يعتبر الإنشاد الديني المصدر الأساس لفن الغناء العربي, وفى مصر مر الغناء الدينوى من عباءته على مراحل عديدة. وقد نال الدكتور محمد عمران درجته العلمية في الموضوع نفسه..تحت عنوان:"الثابت والمتغير في الإنشاد الديني –دراسة في الموسيقى بمصر".
الموسيقى الشعبية في مصر ترتكن على محورين, أولهما ما يستهلكه الناس في المنازل والشارع والعمل, في المناسبات الاجتماعية وغيرها. والثاني عند المؤدين المحترفين, وهم ما يملكون مواهب وكفاءات صوتية ولحنية مختلفة. والأخير له أربعة أنماط: القائم على غناء السير الشعبية, الثاني ارتبط بالموال أو ما يعرف بالغناء البلدي, والثالث يعرف بالمدح والمداحين أو المنشدين الدينيين, والأخير هم المداحين بالطار أو مداح السير.
وظل شكل الغناء الديني محوريا في الحياة الشعبية بمصر, حتى بعد أن ظهر المذياع (الراديو) في الثلاثينيات من القرن الماضي, إلا أنه مع المزيد من زحف الوسائل الجديدة من الترفيه وتغير نمط الحياة.. تقهقر دوره المتقدم.
تعددت التعريفات لمصطلح الإنشاد الديني.. وهو يطلق على نوع من الغناء تأتى منظوماته الشعرية وصيغه الأدبية في إطار الموضوعات الدينية..المدائح, الابتهالات, التسابيح, التكبير والموالد..الخ.
كما عرف بارتباطه بفئة معينة من المؤدين أطلق عليهم لقب (المنشدين), وقد ارتبطوا في الموسيقى والأداء بالطابع الديني..لذا أكد المختصون أن له خصائصه المميزة له وحده. وان لوحظ في الفترة المعاصرة أن كلمة "إنشاد" تطلق أيضا على غناء القصائد الفصيحة أو المكتوبة باللغة العربية الفصحى.
وقد عرف عن العرب القدماء غناء الشعر الفصيح, ذلك لدور الشعر الفصيح في توحيد لهجاتهم المختلفة, فنشأت في أواخر الجاهلية لهجة واحدة كان العرب يتكلمون بها جميعا, وهى التي كانت في أشعارهم, والتي نزل بها القران الكريم. وقد استخدموا كلمات الإنشاد والغناء والسماع بمعنى واحد. وان ميزوا بحسب الموضوع..أناشيد الغزل, أناشيد الحرب, أناشيد المدح..وهكذا.
والإنشاد الديني ميدانيا وعمليا, يقع على النحو التالي.. إما داخل المساجد (حلقات الذكر – الابتهالات والتسابيح – أداء التلبية والتكبير في العيدين (الأضحى والفطر) - في احتفالات الموالد – في تلاوة القرآن الكريم بطريقة التجويد والترتيل.)
ثم الإنشاد الديني خارج المساجد (القصائد الدينية والمدائح المصحوبة بالموسيقى في حلقات الذكر – وتلك التي يؤديها المسحراتي في شهر رمضان – وفى السهرات الدينية) وكلها مصاحبة بالموسيقى المعبرة للمعنى.
لقد ذهبت الآراء إلى أن الإنشاد الديني عموما, أكثر ضروب الغناء صرامة وثباتا في الاحتفاظ بالطابع القومي للشعوب.. لأنه أقل من غيره عرضة للمتغيرات المستمرة بفعل عدم ثبات الذوق العام, وتقلب الأهواء, بل ونزوات الفنانين أنفسهم.
هناك شكل مميز في الإنشاد الديني عرف ب"الحضرة"..وهى تنقسم إلى قسمين. الأول هو إلقاء نصوص الذكر ولا تحتويها الألحان أو الموسيقى وتعتمد موسيقيا على عنصر الإيقاع من غير المقام الموسيقى مع ضبط النطق السليم للكلمات . أما القسم الثاني فهو الإنشاد وهو أداء الشعر بالنغم, إما جماعيا أو حواريا بين المنشد والجماعة وفيه الإيقاع والمقام الموسيقى.
هذه نماذج من النصوص المتداولة في الإنشاد الديني:نماذج المناسبات الدينية..
( الف وباء وتاء رابعها أبو الأسرار
في مدح خير الورى مع ذكره ليل ونهار
يا منشد الفن اسمع فن أبو الأسرار
في مدح خير الورى أحمد المختار
ليلة ميلاد النبي أبو ورد ع الخدين)
..( الأرض أرض الإله وفيها الشجر طارح
والميه واحده وفيها الحلو والمالح
الأرض أرض الإله وفيها الشجر طارح
والميه واحده يا سيدنا وفيها الحلو والمالح)
..( يقول يا داخل الذكر سيب الفكر من بالك
وسبل عينيك يا وله تلقى الكريم تجلى لك)
..( النبي يا حاضرين جاله جبريل الأمين
قال له رب العالمين طالبك تحظى بجلاله
والبراق جاله ملجم جل من انشاه وانظم
قد مشى والكل عظم نحو بيت قد زهاله)
..( يا راجع من مكة هنيا لك
يا ما حب النبي شغل بالك)
أما النماذج التي تغنى في المناسبات غير الدينية ,منها:
-في مناسبة العرس..( فيك ليلة يا ليل تساوى العمر كله
ليلة ميلاد النبي النور بدا كله
يا فرحة القلب لما الكون صفا كله
والدنيا شافت هنا يساوى العمر دا كله)
-في مناسبة الختان.. حيث يغنى المنشد والجماعة من خلفة أثناء عودة الموكب بعد إتمام الختان وهم إلى المنزل ثانية:
( يا ليالي الحظ يا ليالي الملاح
ترد الجماعة: الحظ والمرام والأحباب مجتمعين
صل الله على نور الوضاح
ترد الجماعة: أحمد المختار خير المرسلين
هكذا حتى وصولهم إلى المنزل فيرددون جميعا:
أنت شمس أنت قمر أنت نور على نور
(هذه النماذج باللهجة العامية , وهناك نماذج بالفصحى)