لاشك أننا نعيش الآن لحظات فارقة بين عصرين من عصور النشر، هما: النشر الورقي والنشر الإلكتروني، تماما مثلما عاشت البشرية تلك اللحظات عندما اخترع يوهان جوتنبرغ حروف الطباعة في عام 1456م، فتحققت لعالم النشر قفزة نوعية هائلة، استفاد منها المجتمع الإنساني طوال القرون السابقة، ولا يزال.* الآن تتحقق قفزة أخرى هائلة عن طريق أجهزة الكمبيوتر الشخصية، وشبكة الإنترنت العالمية، التي أصبحت أداةَ النشر الذاتي الأكبر على الإطلاق، والتي من الممكن أن تخلق فرصًا أدبية وفنية ونقدية وعلمية تفوق الخيال لجيل جديد من النابغين باستخدام النشر الإلكتروني الذي يمكن تعريفه بأنه: "استخدام الأجهزة الإلكترونية في مختلف مجالات الإدارة وتوزيع البيانات والمعلومات، وإتاحتها للمستفيدين عن طريق وسائط إلكترونية كالأقراص المرنة، أو الأقراص المدمجة أو الشبكات الإلكترونية كالإنترنت، دون استخدام أوراق وأحبار".
من هنا كان على دور النشر العربية أن تواكب ثورة النشر الإلكتروني، وأن تتحوَّل ـ جزئيا أو كليا ـ من العالم الورقي إلى العالم الرقمي، حتى تلك الدور التي لم تتحوَّل بعدُ ـ ولم تزل تحافظ على ورقيتها ـ أنشأت لها بريدا إلكترونيا وموقعا على شبكة الإنترنت.

(المداخلة التي شارك بها الكاتب في ندوة الأيام العربية للكتاب، في دورتها الأولى: "النشر الإلكتروني: نافذة مستحدثة للتعريف بالكتاب العربي"، التي عقدتها جمعية أحباء المكتبة والكتاب بمدينة نابل التونسية خلال 12 ـ 13 ـ 14 مايو / آيار 2006)

لقد استفاد بعض الناشرين من تقنيات العصر، ومن وسائل الاتصال والمعلومات، ومن عالم البرمجيات، فاقتحموا فضاء المعلوماتية، وحلقوا في سماء الصفحات الإلكترونية والشرائح الممغنطة والأقراص المدمجة، ووضعوا مكتنزاتهم ومجلداتهم على تلك الشرائح الرقيقة، وطرحوها في الأسواق، أو من خلال شبكة الإنترنت، فحدث تضخم هائل وغير مسبوق يعجز العقل البشري عن تقدير حجمه الآن.

وقد حاولت إحدى الموسوعات الإلكترونية أن تجمع كل المعارف الإنسانية في موقع واحد على شبكة الإنترنت بأكثر من مائة لغة (من بينها لغتنا العربية) فتضخم حجمها، وأصبح أكثر عشرين ضعف الموسوعة البريطانية، خلال السنتين الأوليين فقط. هذه الموسوعة يحررها قراؤها، إما بالإضافة أو التعديل أو الحذف، لذا فإنها تتضخم وتنمو بشكل سريع، إنها الـ "ويكيبيديا" أو الموسوعة الحرة.

بعد هذا .. هل نستطيع أن نزعمَ أن هناك صراعًا ما بين الورقة والشاشة؟ خاصة أن الورقة لا تستطيع أن ترقى إلى تقنيات الشاشة، أما الشاشة فإنها لن تتراجع إلى الوراء، وتصبح .. ورقة.

من أجل التوفيق بين الورقة والشاشة، وحل إشكالية العلاقة بينهما، انبثق إلى الوجود اتحاد كتاب الإنترنت العرب في مارس 2005، وسجل رسميا هيئةً ثقافيةً عربيةً رسميةً مستقلةً في العاصمة الإردنية ـ عمَّان ـ في 11/4/2006 بهدف نشر الوعي بالثقافة الرقمية في أوساط المثقفين والكتاب والإعلاميين العرب، والنهوض بالدور المفقود أو الغائب للاتحاد العام للأدباء والكتَّاب العرب، الذي لم يعترف ـ بعدُ ـ بالكتابات والإبداعات المنشورة على المواقع العربية بشبكة الإنترنت، واعتماد أصحابها أعضاءً في هذا الاتحاد أو الاتحادات العربية والروابط الأدبية المختلفة.

ولأننا نعيش الآن في العصر الرقمي، فقد أخذ اتحاد كتاب الإنترنت العرب، على عاتقه مهمة رعاية المبدعين والموهوبين العرب ونشر إبداعهم رقميا من خلال موقعه الإلكتروني www.arab-ewriters.com ومنتداه.

كما أننا نسعى حاليا إلى إنشاء دار نشر إلكترونية، تسهم في نشر الإبداع الأدبي بكافة أشكاله، وتأسيس مكتبة إلكترونية عربية شاملة، كما أنني طرحت مؤخرا على الزملاء أعضاء مجلس إدارة الاتحاد مناقشة فكرة المساهمة في تحرير المواد الأدبية والثقافية العربية في "الويكيبيديا" حيث لاحظتُ قلة المحتوى العربي في هذه الموسوعة الضخمة التي يتزايد محتواها يوما بعد يوم.

أيضا من أهداف الاتحاد الدفاع عن حقوق الملكية الفكرية ـ على الأقل لأعضائه حاليا ـ وكوَّن لهذا الغرض لجنة يرأسها الكاتب الكبير د. صلاح الدين بوجاه ـ رئيس اتحاد الكتاب التونسيين ـ لوضع تصوراتها حول هذا الموضوع الشائك بالتعاون مع اللجنة القانونية بالاتحاد.

وفي النهاية أرى أنه لا تعارض ـ حاليا ـ بين الورقي والرقمي. فكل منهما في خدمة الآخر. الرقمي جاء ليكمل الدور المفقود أو الناقص للورقي في عصر المعلوماتية، والورقي يمهد منذ سنوات للعصر الرقمي والثورة الرقمية، بدليل هذا الكم الهائل من الكتب الورقية المؤلَّفة والمترجمة والمقالات والأبحاث المنشورة ورقيا وتتحدث ـ على سبيل المثال ـ عن الثقافة العربية في عصر المعلومات، أو ثورة الوسائط المعلوماتية، أو ثورة الإنفوميديا، وثورة النشر الإلكتروني، ومستقبل المعلوماتية بعد الإنترنت، وعلاقة الكمبيوتر بالثقافة والفنون، والرقابة المركزية الأمريكية على شبكة الإنترنت، وهوس الإنترنت، وصدمة الإنترنت، وأدباء الإنترنت أدباء المستقبل، ورواية الواقعية الرقمية، والإنترنت بوصفها نصًّا، وتكنولوجيا أدب الأطفال، وغيرها وغيرها من الكتب.

وأعدُّ حاليا لكتاب بعنوان "كتب ورقية مهدت للثورة الرقمية" أعرض فيه لعدد من الكتب التي تتنبأ أو تتوقع زوال العرش الورقي، أو اقتراب نهاية إمبراطورية الورق لصالح القوى الرقمية، او القوى اللينة الصاعدة التي يتوقع بعض العلماء أن تسود العالم خلال العام 2020 على الأكثر.
[IMG]null[/IMG]

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية