أنقولُ نثراً أم نقولُ شعراً أم نقولُ صمتاً ؟
لم يعد في شكل ما نقولُ غاية ، ولا عادَ في صمتنا ما يريح ْ ، أوجعنا الصمتُ وأوجعْنا الكلام ْ
ماذا نقولُ يا بواباتِ شرفنا المعصوم ِمن الزللِ بقوة الرسالة ْ والمنعقدِ على الفداءِ وكرامة ِالزمن ِالنبيِّ لمن ما عادَ يفهم ُ ما يقولُ الأنبياءُ ولا عادَ يحفلُ بمواعيدِ السماء ْ ولا قيمة َعدالةِ الفرسان ِالنجباءِ ولا حقَّ وشرعةِ كرامة ِالحقِّ المخضَّبِ بالإباء ْ !
أتراهُ ما عادَ يفهمُ وتراهم ما عادوا يفهمونَ ؟ أم أنَّ خطاياهم لم يعدْ يصلحُ لها نبوّةً ولا عاد يُصلحُ جرمهم اعترافٌ ولا يخلِّصهم من وحلهم وعارهم ندم ٌ ولا يمكِّنهم من إنسانيتهم التي أعدموا بأيديهم معبدٌ ولا هيكلٌ ولا صليبٌ ولا كتاب ٌ ولا رسول ٌ ولا بشارةُ سماء ْ
وأتلفتنا مواعيدُ انتظارِ عودةِ العقلِ المغيَّبِ والحسِّ المنكَّسِ بالخيباتِ والحسراتِ وهزيمة ِ الضميرِ ، وأفزعنا شقاءُ الرجالِ بذلِّ القهرِ العضال ْ ، وتحوُّلُ اللغةِ إلى اشتقاقات ِ الأعذارِ والمبرراتِ وتغطيةِ العوراتِ بما لم يعد توتاً ولم يبقَ يصلحُ بالخرقِ المتسع ِ كغربالْ .
ماذا نقولُ وأمامَ أبصارنا نحرُ ما تبَّقى من قيم وما سلمَ من خلق ٍ وما توفَّرَ من شرائعَ رغم قصورها ورغم تواضع ِ عدلها واستبدالَ الذي أدنى بالذي هو خير وكأنه الهدف الجديد القديم لمن فعلها مرَّة وعاد يفعلها من جديد متدرِّعا ً بقوة الحديد الصمّاء القبيحة ومتجللاً بوقاحة لصوص المعابدِ جهاراً نهاراً دون خجل ولا حياء ْ !
ماذا نقولُ وما سلمَ من الجريمة ِ حرفٌ ولا سلمت قبيلة ْ ؟ بل أوغلت القبائل في غيِّها وفسادها وكفرها البواح فكانت أكثرهم فسقا وكفراً ونفاقاً وباعت كلَّ ما وقعت عليه أيديها من طريف ٍ وتالد ٍ في سبيل ِ إرضاءِ القاتل ِ والاقترابِ من بصرِ السفّاح ِ وسمع ِ الكاذب ِ المحتال ْ.
يختطفونَ ما أرادوه من هذه الأرض ِ فليكن ْ ، ولكن لن يختطفوكِ ولن يختطفوا أولادكِ الشمِّ الجبال ْ ، أخذوا من أوراقنا الخضراءِ كثيراً وشربوا من دمائنا الزعفرانِ كثيراً ، واحتالوا في حرف ِ غيمنا ، وحاصروا موضعَ قدمنا وموضع رئتنا وموضعَ صبحنا ونهارنا ، لكنهم لم يفلحوا أن يحاصروا موضع إرادتنا وعزمنا ونقاءِ انتمائنا وخيمةِ حلمنا ودربِ وصولنا وسيفِ بوصلتنا العصماء ْ.
لا خيارَ ولا اختيارَ فيما أوقفتنا السماءُ عليهِ قبل أن تحملنا الأرضُ به ، لا خيارَ ولا اختيارَ في عهدةِ أولي العزم ِ وصومعةِ أولي الطهارة ِ والقداسة ِ والخلاص ، لا خيارَ ولا اختيارَ في مسيرةِ الوصول وبشارةِ الحلم ِ الذي زرعناهُ على أهداب ِ السلالة ِ وما تناسلَ في خيمتنا وما تولَّد من خيول ْ.
لكِ المجدُ ولكِ الرفعة ُ العتيدة ، لكِ الخلودُ المختصرْ ، لك ِ النقاءُ الحارسُ اليومَ الكرامة َ والحياةَ في البشر ْ ، لك ِ الشرفُ الوحيدُ فوقَ أعناق ِ القيامة ِ والشهادة ِ والرسالة ِ وجنَّة ُ الله ِ العريضةِ والجزاءُ المنتظر ْ ، تستمدينَ الوقوفَ من جناح ِ ملائكِ الملك ِ العظيم ِ ومن تسابيح ِ العدالة ِ حولِ عرش ِ الخالق ِ القدّوس ِ وابتهالات ِ القدر ْ.
نعودُ فيكِ إليكِ ونعودُ بكِ إليها مهما حاولَ الطريق ومهما تعاظمَ الفداءُ ومهما تعنَّت َ الزمانُ وبالغَ الثمن ْ ، نعودُ إليكَ لا همَّ لنا إلا أن نظلَّ على عهدنا وعلى مشارفِ حلمنا نزيدُ من همَّتنا ونكبرُ شوقنا ونزيدُ فخرنا وشموخنا ونحملُ فيكِ عذاباتنا وجراحنا وآلامنا مرتين ْ ، خذي ما أردتِ من ورود وما طلبت ِ من عطور وبخور وما احتجتِ من بذور ْ.
هنيئا لكِ بشرفِ الرسالة ْ وهنيئا لكِ بمنزلة ِ المرسلين ْ واقبلي من جاءك على درب ِ خلاصه ِ حليفاً ومن جاءك صديقاً ومن جاءك ِ يكتبُ بخطوه ِ نحوكِ نضارةَ الأوبة ِ إلى الحقِّ والعدلِ ونصرِ الضمير ، فاقبلي حوارييكِ وأصحابكِ الجدد ِ المصدِّقين ، بابنا ما أغلقناهُ وغيمنا ما أوقفناهُ وثلجنا ما منعناه ُ فماذا تنتظرون ْ ؟
كلّ عام ٍ وأنتِ لنا ونحنُ لكِ كما أردتِ وكما نتمنى ، كلّ عام وأنت دربُ عودتنا وصبحُ كرامتنا وتغريبة ُ ثباتنا وصمودنا حتى نصلَ بك ِ وتصلينَ بنا إليها ...إلى فلسطين ْ ، كلّ عام وأنت فلسطين ْ