ترتبط فرحة العيد في الإسلام بأداء أهله ركنين من أركانه الخمسة:الصيام والحج, فيكون مبعث السرور والابتهاج بما يترتب على ذلك من ثبوت الأجر والثواب كما ورد في الحديث النبوي ( للصائم فرحتان)فعدّ منهما :فرحه بفطره,غير أن الناس – ومنهم الشعراء – يغفلون عن ذلك ,وينظرون للعيد باعتباره مجرد موسم للعب واللهو فإذا ما صادفهم في حال لم يكونوا فيها كذلك عجوا بالشكوى منه! وفي الجاهلية كانت القبائل العربية تتخذ من أيام انتصاراتها أعيادا ,فتباينت واختلفت مواقيتها,فمن أعيادهم يوما (السباسب)و (السبع),وربما احتفل بعضهم- كأهل المدينة قبل الإسلام- بعيدي الفرس المشهورين: النيروز والمهرجان,وإذا رمنا رصد أول المتذمرين من ذهاب بهجة العيد فسنجد الشاعر الجاهلي تأبط شرّا القائل:
يا عيد مالك من شوقٍ وإيراق * ومرّ طيفٍ على الأهوال طرّاق
ويبالغ الشعراء في التعبير عن تشوقهم للأهل والأحباب حين يجعلون العيد بما فيه من لهو وحبور عاجزا عن طي صفحة أحزان الفراق ومرائر الاغتراب كما يقول المتنبي :
يضاحك في ذا العيد كلٌّ حبيبه حذائي وأبكي من أحب وأندب
أحنَّ إلى أهلي وأهوى لقاءهم وأين من المشتاق عنقاءُ مغربُ
وأحسب أن كثيرين يردودن بيتيه المشهورين :
عيدٌ بأية حالٍ عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد
أم الأحبّةُ فالبيــداء دونهم فليت دونك بيدا دونها بيدُ
وأما ابن رشيق القيراوني فيزعم أن العيد نفسه يشاركه بكاءه على بعد من يحبه!:
تَجَهَّمَ العيدُ وانهَلَّتْ مَدامِــعُهُ وَكُنْتُ أَعْهَدُ مِنْهُ البِشْرَ والضَّحِكا
كَأَنَّما جاءَ يَطْوي الأَرضَ مِنْ بُعُدٍ شَوْقاً إليْكَ فَلَّما لَمْ يَجِدْكَ بَكى!
ويتناول الشاعر الرقيق البهاء زهير نفس المعنى بأبياته السهلة الممتنعة فيقول:
قد أتى العيدُ وما عندي لهُ ما يقتضيهِ
غابَ عنْ عيني فيـهِ كلُّ شيءٍ أشتهيهِ
ليتَ شعري كيفَ أنتمْ أيها الأحبابُ فيهِ؟!
بل إن العيد الحقيقي في نظر بعض العصريين لا يتحقق إلا بلقيا من تحب حيث يقول:
أقبل العيـد والفـراق براني بدن منهك وطرف سهيد
ليس عيدي بفرحة الناس لكن يوم لقياك يا منى القلب عيد!
أما الشاعر معروف الرصافي فينظر للعيد من زواية اجتماعية يلحظ عبرها حال الفقراء و اليتامى فيه فيجده على الضدّ مصدرا للحزن والتوجع ! في قصيدة نقتطف منها هذه الأبيات:
صباح به يكسو الغنيّ وليده ثياباً لها يبكي اليتيم المضيع
صباح به تغدو الحلائل بالحُلى وترفض من عين الأرامل أدمع
ألا ليت يوم العيد لا كان إنه يجدد للمحزون حزنا فيجزع !
ولعل من أكثر الأبيات وقعا في هذا الباب قول الصنوبري حين ذكّره العيد بفقد بنته:
يا عيدنا أوَّلَ عيـدٍ أتى فقدتُ ليلى فيه من خدرها
بُوركَ للأمّةِ في عيـدها فليس أمري فيه من أمرها
عادوا من العيدِ إلى دورهمْ وعدتُ من عيدي إلى قبرها!
و أما ابن عتيق فيرى مقدم العيد شاهدا على تقاصر الأعمار وتقارب الآجال حين يقول:
نسرّ بالأعياد يا ويحنا وكلّ عيد قد تولّى بعام!
وأما الذين يرون في عيد الفطر إطلاقا لحياة اللهو والمجون من عقالها فما أكثرهم قديما وحديثا! كابن المعتز القائل: أهلاً و سهلاً بالناي و العودِ و كأسِ ساقٍ كالغصنِ مقدودِ
قد انقضتْ دولةُ الصيامِ و قد بشّر سقمُ الهلالِ بالعيـدِ
وكأمير الشعراء شوقي في قوله:
رمضان ولّى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاق!
هكذا صوّر الشعراء مواقفهم المتباينة من العيد ,وهم لا يعبّرون في الحقيقة عن أحوال قد اختصوا بها,لأن كثيرا من الناس يقاسمونهم تيك المواقف وإن قصروا عن التعبير عنها شعرا كما صنعوا, فاقرأ وتأمل أحوال من حولك!.