لا غرو من أنّ الأدب يكسو صانعه جلباباً من سحر البيان, وتاجاً مرصعاً بحلل الجمان, فيغدو ملكاً على عرش الزمان, يعيثُ بحبه كل مستهامٍ مقدام, بجزالة أدبه وشعره ورونق رأيه والمقام. وللتاريخِ كلمةٌٌٌ إن وسع المقام, لكل مرتشفٍ من كأس هذا المدام, تُحدثنا كُتب التاريخ مُستفيضةً بأعراف وتقاليد الفصاحة والبيان, قائلةً: مذ قديم الزمان, وفي سالف العصر والأوان,وعند بزوغ نور الهداية وسطوعِ رسالة المصطفى البهي الفينان,سار هؤلاء الفرسان, في ركبان الفصاحة والبلاغة وسحر البيان, فكانوا ممن تجّمع لهم غفيراً من الناس في الميدان, لاستعذاب أدبهم الفتان, وحلاوة شعرهم الريحان, فهذا هو حسان, يعلن عن شهداء مؤته في رثائه, قائلاً:
تأوبني ليل بيثرب أعـــسرٌ وهَـمٌّ إذا مانوّم الناس مسهر لذكرى حبيب هيجت ثم عبرة سفوحاً وأسباب البكاء التذكر بلى إنّ فقدان الحــبيب بليةُ وكـم من كريم يبتلى ثم يصبر فلا يبعــدن الله قتلى تتابعوا بمـؤتة منهم ذو الجناحين جعفر وزيدٌ وعبــدالله حين تتابعوا جميعاً وأسبـــاب المنية تخطر غـداة غدوا بالمؤمنين يقودهم إلى المـوت ميمون النقيبة أزهر
من هذا الفيض الريّان, يتجلى لنا أولى أعراف الأدب الرنان, في الإعلامِ عن كل ما يدور في رحى الحروب, وما يعتريها من كروب, وألوان العذاب الضروب, حين كان استخدامه كضرورة من ضروريات الدعوة العذوب.,
ومع استيطان حملة القرآن, في مختلف البلدان, برع صانعي الحضارة, في استعادة النضارة, لبريق الجمال, وألمعيّة الكمال, فهذا هو الأمير الأندلسي" المعتمد" , يصفُ رميكيته " اعتماد" العروب, ذات الحسن الطروب, الذي تنشق له القلوب, قائلاً:
يا صَفْوتي من البَشر ** يا كوكباً بل يا قمر يا غُصناً إذا مشى** يا رشأ إذا نظر يا نفسَ الروضةِ قدْ** هبّتْ لها ريحُ سحر يا ربّة اللحظِ الذي**شدَّ وثاقاً إذ فتر متى أداري يا فداك**السمع مني والبصر ما بفؤادي من جوى** مما بفيكِ من خفر :
ومن فوحِ هذا الأدب الرقراق, يبدو لنا العرف الثاني السامق الوامق, في التعبير بأريحية عن الحب الطاهر, الزاهر, الذي يربط قلوب العشاق, بأربطةٍ وثاق. :
ويا لضراوة اللون الآخر, النابض الثائر, المخيف الناظر, المهيب السرائر, المبكي الحرائر, المُحي الضمائر, الذي يصد كل خوانٍ فاجر, ولئيمٍ غادر, الشعر السياسي, الذي برع فيه الوليد الأعظمي قائلاً يوماً:
ثوروا على الباغي الذليل** واحموا تعاليم الرسول وأبغوا الحياة كريمة** في ظل دستور نبيل وتمردوا فالحر يأبى**أن يساوى بالذليل والموت أهون عند** نفس الحر من حكم الدخيل : :
وسطوع الكلمة, في بيوت الحكمة, حيث الرأي السديد, والقول الرشيد, برع فيه أمير المؤمنين, وسيد العارفين, أبلغ البلغاء, وأينع الشعراء, علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-, الذي يقول:
تحرز من الدنيا فإن فناءِها ** محل فناء لا محل بقاء فـ صفوتها ممزوجة بكدره ** وراحتها مقرونة بعنـاء : :
وللغانيات الفاتنات, الأديبات الفصيحات, الأميرات الحسناوات, مقاماً في المساجلات,والنقاشات والمطارحات,فا هي ولاّدة بنت المستكفي الأندلسية, تبوحُ بكلمات, من مستودع المشاعر الآسرات, عندما خانها معشوقها ابن زيدون, مع إحدى الجوارى, قائلةً:
لو كُنتَ تُنصفُ في الهوى ما بيننا** لم تهوَ جاريتي ولم تتخبّر وتركتَ غصناً مثمراً بجماله** وجنحت للغصنِ الذي لم يُثمرِ ولقد علمتَ بأنني بدر السما** لكن دُهيتَ لشقوتي بالمشتري
~* مصافحة أخيرة*~ هذه جزء من الأعراف والتقاليد, التي أنشأت ما يُسمى بمجتمع الأدب الفاضل, الذي ينعم قاطنيه بالسكن في بروج عاجية, لا يطالها إلا كل بليغٍ فصيح, فسيح المشاعر رهيف.
يا تُرى هل سيأتي يوماً تخبو فيه وهج تلك الأعراف؟؟ وينسلخ قاطني ذلك المجتمع من تلك التقاليد ؟؟ : :
أترككم مع تأملاتكم!
~ همسة أخيرة~ الى سفيرة الآداب والفنون أ.حياة الياقوت, لكِ كل البهجة على استضافة خربشاتي الأدبية في هذا الفضاء الثقافي البهيج وعذراً على التأخر في تلبية الدعوة, ولكنه كما يُقال أن تصل مُتأخراً, أفضل من أن لا تصل أبداً.