مرارة الوداع لا يلطفها إلا أمل اللقاء، ثم جود الأيام بنعمة النسيان. تفارق أحدًا في بلدتك أسابيعًا وربما أشهرًا ولا تحس ألمًا كالذي تحسه عند وداع مسافر.
الفرق بين الحالين هو أنك تودع المسافر وتعيش آخر لحظة معه وتعلم بغيبته بينما لا تودع ساكن بلدتك فلا تحس بفراقه مهما طال! كأن البعد يهوّله أو يهوّنه مقدار الشعور واستحضاره وليس مقدار المسافة والزمن. وإذا أحس المرء عند موت عزيز له إحساسه عند توديع مسافر إلى مكان أفضل وإلى رفيق أفضل، أو لنقل بتعبير أقرب لنفوسنا الضعيفة: إذا حاول الانسان واستطاع تخيل ذلك، أفلا يكون أهدأ حالا مما سيكون بشعور كآبة قد تكون مزمنة؟
الاطمئنان فالتسليم بحتمية الانتقال من حياة إلى أخرى يتولد من الثقة بالمقسط الحكيم والتي تقتضي انشغالا حثيثًا عن الشهوات وتساميًا عن صخب الدنيا ومغرياتها وهزلها استعدادًا لحياة جديدة قد تسافر إليها طائرة الردى بأي منا دون سابق ميعاد.
الدنيا عند المؤمن أهون من أن يَسكُب عليها وعلى من يفارقها غزير الدموع، ومن أن يُضيّع فيها أوقاته لهوا واختيالًا، وأقصرُ من أن يوغل فيما لا يجدي وأن يُدافع ويتناسى الحقيقة التي لا جدال فيها بين اثنين، وإن كانا مثل فرعون وقارون، وهي الموت، خاصة إن كان مستعدًا لمستقبله هو أرحم الراحمين.
نستبعد ذكر الموت ونشيح عنه ونتهرب منه ولكنه يظل حقيقةً وواقعًا يوميا! وذكره ليس للتشاؤم والخوف والإحباط وإنما لمحاسبة النفس والتراجع عن الإساءات وعن تأجيل الإحسان.
ما أجمل أن تضع رأسك على وسادتك كل ليلة مرتاحا من أدنى ظلم لغيرك ومطمئنا إلى الرحمن الرحيم، وما أبعد هذا عن الفظ الغليظ الجاهل الذي حُرم لذة الرفق ومعاني الرحمة والبصيرة بالخير!
تدقيق: لجين