بدأ العد التنازلي لافتتاح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي بشارع الخليج العربي بالعاصمة الكويتية، والتي تعد أول وأضخم مكتبة متخصصة في الشعر العربي: قديمه، وحديثه، والتي وُضع حجر أساسها (منذ أربعة أعوام) وبالتحديد يوم السادس من يناير/كانون الثاني من العام 2002 تحت رعاية سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح. وتعد المكتبة إضافة مهمة في مسيرة مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، واستجابة كبيرة لحلم آلاف من الشعراء العرب الذين أرادوا أن تكون هناك جهة ما أو مؤسسة ما، أو مكتبة ما، ترعى أعمالهم وتحفظها من النسيان والإهمال والضياع والفقدان والزوال، وتجمعها في مكان واحد تحت شمس الله، لتكون تحت يد كل من يطلبها، أو يريد الاطلاع عليها.
وها هو ذا الشاعر عبد العزيز سعود البابطين، يحقق هذا الحلم، الذي طالما حلم به شخصيا، فجاء بناء المكتبة على أحدث الطرز المعمارية المعبرة عن روح دولة الكويت، وعن روح الثقافة العربية الأصيلة، وروح الشعر العربي في عصوره المتتالية، منذ العصر الجاهلي، وحتى العصر الحديث. واختار لإدارتها إحدى الكوادر المكتبية الكويتية المؤهلة تأهيلا علميا ومعرفيا، هي السيدة / سعاد عبد الله العتيقي، التي سبق لها العمل في مكتبة جامعة الكويت، يعاونها في ذلك عدد من المتخصصين في علم الفهرسة والمخطوطات وأمناء المكتبات والشعراء والإداريين من أصحاب الخبرة والكفاءة.
وأتذكر أنه عندما أصدر الناقد الراحل د. سيد حامد النساج كتابه "ببليوجرافية القصة العربية" في الثمانينات، كتبتُ في جريدة الجزيرة السعودية مقالا تساءلت فيه قائلا: وماذا عن ببليوجرافيا الشعر العربي؟ ولم يجب أحد وقتها.
ولكن ها هي ذي مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي بعد حوالي عشرين عاما تجيبُ عن السؤال إجابة عملية، فقد وُضع كل الشعر العربي ـ أو على الأقل معظمه تقريبا ـ من دواوين مطبوعة ومخطوطات شعرية، ودراسات أدبية ونقدية في هذه المكتبة المتخصصة الذكية (ورقيا ورقميا)، التي بلغ عدد مقتنياتها ـ حتى هذه اللحظة التي تسبق الافتتاح ـ حوالي 72 ألف كتاب، عدا الدوريات والأوعية الإلكترونية، ولا تزال المكتبة تتلقى المزيد من المقتنيات الشعرية من شتى أنحاء العالم.
لاشك أن الحادي والعشرين من شهر يناير/كانون الثاني من العام 2006 ـ وهو يوم افتتاح المكتبة ـ سيكون عيدا للشعر العربي، ومفخرة للشعراء العرب بكل أطيافهم ومدارسهم واتجاهاتهم الفكرية والوجدانية والفنية.
صور الشعراء تزيِّن جدران مكتبة البابطين
لم يقتصر الأمر على وجود دواوين شعراء العربية، وما كتب عنهم من دراسات ومقالات ورسائل علمية، على أرفف مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي، ولكن إلى جانب ذلك يشاهد زائر المكتبة عددا كبيرا من اللوحات التي أبدعها بعض الفنانين التشكيليين، لشعراء العربية الكبار في العصر الحديث، ازدانت بها جدران المكتبة.
وقد اختلفت مساحات هذه اللوحات باختلاف أماكن وجودها، ولكن أغلبها جاء من المقاس 96× 80 سم، لشعراء من أمثال: أحمد مشاري العدواني، وسليمان الجار الله، والشيخ عبد المحسن البابطين، وعبد الوهاب البياتي، ومفدي زكريا، والتيجاني يوسف بشير، وهؤلاء نجد صورهم بالدور الأرضي، إلى جانب ديوانية الشعراء.
أما بالقاعة الرئيسية في الدور نفسه، فنجد صور الشعراء: خالد سعود الزيد، وإبراهيم العريض، وحافظ إبراهيم، وأحمد شوقي، وسلطان العويس، وجبران خليل جبران، وعبد الرحمن بن قاسم المعاودة، ومحمد بن بليهد، وفهد العسكر، وعبد العزيز سعود البابطين.
وعلى جدران الدور الأول نجد صور الشعراء: إبراهيم طوقان، والمختار ولد حامد، ومعروف الرصافي، وعلال الفاسي، ونازك الملائكة، وأحمد رفيق المهداوي، وعبد الله الطائي.
وعلى جدران الدور الثاني نجد صور الشعراء: محمد محمود الزبيري، وبدر شاكر السياب، والأخطل الصغير (بشارة الخوري) ومصطفى وهبي التل، وخليل مطران، وأبو القاسم الشابي.
وفي نهاية هذه الجولة لصور الشعراء الذين اختيروا ليمثلوا أقطارهم العربية داخل المكتبة، نرى أبياتا شعرية على مدخل المكتبة للشاعر عبد العزيز سعود البابطين،، يقول فيها:
سيذكرُ أهلُ الشعرِ والشوقِ أنني
عملتُ بما أوتيتُ من سعي جاهدِ
أعيدُ لبيتِ الشعرِ حلوَ رنينهِ
وسحرَ القوافي في البيوتِ الشواردِ
قوافٍ هي الأنغامُ أو قُلْ كأنَّها
معازفُ فنانٍ وشدوُ نواهدِ
أصوغُ مبانيه وأُعلي عمودَهُ
وأطردُ من مغناهُ كلَّ معاندِ
ولعل هذه الأبيات الشعرية تحمل في مضمونها الرسالة التي يحملها على عاتقه الشاعر عبد العزيز سعود البابطين، وهي خدمة الشعر العربي الأصيل ذي الموسيقى الجذابة، سواء كانت موسيقى داخلية، أم خارجية تتمثل في القافية ورنينها وسحرها الخاص.
وليس معنى ذلك أن دواوين الشعر الموجودة على رفوف المكتبة التي تحمل اسمه، ويصرف عليها من ماله الخاص، كلها من الشعر العمودي، ولكن ـ حقيقة ـ كل أشكال الشعر العربي، ومضامينه، على مر العصور، يجدها الزائر والمستفيد من خدمات المكتبة، موجودة على رفوفها وبين مصنفاتها المختلفة، حيث إن الذوق الشعري الخاص لا يتحكم أبدًا في مقدَّرات المكتبة التي تنهج نهجا علميا خالصا، وجعلها صاحبها وقفا على خدمة الحقيقة المعرفية من خلال النصوص الشعرية، وما يخدم هذه النصوص من كتب نقدية ومعاجم ودوريات ومخطوطات، وأجهزة إلكترونية، وشبكة إنترنت، ليظل النص الشعري في النهاية هو النص الكوني الذي يترجم حقيقة الإنسان في هذا الوجود، بل يترجم كنه هذا الوجود نفسه من خلال تلك النفحة الإلهية التي منحها الله للشعراء الموهوبين. ومن هنا كان هذا الاحتفاء ببعض هؤلاء الموهوبين بتعليق صورهم على جدران المكتبة.