعارف المكتسبة من البيئة التى يعيش فيها الصغار, وتتضمن المهارات والقيم, ثم العلاقات المتشابكة التى تقابل الصغار.. وكلها ذات ملامح اجتماعية ودينية وربما علمية واقتصادية..وان لم يفهمها الصغير بتلك المسميات.
أما أدب الطفل, فلا يمكن إغفال أهمية وخطورة تلك الكتابات والمعالجات الفنية(سينما- مسرح..الخ) فى تشكيل فكر ووجدان الصغار. لعل أهم ما يمكن الإشارة اليه هو البعد عن المباشرة, ظننا من البعض أن الطفل أقل فهما من التناول الفنى البعيد عن إعمال العقل والشعور معا لفهم ومعايشة العمل الفنى.
كما لا يمكن إغفال أدب الطفل الذى ينتجه الطفل نفسه..هو المرآة التى نطل منها نحن الكبار على عالم الصغار, وهو المتنفس الشرعى لكم المشاعر والأفكار بل وخبرات الطفولة التى يجب أن نستهين بها.
وإذا كانت الصرخة الأولى للطفل هى الإعلام الأول عن الوجود (وجوده) فان الخطاب الإعلامي الموجه للطفل يجب ألا يتجاهل الطفل نفسه ..سواء فى الإعداد أو الأداء لأى تناول إعلامي حول الطفل.
ويلعب التليفزيون دورا هاما فى هذا المجال..حيث الخبرة السمعية والبصرية, ولا يبقى الحرص أشد الحرص فى تناول أية برامج لمخاطبة الطفل..حتى تلك الأشياء الظاهرية البسيطةو مثل طريقة الكلام, وملابس المذيعين, وأسلوب وآداب الحوار..الخ.
وإذا كانت القيم العامة مثل: القيم الدينية الإيمانية, القدوة الصالحة, التعاون, الأمانة, الطاعة, الوفاء, الصداقة, التواضع, الجمال, التفكير المنطقى..وغيرها من الأمور الواجب مراعاتها, فهى أكثر أهمية فى التناولات التليفزيونية .
إذا كان الطفل هو المستقبل, ولم يلق الاهتمام الواجب خلال الفترات البعيدة السابقة, فلا أقل من معاودة الحساب والتركيز على كل ما يخصه مستقبلا, لعلنا جميعا نصلح ما فات , ونضع لبنة ولو صغيرة لمستقبل أكثر إشراقا.