تخصَّص الكاتب القاص والروائي السيد نجم في موضوع أدب الحرب، وأدب المقاومة، وأصدر كتبا عدة في هذا الاتجاه الذي اشتهر به، منها: الحرب: الفكرة ـ التجربة ـ الإبداع (1995) والمقاومة والأدب (2001) والمقاومة والحرب في الرواية العربية (2005). وأضاف مؤخرا إلى هذه النوعية من الكتب، كتابا مهما أيضا في مجاله هو "المقاومة والقص في الأدب الفلسطيني ـ الانتفاضة نموذجا" الذي صدر عن الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين في 148 صفحة، حيث كتبت أعمال إبداعية عربية كثيرة عن القضية الفلسطينية، وعن الانتفاضة الفلسطينية الأولى ـ انتفاضة الحجارة (1987) والثانية ـ انتفاضة القدس، أو انتفاضة الأقصى (2000) ولكن الجديد عند السيد نجم هو تناوله لأعمال الكتاب والأدباء الفلسطينيين (فقط) الذين كتبوا عن الانتفاضتين، وكيف عبر الأدب الفلسطيني عن الانتفاضة. فنحن نعرف أن الأدب الفلسطيني بعامة أدب مقاوم، ولكن أدب الانتفاضة له خصوصيته التي وضع يده عليه السيد نجم، فأهدى كتابه "إلى اتحاد الكتاب الفلسطينيين الذي حول مشروع دراسة متواضعة إلى كتاب يطمح في رصد أسماء مبدعة فلسطينية لم تلق الاهتمام الذي تستحقه".
أدب اشتهاء الحياة
من الطبيعي أن يبدأ المؤلف كتابه بتمهيد يتحدث فيه عن أدب ما قبل الانتفاضة، حيث انشغلت القريحة العربية بموضوع "الهوية"، وأن يعطي تعريفا لأدب المقاومة الذي هو "أدب ترسيخ قواعد الوجود الإنساني، وأدب الأنا الجمعية في سعيها إلى الحرية لتقوية ذاتها في مواجهة الآخر العدواني". ويؤكد الكاتب على أن أدب التجربة الحربية الحقيقي (الجيد) هو أدب إنساني، وأن خصوصية أدب الحرب ترجع إلى أنه أدب التعبير عن الأضداد: الموت مقابل الحياة، رهافة المشاعر مقابل شراسة وفظاظة المقاتلة، بل أنه أدب اشتهاء الحياة.
بعد ذلك ينتقل الكاتب لتقسيم الأدب الفلسطيني إلى مراحل: المرحلة الأولى تبدأ مع بدايات القرن العشرين وحتى عام النكبة 1948، أما المرحلة الثانية فتبدأ من 1948 حتى 1967، والمرحلة الثالثة تبدأ من 1967 وحتى بداية الانتفاضة الأولى 1987، بينما المرحلة الرابعة فهي تلك الفترة التي عبرت عن انتفاضة الحجارة وانتفاضة القدس.
مذكرات دجاجة، ورجال في الشمس
وعلى الرغم من وجود أعمال أدبية كثيرة في مجال السرد، ظهرت مبكرا، إلا أن الكاتب يشير إلى أن رواية "مذكرات دجاجة" لأسحق موسى الحسيني المنشورة عام 1943 تعد أول رواية ذات تقنية تتجاوز ما سبقها في كل إنتاج الرواية الفلسطينية.
أما رواية "رجال في الشمس" لغسان كنفاني المنشورة ـ في طبعتها الأولى ـ عام 1963 فبها يؤرخ لميلاد الرواية الفنية الفلسطينية، وهي تعد من أهم روايات المقاومة عموما، والمقاومة الفلسطينية خصوصا، على الرغم من بساطة التناول والحكي والمعالجة.
بعد ذلك يتناول المؤلف إرهاصات المقاومة الفلسطينية بعد النكبة، ويشير إلى بعض الأعمال الأدبية، غير أنه في رواية السبعينيات يتوقف عند "الوطن في العينين" للروائية حميدة نعنع، و"إلى الجحيم أيها الليلك" للشاعر سميح القاسم. ويخلص إلى أنه إذا كان الإبداع الفلسطيني في الستينيات يكشف "البحث عن طريق ما للخلاص" فإن الروايات التي نشرت في السبعينيات تكشف "العثور على الذات الفاعلة والمقاومة". وأنه ليس من الإفاضة القول بغلبة الشعارات في عقد الستينيات، وهو العقد الذي شهد نكسة يونيو، بينما عقد السبعينيات عقد الفعل والتفاعل وشهد انتصارات أكتوبر.
ومن انتصارات أكتوبر، إلى حديث الانتفاضة التي هددت نظرية الأمن الإسرائيلي، تلك النظرية التي تعتمد على استخدام العنف بأقسى صوره، وحرمان الطرف الفلسطيني من السلاح، ومع ذلك لم تنجح النظرية، ولن (تنجح). وهو ما يمكن أن يعتبر من أهم منجزات الانتفاضة.
في مجال الرواية
وفي مجال السرد الروائي، تعد رواية "أحواله وأحوالنا" للروائي حافظ البرغوثي، الرواية الأولى التي تناولت "الانتفاضة" موضوعا لها. ثم يقوم الكاتب بعمل إحصائية بأسماء القصص والروايات الفلسطينية التي تناولت الانتفاضة، أو شهد الحضور الأدبي للانتفاضة مجالا واسعا فيها. وهو يشير إلى دور القيم الروحية في تزكية الانتفاضة، كما يلاحظ أن الرواية المعبرة عن تجربة الانتفاضة، عددها قليل نسبيا، غير أنه يمكن إجمالا القول إن الخطاب الأدبي خلال الانتفاضة يعد خطابا تحريضيا ومتفائلا والشخصيات فيه إيجابية، ويضرب أمثلة على ذلك من خلال الروايات التالية: رواية "العربة والليل" لعبد الله تايه، ورواية "البالوع" لأحمد يعقوب (والبالوع: اسم شعبي يطلقه سكان "البيرة" على المدخل الشمالي للمدينة) ورواية "الحواف" لعزت الغزاوي، ورواية "عودة منصور اللداوي" لغريب عسقلاني، والرواية القصيرة "بيت من ورق" لرافع يحيى، الذي ينتمي إلى عرب إسرائيل، وهنا يثور السؤال: أين "فلسطين" في كتابات عرب إسرائيل؟ ورواية "قدرون" لأحمد رفيق عوض التي تتحدث عن الأرض التي تفيض بالقيم، وتتجاوز القيم المادية، لتأخذ طابعا روحيا وجدانيا.
في مجال القصة القصيرة
أما في مجال القصة القصيرة، فيتوقف السيد نجم عند قصص حسن حميد حول الانتفاضة، مثل قصة "ليلا .. قرب الجدارن"، وقصة "عنوان عبودة"، وقصة "موشيه". أيضا يتوقف عند قصة "الأرض" لطلعت سقيرق، وهنا الأرض ليست الحيز المكاني، بل هي الإنسان بعد أن تصبح وطنا، وقصة "إمبراطورية زينب" لجاردينيا الحمران.
في اليوميات والسير والمذكرات
ومن الرواية والقصة القصيرة إلى المقاومة الفلسطينية في اليوميات والسير، حيث جاءت اليوميات والسير والمذكرات في الأدب الفلسطيني المعاصر، وليد الحاجة الملحة لأبناء الوطن للتعبير عن المعاناة والقلق. ثم يقوم الكاتب بتقديم قائمة لأهم هذا النوع من الكتابة.
ثم يتحدث عن إبداع يقع بين السيرة والقص مثل "رأيت رام الله" لمريد البرغوثي، و"فلسطين حبيبتي .. لو عرفوها كما عرفتها" لساما عويضة التي توجه رسالتها (إلى ملكة السويد التي حملت مسئولية الانتفاضة، وما يصنعه الإسرائيليون في الأطفال، على عاتق الأمهات الفلسطينيات).
رؤية المبدع الفلسطيني للسلام
ويفرد السيد نجم فصلا من كتابه المهم، عن رؤية المبدع الفلسطيني للسلام، متحدثا في بدايته عن نوعين من المقاومة: المقاومة الإيجابية، والمقاومة السلبية، ولعل نموذج الزعيم الهندي "المهاتما غاندي" يعد من أكثر النماذج نضوجا وتمثيلا للمقاومة السلبية، ثم يحلل بعد ذلك عددا من القصص التي تناول فيها المبدع الفلسطيني موضوع السلام، مثل قصة "سلام الجنرال" لتيسير نظمي، وقصة "بوابة السلام" لبشرى أبو شرار، وقصة "وفي فلسطين من الموت تولد الحياة" لسناء أبو شرار، ثم السلام في رواية "العربة والليل" لعبد الله تايه، حيث تبرز هذه الرواية فكرة أن السلام ممكن بالتفاوض لكن على أساس الفهم المشترك، وأن هناك جانبا من الإسرائيليين يمكن أن يتعاطف مع فكرة السلام.
الانتفاضة وثقافة الاستشهاد
وفي الختام يشير إلى بعض الأعمال التي رصدت رحلة الكفاح الفلسطيني، مثل أعمال جبرا إبراهيم جبرا، وإميل حبيبي، وغسان كنفاني، وسحر خليفة، وليانة بدر، ويحيى يخلف، ثم أنه يقسم أدباء فلسطين، إلى مجموعة داخل إسرائيل، وإلى مجموعة أدباء قطاع غزة والضفة، وفي النهاية يخلص إلى أن الانتفاضة تعد "حالة جماعية تعبيرا عن الرفض ومحفزة عليه، عاشها ويعيشها كل أفراد الشعب الفلسطيني، وأن الأعمال الاستشهادية بدت وكأنها ظاهرة أفرزتها ثقافة جديدة هي "ثقافة الاستشهاد" التي تعتمد على مرتكزات دينية، نفسية، اجتماعية.