ـ إن من حق المعلمِ على المتعلمِ أن يشكرَ فضلهُ، وينوّهَ بقدرهِ، فاغتنم هذه الفرصة وأتقدم بالشكر الجزيل إلى أستاذي الدكتور إبراهيم البعول، الذي سار بنا في مادة مناهج النقد الأدبي نحو كيفية مناطقه ومحاورة النص الإبداعي، فكان له الفضل الأكبر في هذه القراءة، فكان موجِهاً ومرشِداً ومدرِباً فله مني كل الاحترام والتقدير.
ـ كما يسرُني أن أتقدمَ بخالصِ الشكرِ والتقدير إلى زميلي راكان الضمور، الذي لم يبخلَ عليَّ بوقتهِ ونُصحهِ، فله مني كل الشكر .
أما عن هذه الدراسة التي نحنُ بصددِها، فالقصيدة بشكل عام أو محورها العام تتحدث عن شاب فقير الحال ميسور، يسكن في قريةٍ صغيرة أضطر إلى أن يترُكها ويذهب إلى المدينة؛ من أجل إحداث تغيير ولكن الأقدار أوقعت هذا الشاب بين يدي فتاة من فتيات الهوى، فاختارته من بين مجموعة من الشباب؛ لأنه يتمتع بالجمال وقوة الجسم، على الرُّغمِ من أنه فقير الحال ومُعدم .
وبدأت الفتاة تستغلهُ استغلالاً ملحوظاً، وغيّرت من بعض الملامح العامة للشاب، حتى إنه أُصيب بمرض يسمى السل، وفي تلك الآونة كان مرض السل مرض قاتل يُصيب جهاز التنفسي ويُؤثر سلبي على الجسم، وبدأ ذلك المرض يفتك بذلك الشاب ويأخذ من جسمهِ، وبعد ذلك تركته الفتاة بين أربعةِ جدران وقد أنزلت عليه الستائر حتى لا يراه أحداً، فأخذ الشاب يُصارع المرض تارةً ويصارع الحياة تارةً أُخرى، بنفسهِ لا يجد من يُعينه .
ومن هنا بدأت الحياة تتغير في نفسِها في الوقت التي كانت تفتخر به؛ لأنه بجانبها فباتت الآن تخجل من أن تُريه للناس، وفي النهاية مات الشاب وأوصى بوصيه عبـارة على أن تُكـتب على قبرهِ وهـي : " هذا قتيلُ هوى فإذا مررت بمثلِها فأحدي " .
ومن هنا ومن ذلك المحور العام للقصيدة يمكن أن ندرسها في ضوء أبعاد المنهج الاجتماعي، ومن المعروف أن ذلك المنهج هو الذي يربط الأدب بالمجتمع على اعتبار أن الأدب نشاط اجتماعي لا نشاط فردي، وهكذا فعل شاعرنا .
فبدايةً أود أن أُشيرَ إلى أن أول مظهر من مظاهر المنهج الاجتماعي في القصيدة، إنها صُنفت في ديوانهِ ضمن الشعر الاجتماعي، ومن وجهة نظري إن القصيدة من الأدب الجيد أو الجادّ؛ لأنه الأدب الجيد هو الذي يعمل على تحقيق وعي اجتماعي، ويعمل كذلك على تجميع المجتمع حول قضايا لها أهميتها كتلك القضية المطروحة في القصيدة .
ويمكن أن نقول بأن الشاعر قد ساهمَ في إبعاد مجتمعة عن تلك الآفات الخطرة التي تُهدد مستقبل الجيل الجديد، من مثل التهافت على اللذات والمحرمات التي تُؤدي إلى ضعضعته وضياعه في متاهات الفساد والانحلال، وبالتالي تُفقد الوطن فتوة شبابه وطمُوحهم وتطلُّعهم نحو الغايات الكريمة والأهداف النبيلة .
فهو من خلال هذه القصيدة يُعبر الشاعر عن رؤية اجتماعية، وذلك من خلال تصويره للشاب الذي اختاره من أدنى المجتمعات الذي جاز لنا أن نسميه بالطبقة الكادحة، الذي سُرعان ما انحرف وتخلى عن القيم التي كان يحملها من ذلك المجتمع، ووقوعه في المهالك؛ نتيجةً لرغبة الشاب في إحداث التغيير بأي صوره من صوره .
وتصويره لتلك الفتاة التي كانت من أعلى المجتمعات، وجاز لنا أن نقول إنها من الطبقة البرجوازية، وتصوير نظرتها إلى ذلك الشاب نظرة احتقار واستغلال وازدراء وإن جاز لنا ذلك الوصف أن نقول أبشع وأقذر الاستغلال .
فهو يُشر ويهدف من ذلك، إلى توضيح وبيان الصراع القائم بين الطبقات الطبقة الكادحة والطبقة البرجوازية، ونهاية ذلك الصراع، فالقصيدة إذاً هي عبارة عن صورة تُعبر للنشء عن سوء المزالق التي تؤدي إليها هذه الآفات .
عناصر المنهج الاجتماعي كما ظهرت في القصيدة :
الواقعية :
1 ـ من خلال العنوان ( المسلول ) وهو مرض فتّاك، يُصيب جهاز المناعة عند الإنسان .
2 ـ الحديث عن صورة الشاب الفقير وملابسه، وعن غربته بحثاً عن لقمة العيش. يقول : ـ بَصَرتْ بِهِ رثَّ الثِّيابِ، بِلا مَـأوىً بِلا أَهلٍ بِلا بَلَدٍ
3 ـ الحديث عن صورة الشاب الفقير المحروم، الذي تُغريه لذات الدنيا .
يقول : ـ ظَمـآنُ، وَالأهواءُ جارِيَـةٌ كَالسَّلسَبيلِ، مَتى يُرِد يَرِدِ
4 ـ الحديث عن إدمان الشاب على الخطيئة .
يقول : ـ لا، لا أَنـامُ وَلا أَذوقُ كَـرىً أَنا لَستُ مَن يَحيا لِفَجرِ غَدِ
ـ إِن ضاعَ يَومي، ما أسِفتُ عَلى خُضَرِ الرَّبيـعِ وَزُرقَةِ الجَلَدِ
5 ـ الحديث عن المصير المنطقي لممارسات الشاب، وهو الموت دون أهل أو وطن . يقول : ـ ماتَ الفَتى، فَأُقيمَ في جَدَثٍ مُسـتَوحِشِ الأَرجاءِ مُنفَرِدِ
6 ـ الحديث عن صورة الفقر وبريق المال، وذلك من خلال صورة الشاب وصورة الفتاة .
يقول : ـ بَصَرت بِهِ رّثَّ الثِّيابِ، بِلا مَـأوىً بِلا أَهلٍ بِلا بَلَدِ
ـ حَسناءُ، أَيَّ فَتىً رَأَت تَصِدِ قَتلى الهَوى فيها بِلا عَدَدِ
7 ـ الحديث عن ( الحرية )، والحرية قيمة اجتماعية حيثُ كان الشاب طَليقاً في بداية حياته، ولكن بعد تَعرفُهِ على الفتاة أصبح سَجيناً .
يقول : ـ وَتَـزورُهُ حيناً، فَتُـؤنِسُهُ بَعضُ الطُّيورِ بِصَوتِها الغَرِدِ
8 ـ تمني الفتيات الزواج من الشاب القوي البنية وذو الجمال .
يقول : ـ فَتَخـَيَّرَتهُ، وكانَ شافِعَهُ لُطـفُ الغَزالِ وَقُـوَّةُ الأَسَدِ
الالتزام :
1 ـ محاولة التغيير في واقع الشاب المادي، وأنه أصبح ثَرياً وعزيزاً بعد ذُلّهُ .
يقول : ـ ماضِيهِ، لَو يَدري بِحاضـِرِهِ رُغمَ الأُخُوَّةِ ماتَ مِن حَسـَدِ
2 ـ الإيمان بعنصر الخير في البشر .
يقول : ـ وَرَأَى الفَتَـى الآمالَ باسِمَةً في وَجهِهـا، لِفُؤادِهِ الكَمِـدِ
3 ـ الصراع بين الطبقات، أي النظرة الفوقية .
يقول : ـ فَتَخَيّـَرَتهُ، وكانَ شـافِعَهُ لُطفُ الغـَزالِ وَقُـوَّةُ الكَمـِدِ
4 ـ محاربة الاقتصاد الحرّ بطريقة غير مباشرة، فما هو الدافع وراء هجرة الشاب؟ وما هو سبب اختيار الحسناء له؟ .
يقول : ـ أَفَأَنتِ قاتِلَتـي ؟ كَذَبتُ أَنا لَـولاكِ كُنـتُ أَذَلَّ مـِن وَتَـدِ
عدم الالتزام :
1 ـ التطور كان باتجاه الأسوأ، فمن يصعد لفوق تكون نهايته سوداء .
يقول : ـ وَمَشى الهَوى بِهِما كَعادَتِهِ وَالبَـحرُ لا يَخلو مِـنَ الزَّبـَدِ
2 ـ عدم احترام آدمية الإنسان .
يقول : ـ مُتَجَلِّلٍ بِالفَقـرِ، مُؤتَـزِرٍ بِالنَّـبتِ مِـن مُتَيَبِّسٍ وَنـَدي
3 ـ استغلال أبناء الطبقة الدنيا الكادحة .
يقول : ـ سَكرانُ، وَهيَ تَمُصُّ مِن دَمِهِ وَتُريـهِ قَلبَ الأُمِّ لِلوَلَـدِ
4 ـ لم يؤمن بأن الزمان عامل مهمٌ في إحداث التغيير، وجعل الموت هو الحلّ الوحيد .
يقول : ـ وَالَموتُ، أَرحَمُ زائـِرٍ لِفَتىً مُتَزَمِّـلٍ بالـداءِ مُغتَمِـدِ
علاقة الأدب بالجمهور :
ساهم الشاعر في إبعاد مجتمعه عن تلك الآفات الخطيرة التي تُهدد الجيل الجديد، ومن تلك الآفات التهافت في الملذات والمخاطر، وهذا دور يُحسب للشاعر على تنمية الوعي لدى المجتمع .
وفي النهاية، نودّ أن نقول فما الأدب إلا محاولةٌ يبذلها بعض الأفراد من ذوي القدرات الخاصة؛ من أجل فَهم واقعهم الاجتماعي واستيعاب يجمع بين المعتد والأفكار وبين المعرفة الواقعية.