تكتب السعودية بدرية البشر كأنها تخبز الكعك، تفوح من مقالاتها في صحيفة "الشرق الأوسط" وقصصها التي استعرضتها في ثلاث مجموعات قصصية رائحة الحليب، والسكر المطحون، والكريمة المخفوقة، والفانيليا. ليس الجوع وحده الدافع إلى قرائتها، "تمشيط شعر طفلتها على مرأى منا وراء متابعتي لها، تفاصيلها الصغيرة تأسرني". هاتفتُ ناصر فطلبني للزواج
قالت السعودية سهير الخليل المقيمة في لاس فيغاس، ولاية نيفادا(غرب). في حوار من حلقتين تبوح أستاذة علم الاجتماع الدكتورة بدرية البشر بقصة زواجها من الممثل السعودي الشهير ناصر القصبي، علاقتها مع جريدة"الرياض" قبل و بعد انفصالها عنها، وحارتها القديمة التي بدأت منها
الحائط القصير!
تتذكر القاصة بدرية: "ولدتُ في الرياض في حي شعبي، أسمه دويرة سلام ، منذ زمن، لا يعرفه أحد حتى أبي الذي سجلنا بشكل عشوائي في دفتر العائلة، النفوس قديما، لخبط الدنيا فيها والأرقام، ولولا فطنة أمي وأجادتها لحفظ الأرقام لما عرفت متى ولدت لكنها عندما أخبرتني قالت لي لا تخبري أحدا !!".
تضيف: "في حارتنا القديمة أتذكر الفجر المرعب الذي كنت أصحو فيه وأذهب أحيانا لشراء الخبز لا أدري لماذا كانت مهمتي انا شراء الخبز ولا أدري لماذا لم ترسل أمي أخي الأكبر هل هو دلال وحظوة بمناسبة أنه الولد الذكر؟ أم أنني كنت الحائط القصير الذي تستطيع أمي قهره ليطيع أوامرها".
التمرد الذي يتضح جليا في سطورالبشر لم ينبت صدفة، يعود الى أمسياتها القديمة: " كنتُ ألعب فيها مع الأطفال خاصة الذكور فقد كنت أمل من لعب البنات الرتيب والساذج. كنت أحب الأكشن ، قيادة الدراجات والقفز على الإطارات الفارغة، كنتُ أجد في الصبية رفقة أكثر متعة وأثارة من لعب البنات".
عالم غير عادل
تسألني: "هل قلت لك مثلا عن موت الطفلة- أبنة البائع اليماني في حيّنا-التي وقعت في حفرة الزيت وغرفت؟"، طفولتها مخزن هائل من الذكريات تستعين به عادة لملء مشاهد من القصص التي تكتبها، تقول: "مخزن لا أظن أنه يفرغ أبدا، خاصة أن المشاهد التي أمتلأ بها حينا تزيد قليلا عن أفلام هيتشكوك بكونها محلية صرفة ولا خيال فيها، وتجعلك تؤمن أن الواقع أحيانا أثرى من الخيال".
جاء دوري لأسألها: من منحك أول قلم، أجابت بعد أن التقطت أنفاسها:"في بيتنا لا يمنحون أقلامًا، إلا الأقلام على الطريقة المصرية، فوالدي لا يجيدان الكتابة وأنا كنتُ الابنة الكبرى، جاءني أول قلم مع مشتريات طلبات المدرسة لكنني منذ عثرت عليه لم أفك عنه أبدا".
انشغلت بدرية بالأسئلة الكونية العصية عن الإجابة في مراهقتها، "فوجئت بعد إدراكي للعالم الذي سجنني فيه حقيقة أن جسدي كبر، وما عاد لي من هذا العالم غير نافذة البيت المسورة بالقضبان بينما رفاقي الصبية يلعبون الألعاب ذاتها، وأدركت بأن العالم غير عادل معي.!!
من هنا بدأت أسئلتي الصعبة لماذا ومتى وكيف، شغلت بهذا الأسئلة ورحت أفتش عن أجوبتها التي قادتني للقراءة". تغطس رأسها في الذكريات: "لم تكن مراهقتي مراهقة أنثى صغيرة إلا بما يكفي للتزود بطعام عاطفي، غير هذا كانت مراهقتي مراهقة فليسوف يفتش عن حكمة جديدة خاصة به ومستقلة".
من خرج أولا من جسدها عندما بدأ يتفتح: الشاعرة أم القاصة؟ ترد: "الشاعرة هي من خرج أولا طفولتي بدأت برص الكلمات الموزونه التي تتحدث عن شواغلها وبحثها عن الحقيقة الضائعة والعدالة الضائعة وعن الحب والحنان. ثم صرت أكتب قصصا عن الشاب الفقير الذي يحب الفتاة الغنية ثم ينتصر الحب في النهاية مثلما تنتهي أفلام السينما المصرية بالأبيض والأسود".
المريول
لـ "المريول"- الزي الذي ترتديه الطالبات السعوديات في المراحل الدراسية الثلاث قبل دخول الكلية - حكايات مع الأستاذة في علم الاجتماع ترويها :"مررت بثلاث مراحل للمريول الرمادي ثم الأزرق ثم البني.
أذكر مع المريول الرمادي أول قصة اكتشفتها في الصف الثالث ابتدائي قصة (سندريلا) مع صديقة في المدرسة أتذكر كيف سحرت بالقصة وكيف تعرفت على متعة القراءة التي لم تقارفني من يومها". تصفها: "سحر الحكايات المكتوبة كانت أجمل من سحر حكايات والدتي وجاراتها المرعبة عن اللصوص والعقاب الأخروي".
أما مع مريول المرحلة المتوسطة أي الأزرق، فتقول عنه: "كنت ارتاد مكتبة المدرسة، وكان فصلنا مثل كل الفصول يرتبك عند مداهمات التفتيش الدورية من مراقبات المدرسة، وفي حين كان يسقط من عباءة تلميذة أحمر شفاة، ومن الأخرى مرآة ,ومن أخرى رسالة غرامية، كنت اسحب للإدارة بتهمة حيازة كتاب". تعترف:"كان لساني طويلا يحاجج فسألت المدرسة يومها :تحثوننا على القراءة ثم تصادرون الكتب التي تجدونها معنا .!! وعينك ما تشوف النور، على الرد، خدي ظل أحمر يومين.
أما مع المريول البني في الثانوي، فكلها قصص تعترض عليها الرقابة".
مشهد حب
متى تزوجت ناصر؟ تحمل السؤال على كتفها وتسافر: "عندما تزوجت ناصر كنا لا نزال أنا واياه هواة، هو مهندس زراعي توظف حديثا في وزارة الزراعة ويمثل في بعض المسلسلات، وأنا طالبة في الجامعة تنشر بعض القصص القليلة في الصحف، وكبرنا سويا لنصبح كاتبة وفنان دون أن نشعر بأي فرق فقط الناس يسألوننا مثل ماتسأل أنت ولا نعرف الإجابة، كبرنا مع بعض دون أن ندرك الفروق السبعة قبل التغيير وبعد التغيير".
كيف تبلورت علاقتهما، تتدفق: " كنتُ أعرف أنه فنان مشغول بالفن وليس بالزراعة، بل كان أسوء ما فعله في حياته هو قص أشجار حديقتنا وتركها فارغة، لكنني كنت أعرف أنه فنان حقيقي ونبيل. وهو أيضا عندما تعرف علي أثناء دراستي الجامعية كنت أكتب القصة وأشارك بمسابقاتها وأفوزأحيانا".
تكمل: "وكنتُ أمثل على المسرح مشاهد كوميدية، وألعب السلة كان يعرف أن لي نشاطات مختلفة ربما هذا ما استوقفنا عند بعض، فحين اتصلت به مرة، وأنا طالبة في الجامعة طلبت منه أن يكتب لنا مشهد مسرحي لمسرحية نهاية العام الجامعي وعدني بأن يفعل لكنه تأخر، وفي النهاية قال لي: سأكتب لك المشهد لكن بشرط قلت موافقة:
قال تزوجيني!!".
"الرياض" و"اليوم"
كتبت في جريدة "اليوم" التي تصدر من الدمام - شرق السعودية -. لماذا غادرتها على حين غرة؟ تقول الكاتبة الصحافية عن تجربتها السابقة: "كتبت في جريدة اليوم بعد تخرجي من جامعة الملك سعود ، تحمس لي زملاء طيبون احتفوا بقلمي أمثال شاكر الشيخ وحسن السيع ومنحوني زاوية أسبوعية ظننت حينها أنني أهم كاتبة أسبوعية إلا أنني توقفت بعد سنتين عندما اكتشفت أنني لا أجد جريدة اليوم إلا في مكتب الجريدة في الرياض وفي البقالة التي تحت بناية المكتب عدا ذلك فالحصول على الجريدة كحصول المفتشيين الدوليين على السلاح النووي في العراق".
أما عن ظروف انتقالها الى جريدة "الرياض" التي تصدر من العاصمة السعودية فتجيب: "كنت اكتب في مجلة اليمامة الأسبوعية زاوية أسبوعية ثم شعرت أن عقلي الصحفي بدأ يعمل بطاقة تزيد عن مرة في الأسبوع. أردت زاوية شبة يومية ثلاث مرات في الأسبوع ، فأتصلت بأبو عبدالله الاستاذ تركي السديري وطلبت منه أن أكتب زاوية قال لي:الجريدة جريدتك وأنت أبنة الرياض".