كان محور دورة هذا العام "الشعر التونسي والترجمة"، ومن خلال هذا المحور ناقش المشاركون صدى الترجمة في الشعر التونسي مدة 50 سنة من الاستقلال، والشعر التونسي والثقافة، والشعر التونسي والحوار مع الآخر. تزامنت أيام مهرجان "خيمة علي بن غذاهم للشعر" ـ المسماة على اسم قائد الثورة الشعبية في جدليان التونسية الذي استشهد عام 1864 م ـ مع الاحتفال بمرور خمسين عامًا على استقلال تونس الخضراء، فتزينت شوارع العاصمة والولايات الأخرى، بالأعلام التونسية الحمراء، مع اللون الأخضر الذي يغطي مساحات جغرافية شاسعة من الأراضي والجبال والوديان، مع لون المباني البيضاء، وشبابيكها الزرقاء، فكانت هذه الألوان (الأحمر والأخضر والأبيض والأزرق) في حد ذاتها إعلانا قويا عن مشاركة (كرنفالية) رائعة للطبيعة في الاحتفال بالعيد الذهبي للاستقلال التونسي من القبضة الاستعمارية الفرنسية.
كان محور دورة هذا العام "الشعر التونسي والترجمة"، ومن خلال هذا المحور ناقش المشاركون صدى الترجمة في الشعر التونسي مدة 50 سنة من الاستقلال، والشعر التونسي والثقافة، والشعر التونسي والحوار مع الآخر.
وكانت فعاليات "خيمة علي بن غذاهم للشعر" بجدليان التابعة لولاية القصرين، في دورتها الجديدة (الحادية عشرة) قد انطلقت عصر الجمعة 24/3/2006 بحضور والي القصرين حسن الآجري، ومعتمد جدليان منجي الجويلي، بعد تدشين معرض الإعلامية، والمعرض الوثائقي الخاص بالدورات العشرة السابقة، ومعرض الأكلات الشعبية التونسية، ومعرض الأدوات التقليدية بجدليان، ومعرض الفنون التشكيلية، حيث قام عبد السلام الخالقي مدير دار الثقافة بجدليان ـ التابعة لوزارة الثقافة والمحافظة على التراث ـ بتقديم حفل الافتتاح، وأعطى والي القصرين في كلمته إشارة بدء المهرجان، أعقب ذلك كلمة اتحاد الكتاب التونسيين التي ألقاها الشاعر عبد الكريم الخالقي، نيابة عن د. صلاح الدين بوجاه ـ رئيس اتحاد الكتاب ـ وأشار الخالقي إلى مبادرة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في خطابه بمناسبة أعياد الاستقلال، بشأن أجازة إبداعية للمبدعين خالصة الأجر، مدتها ستة أشهر (قابلة للتجديد) مع المحافظة على المسار المهني والترقية التي قد تستحق للمبدع أثناء حصوله على تلك الإجازة، وفق الضوابط التي ستوضع في هذا الشأن.
بعد ذلك قرأ الشاعر الجزائري نوَّار العبيدي ترجمة لكلمة الشاعر والتشكيلي السويسري إيفو برفار المشارك في خيمة هذا العام، بينما قرأت الشاعرة التونسية فاطمة بن فضيلة، قصائد مترجمة للشاعر السويسري، ثم شارك الشاعر السوري نزار بريك هنيدي بقراءة قصيدة قصيرة عن "الشعر".
بعد الافتتاح، بدأت فعاليات الجلسة الشعرية الأولى التي قدمها الشاعر التونسي مراد العمدوني، وشارك فيها الشعراء: أحمد فضل شبلول (مصر) وفاطمة بن فضيلة (تونس) وجمال بن عمار (الجزائر) وعبد الوهاب الملوَّح (تونس) ورحيم جماعي (تونس) وهليل بيجو (ليبيا) وعز الدين بن محمود (تونس) وفاطمة الشريف (تونس) وصالح جلاب (الجزائر) ومحمد المسلاتي (تونس) وعادل الجريدي (تونس) وعبد القادر بن سعيد (تونس) والجليدي العويني (تونس) ومحمد صالح بن يعلا (الجزائر) ويختتم الشاعر مولدي فروج (تونس) هذه الجلسة الشعرية الأولى.
***
في صباح السبت 25/3 بدأت الجلسة العلمية الأولى التي تدور حول الشعر التونسي والترجمة، وقدمها الناقد حاتم الفنطاسي، وتحدث فيها الناقد مصطفى الكيلاني عن ترجمة النص الشعري في القراءة والتمثل، وعن الترجمة موضوعا للمثاقفة، والترجمة عملا إجرائيا، والترجمة قراءة ولكن ليست أية قراءة، وأشار الكيلاني إلى المطابقة والإيحاء، وإلى ترجمة النص الشعري باعتبارها مغامرة فيها الكثير من التهيب. وأضاف الكيلاني أن الترجمة تعد أهم مرجع لتطور الشعر العربي، وعلى سبيل المثال ـ يشير الكيلاني ـ لولا ترجمة بودلير ما أمكن لأدونيس أن يكتشف أبا نواس، ولولا ترجمة شيلي وإليوت لما أمكن للسياب أن يبدع نصوصه، وأشار الكيلاني أيضا إلى المقارنة بين الماء في الأرض الخراب، وانحباس الماء في أنشودة المطر.
ويخلص الكيلاني إلى أن الشعر المترجم فتح آفاقا واسعة للشعر العربي، وأن القصيدة التي تبقى متوهجة بعد الترجمة، تكون ترجمتها جيدة.
بعد ذلك تحدثت الناقدة الجزائرية د. شادية شقروش عن الشعر والترجمة والممارسة النقدية، فقالت من الصعب ترجمة الوجدان، وأشارت إلى أن مؤلفات ابن سينا العاطفية جاءت بلغته الأصلية، الفارسية، بينما مؤلفاته العلمية كتبها بالعربية.
وألمحت شقروش إلى أن التاريخ عندما يُنقل عن طريق الإبداع لا يُنسى، وكذلك الترجمة الجيدة، ثم أشارت إلى ترجمات د. عثمان بن طالب، واستعرضت نصا مترجما للشاعر الجزائري عز الدين ميهوبي.
أما مقدم الجلسة حاتم الفنطاسي، فقد تحدث عن الترجمة والبعد الحضاري، وأشار إلى مفهوم الترجمة، وأهم خصوصياتها ودورها الحضاري، ثم تحدث عن الترجمة باعتبارها وجها من وجوه التعامل الحضاري، وأن الترجمة لم تكن عنصرا مضافا، ولكنها عنصر فيه إثراء من الداخل في الحضارة الأم، وأن الترجمة دائما حركة أخذ وعطاء وتراشق. ثم قدم الفنطاسي تعريفات مختلفة للترجمة، وأشار إلى ترجمة نصوص بعض الشعراء التونسيين من أمثال: عبد الله مالك القاسمي، ومحمد الغزي، والمنصف المزغني، ويوسف رزوقة، وغيرهم. كما أشار إلى ترجمات اتحاد الكتاب التونسيين إلى الفرنسية، التي تعد الأهم ـ في مجال الترجمات التي تقوم بها إحدى المؤسسات ـ خلال الخمسين عاما من الاستقلال.
بعد ذلك تحدث الشعراء المداخلون: جميل حمادة (فلسطين) ومحمد الهاشمي بلوزة (تونس) وأحمد فضل شبلول (مصر) ونزار بريك هنيدي (سوريا) وغيرهم.
وفي مداخلتي قلت: أنا سعيد باختيار محور الشعر التونسي والترجمة، ليكون محورا رئيسيا في خيمة علي بن غذاهم هذا العام، خاصة أن هذا المحور يأتي مواكبا لاحتفالية القاهرة بصدور العدد الألف من المشروع القومي للترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة، برئاسة د. جابر عصفور، وإشراف طلعت الشايب.
ثم تساءلتُ: هل هناك ترجمات من اللغات الأخرى إلى العربية في تونس في أشكال موزونة مقفاة على غرار ما فعله أحمد رامي عندما ترجم رباعيات الخيام؟ وهل هناك ببليوجرافيا للأعمال المترجمة من العربية وإليها هنا في تونس؟
وأضفتُ: إذا لم توجد هذه الببليوجرافيا، فلنقترح توصية في خيمة هذا العام بإصدار ببليوجرافيا تونسية للأعمال المترجمة، على الأقل حتى لا تتكرر الترجمات للعمل الواحد، مثلما يحدث كثيرا، وعلى سبيل المثال رأيت في إحدى مكتبات تونس العاصمة، ترجمة لرواية ساحر الصحراء أو الكيميائي للكاتب البرازيلي باولو كويللو، وقد ترجمها في مصر المبدع بهاء طاهر (هنا أشار نزار هنيدي إلى أن هذه الرواية تُرجمت أيضا مرتين في سوريا). ثم أكملتُ: فبدلا من تكرار جهد ترجمة عمل واحد إلى العربية، فلنبحث عن أعمال أخرى لم تُترجم بعد. ثم سألتُ عن مدى المشاركة التونسية في مشروع ترجمة 105 روايات عربية إلى لغات أخرى، التي يضطلع بها الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب؟
***
الجلسة الشعرية الثانية، بدأت بعد انتهاء الجلسة العلمية الأولى، وقدمها الشاعر التونسي مولدي فروج، وشارك فيها الشعراء: محمد الهاشمي بلوزة (تونس) وسناء الجبالي (مصر) وبديع صقور (سوريا) ومراد العمدوني (تونس) وجميل حمادة (فلسطين) وبلقاسم مزداوي (ليبيا) وفاطمة بن محمود (تونس) وحمدي شكري (تونس) وهالة فهمي (مصر) وسامي السنوسي (تونس) وسميرة بو ركبة (الجزائر) وحسن الكحلاوي (تونس) ونزار بريك هنيدي (سوريا) وحسن بوساحة (ليبيا) وعبد الرازق حمزاوي (تونس) وجلال الحبيب (تونس).
وبعد انتهاء القراءات الشعرية، كانت هناك قراءات وتأملات في الطبيعة من خلال رحلة جبلية إلى مصيف عين السلسلة بولاية القصرين، مرورا بأبرز المناطق الجبلية بمعتمدية جدليان (غابات فراغة وأم جدور) فضلا عن زيارة الموقع الأثري بسيدي علي البهلول، وسد وادي جدليان (بمرافقة صليحة القصرينية وفرقة الفنون الشعبية بجدليان).
وفي المساء أقيمت أمسية شعرية مغايرة بمقهى الفندق الذي احتضن الشعراء ببلدة سبيلطة.
***
الجلسة العلمية الثانية بدأت صباح الأحد 26/3 وكانت عبارة عن تساؤل قدمه د. محمد القاضي تحت عنوان: هل يُترجم الشعر؟
وأشار القاضي إلى أن الترجمة ممارسة ضاربة في القدم تسعى المجموعات البشرية من خلالها إلى التعارف والتلاقح. وقد عُرفت الترجمة العلمية والترجمة الأدبية منذ وقت بعيد، والترجمة الأدبية هي الأكثر إشكالا. ثم تحدث القاضي عن الوظيفة المهيمنة على الخطاب الأدبي، وهي الوظيفة الجمالية، أو الوظيفة الإنشائية، وهي التي تتصل بموضوعنا. وهنا تتضح أولوية الكلام في بنيته المادية، باعتبارها منطوية على قيمة ذاتية، أي باعتبارها غاية لا وسيلة. ويسهم المترجم هنا في نقل المعاني، ويبرز القيمة الجمالية، لذا فإن ترجمة الشعر ـ في رأي البعض ـ تعد عملية مستحيلة. وقد كان هناك عزوف عن ترجمة الشعر في القديم، لأن المترجمين العرب اعتقدوا أن أمة العرب هي أمة الشعر، ولا تحتاج إلى شعر الآخرين، ولكن هذا التفسير يبدو هزيلا واهنا، فالشعر الهندي أو الفارسي أو اليوناني غير العربي.
ويضيف القاضي قائلا: هناك من يقول إن الشعر يذهب ماؤه إن تُرجم، وقال الجاحظ إن الشعر لا يُستطاع أن يترجم ولا يجوز عليه النقل، والجاحظ هنا ينكر ترجمة الشعر. أما ياكبسون فيرى أن الشعر من حيث هو شعر، لا يمكن أن يترجم، وما يتاح هو النقل، وليس الترجمة. بل هناك مواضع معينة يكون ترجمة الشعر فيها محالا، مثل: المشترك اللفظي، والترديد اللغوي أو الترديد الصوتي. وهذا يرجع إلى أن الشعر هو الكلام في وظيفته الجمالية.
ثم يعرض القاضي إلى آراء الفريق الآخر الذي يرى أن ترجمة الشعر أمر ممكن، وأن شعرية الصوت أخذت في التراجع بعض الشيء أمام شعرية الصورة.
بعد أن انتهى د. محمد القاضي من مشاركته الرئيسية، قدم بعض الشعراء مداخلاتهم: علولة القنوني (تونس) وجميل حمادة (فلسطين) وقد تحدث عن تأصيل ترجمة الشعر، ونوَّار عبيدي (الجزائر) وفاطمة بن محمود (تونس) وبلقاسم مزداوي (ليبيا).
وقد طرحتُ في مداخلتي تساؤلات فقلت: من الملاحظ أن الترجمة من العربية إلى لغات أخرى تنحو الآن في معظمها، نحو ترجمة الرواية وليس الشعر، وعلى سبيل المثال تُرجمت منذ أسابيع قليلة رواية "عمارة يعقوبيان" إلى الفرنسية ووزعت في طبعتها الأولى المترجمة حوالي 4500 نسخة، أيضا الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب عندما فكر في مشروع للترجمة اختار 105 روايات عربية لترجمتها إلى لغات عدة، فما السبب؟ هل شعرنا المعاصر ضد الترجمة؟ هل لا توجد ذائقة أجنبية لشعرنا العربي الآن؟ هل قضايانا العربية المطروحة في شعرنا لا تهم قارئ الشعر في البلاد الأخرى.. أم ماذا؟
***
بعد ذلك بدأت الجلسة الشعرية الثالثة، وقدمها الشاعر حسن الكحلاوي، وشارك فيها الشعراء التونسيون: سالم المساهلي، وعبد الله البلطي، وعادل نصير، وسمير العبدللي، وعلولة القنوني، والحبيب العبيدي، وحسن عبد الله، ومحمد طاهر الصعيدي، ومنور عزيزي، وصالح وينسي، ومبروك الغرابي.
وفي نهاية المهرجان، وقبل لحظات تكريم الشعراء المشاركين، قدم الشاعر عبد الكريم الخالقي المنسق العام للمهرجان، ورئيس فرع اتحاد الكتاب في بنزرت، عددا من الشعراء الضيوف ليكونوا مسك ختام أيام الشعر في جدليان، فأنشد كل من: نوَّار عبيدي (الجزائر) وأحمد فضل شبلول (مصر) وخليل بيجو (ليبيا) وبديع صقور (سوريا) وجميل حمادة (فلسطين). ويختتم عبد الكريم الخالقي وقائع أيام مهرجان خيمة علي بن غذاهم للشعر، في دورتها الحادية عشرة، بقصيدة من ديوانه تحت الطبع "قرنفلة في عيون المريد".