خوان غويتيسولو روائي إسباني كبير من مواليد عام 1931 يعيش الآن في مراكش المغربية قال عن نفسه: :(أنا أعد من بين الروائيين الأروبيين القلائل المهتمين بالثقافة العربية الإسلامية وقد دافعت قدر استطاعتي عن القضية الفلسطينية وكنت حاضرا على جبهات النضال من أجل الديمقراطية في العالم العربي واستعادة شعوب المنطقة للحرية ). وفي أروبا كثير من المثقفين الرافضين للدوغمائية الغربية التي صاغت طروحاتها الفكرية قوافل المستشرقين ابتداء من القرن الثامن عشر بدافع استعماري وفي إسبانيا ذاتها التي يحمل جنسيتها كاتبنا الشاعر العظيم لوركا الذي تغنى بمجد الأندلس وكاتب ألمانيا صاحب نوبل غنتر غراس فقد شذا عن عموم الأروبيين حكاما ومحكومين في تبني الفكر المركزي الأروبي.
لكن المثير في قضية غويتيسولو هو رفضه لجائزة القذافي العالمية للأدب وهي جائزة تأسست عام 2007 تمنح للأدباء الذين يخوضون معترك الكتابة في الدفاع عن حقوق الإنسان والقيم الإنسانية ومبلغها مغري جدا 150ألف أورو وأرجع الروائي أسباب رفض الجائزة في رسالة وجهها إلى رئيس لجنة التحكيم الروائي الليبي هو الآخر إبراهيم الكوني إلى مصدر الجائزة فالمبلغ المالي مقدم من الجماهيرية العربية الليبية التي استولى فيها القذافي على الحكم بالانقلاب العسكري سنة1969مشيدا في الرسالة ذاتها بلجنة التحكيم التي ضمت نخبة من النقاد وعلى رأسها الناقد المصري المتخصص في الدراسات الإسبانية صلاح فضل كمال نوه بالمستوى الأدبي والأخلاقي المرموق للجنة مضيفا أن دواعي منحه الجائزة تستحق كل الاحترام والتقدير،معقبا:( بعد تردد قصير ناقشت بينه وبين نفسي احتمالات قبول الجائزة أو رفضها ولأسباب سياسية وأخلاقية اتخذت الخيار الثاني).
وبالعودة إلى تصريح الكاتب نقف عند قوله الجائزة فالمبلغ المالي مقدم من الجماهيرية العربية الليبية التي استولى فيها القذافي على الحكم بالانقلاب عسكري سنة1969فهو يرفض أن يأخذ مالا من حاكم استولى على الحكم بالانقلاب ولو فعل لكان قد زكى حكمه والديمقراطية الغربية صريحة جدا وشفافة جدا فالمال المقدم في هذه الجائزة لن يكون شرعيا حلالا- بتعبير الفقهاء عندنا- لأن القيم عليه ﴿الرئيس﴾ ليس شرعيا وبقاءه في الحكم طيلة هذه المدة ليس شرعيا ولو أن غويتيسولو قبل الجائزة لصار مهزلة في الغرب، جائزة القذافي؟ومعنى ذلك أن الكاتب ردئ، منافق، سطحي، انتهازي إلى غير ذلك من النعوت التي تسقطه إلى الأبد.
لكن العجب يأخذنا حين نفكر في أمر اللجنة، إبراهيم الكوني روائي مرموق هل هو الأجر المرتفع الذي يتقاضاه جراء الاشراف على الجائزة،أم الحمية الوطنية؟ وصلاح فضل يبدو أنه يهاجر من الخليج إلى طرابلس الشرق بحثا عن مغانم ربما فالعولمة تقتضي عولمة في كل شيء، في القيم وفي الشهادات والقناعات الفكرية فكل شيء قابل للبيع في سوق نخاسة القيم! وقياسا على ذلك ما نراه ونسمع به من جائزة سمو الشيخ فلان وجلالة الملك علان وسموالشيخة فلانة إلى غير ذلك من الجوائز التي يتهافت عليها الكتاب العرب مع أنها عديمة القيمة في الغالب –اللهم ك إلا القيمة المالية - ويستثنى من ذلك جائزة الملك فيصل والعويس وسعاد الصباح والبابطين.
وتحضرني هنا نكتة مفادها أن دكتورا من بلدتي يعيش حاليا في باريس يسمي نفسه مثقفا وكتب كتابا أسماه "الثقافة ومآسي رجالها " دون حياء كان قد كتب كتابا عن القذافي بعنوان "القذافي والمتقولون عليه" وأراني إياه أثناء زيارة مجاملة له في شقته الفاخرة في قامبيتا في باريس ولربما كانت الشقة مكافأة على الكتاب وأوجست في نفسي قرفا وقلت: إذا لم تستح فافعل ما شئت ونذهب بعيدا في الطرح لنقف عند نوبل وما تسيله من لعاب الكتاب فمن المناداة بالتطبيع إلى شجب الانغلاق العربي في التعاطي مع إسرائيل التي لا داعي لمعاداتها ليظهر هذا المثقف شاعرا كان أو روائيا في صورة العالمي المستحق لنوبل.
وفي الجزائر كاتب هو واسيني الأعرج قرأت له تصريحا في جريدة جزائرية يقارن بين فسه وبين الوزير ويقول أنه خير منه فهو معروف ويسافر كثيرا وتحول هذا الكاتب إلى صياد جوائز الشيخ والشيخة . وكثير كثير من أمثال أولئك الكتاب في عالمنا العربي مع أن التوحيدي في تراثتا العربي كتب كتاب مثالب الوزيرين وكان يمكنه أن يكتب محامد الوزرين وينعم بما ينعم به حملة جائزة القدافي العالمية والشيخ والشيخة. وهو ما يؤكد حقيقة مفادها أن الثقافة العربية الحالية في حالة عقم وخصاء ومفهوم الثقافة في حد ذاته بحاجة إلى إعادة صياغة فالمثقف الذي يقبل بنظام الحكم السائد ليس مثقفا والذي يلهث وراء جوائز الشيخ والشيخة ليس مثقفا والعالم العربي غارق في الشعوذة والتنجيم ومنافع الزنجبيل وفوائد الحبة السوداء والتفاوت الطبقي الرهيب يطحن العموم، وآلاف المفكرين الأحرار زج بهم في السجون ، والحاكم العربي يعربد ويعبث بأموال الشعب العربي، ترى هل يوجد في العالم العربي من يستطيع أن يرفض جائزة نوبل كما رفضها سارتر حين منحت له مع ما قيل من الخلفيات وراء ذلك التصرف؟
لا أعتقد فالبون بين سارتر والمثقفين العرب هو كالبون بين الديمقراطية العربية ﴿ديمقراطية الجملكيات ﴾ والديمقراطية الغربية وتحية مرة ثانية إلى خوان غويتيسولو ونقول له أنت حقا أكبر من هذه الجائزة.