المقدمة
قد يتساءل الكثيرون:
هل بإمكان المرء أن يعيش على الأمل؟ وعلى الأمل فقط؟
لاشكّ أن الإيمان بالله يأتي في المرتبة الأولى بالنسبة لكل ما يجعل المرء يستمر في الحياة، على الرغم من كل ما قد يتعرَض إليه من معاناة وما قد يمرّ به من مصاعب ومن نوائب ومن خيبات... وعلى الرغم مما في الحياة من مدّ وجذر يتقاذف المرء وينقله من فرح إلى حزن ومن سعادة إلى شقاء ومن طموح إلى خيبة وتخاذل إلخ... فنادرًا ما تستمر حياتنا على وتيرة واحدة سواء أكان ذلك بما يُحقّق لنا السعادة أو بما يتسبب لنا بالشقاء والتعاسة.
لذا كانت حكمة الله –تعالى- أن يكون الأمل منذ بدء الخليقة وعلى مر العصور ما جعل بني البشر يستمرون في الحياة مهما كانت معاناتهم وقد أثبتت التجارب الإنسانية بأن الأمل الذي يزرعه الإيمان في نفوسنا، هو الحافز على استمرارية المرء في مواجهة كل ما يتعرّض إليه.
كما أن الأمل هو في الواقع ما يُعطي لحياتنا معناها وما يجعل لها جدواها وهدفها، وهو الذي يجعلنا، ونحن نرنو إلى تحقيق ما نتمناه، نتطلع إلى المستقبل بتفاؤل...
صحيح أن ليس بإمكان المرء أن يُحقق دومًا ما يأمل به، وبأن المرء قد لا يصل دومًا إلى ما يطمح وما يتطلع إليه ولكن، حتى لو لم يتوصل المرء إلى تحقيق ما يبتغيه؛ فلابد أن يعيش بذلك الأمل، ولو لفترة قصيرة من حياته في حالة من متعة انتظار الأفضل...
قال الشاعر الطغرائي:
أعلّل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
وقال شاعر مخضرم:
منى إن تكن حقًّا تكن أعذب المنى وإلا فقد عشنا بها زمنًا رغدا
وقال أحد الحكماء:
ما يهمّ في وقت الشدّة ليس الصواب أو الخطأ بل ما يُعيننا على البقاء وهو الأمل...
لذا فإن الأمل من أكبر النعم التي أولانا الله –تعالى- برحمته وبحكمته فهو ذلك الشعور السحري الذي يُشبه الضياء الذي بإمكانه أن يشقّ أكثر الأيام ظُلمة في حياة المرء.
بإمكان الأمل أن ينشر السكينة والطمأنينة والطموالطمأنينةنينة في القلوب حتى مع أقسى ما قد يمرّ به المرء من معاناة ومن كآبة وقنوط... وهو ما يجعل المرء يتحصّن بالصبر، و ما يجعله حتى في أقسى ساعات اليأس يتطلع إلى فجر جديد خالٍ من الأسى...
أمل المرضى بالشفاء... وأمل الخاطئين المُذنبين بالغفران... وأمل من يفارق بلقاء مُحتمل... وأمل المُعانين بالفرج...
فقد يأمل سجين حُكم عليه بالإعدام وهو في ظُلمة السجن بعفو قد يُنقذه أو قد يُخفف من عقوبته لكي يبقى على قيد الحياة...
وقد يأمل مُصاب بمرض عضال عجز الأطباء عن شفائه باكتشاف دواء جديد قد يشفيه، وهذا ما يجعله يتمسك بالحياة حتى اللحظة الأخيرة...
وقد يعيش مُذنب تائب على أمل الغفران لإيمانه ولأمله برحمة الله –تعالى- الذي يغفر الذنوب جميعًا...
لذا كانت شعلة الأمل على الدوام ومنذ الأزل تُضيء نفوس البشر... لكن على كلٍّ منا أن يُدرك مع ذلك بأن آمالنا يجب أن تكون حافزًا على السعي للأفضل وعلى الكفاح لتحقيق ما نصبو إليه , فليس من المُفترض أن تقودنا آمالنا إلى التواني أو إلى الاكتفاء بانتظار تحقيق ما نأمل به...
ولابدّ لنا أن نُشير أيضًا في هذا السياق إلى أن آمالنا يجب أن تكون في حدود الواقع وفي حدود إمكانياتنا؛ لأن من يأمل بالمستحيل لابد أن يواجه خيبة الأمل التي هي في كثير من الأحيان أقسى بكثير من واقع المرء...
مختارات من بعض القصائد التي كتبت عن الأمل
الأمل
Hope
للكاتب الشاعر إديس نسبيت
يا طائر الأمل المغرّد!
سَجع تغريدك يُنبىء بعالم جديد...
عالم من حقول خضراء وبعشب ذهبي.
عالم بغابات من نباتات المِكحلة
عالم بزهور ربيعية تنمو بين الطحالب.
عالم بأميرة نائمة بانتظار الفجر
فهل صحيح أن الشمس سوف توقظ تلك الأميرة النائمة؟
أعلمني يا طائر الأمل المُغرد!
هل سيعود الربيع أخيرًا بشمسه المُشرقة وبأمطاره المُنعشة؟
وهل ستنمو زهور البنفسج من جديد مكان الأوراق الميتية؟
هل ستزهر الورود في المكان الذي سقطت فيه أوراق شجرة السنديان؟
وهل سيزهر الأقحوان والنرجس والليلك؟
أيها الطائر المُبشِّر بالخير!
أعلمني هل سيعود الربيع من جديد؟
الأمل شيء بأجنحة
Hope is the thing with feathers
للشاعرة إيميلي ديكنسن
الأمل شيء بأجنحة...
الأمل يكمُن في أعماق النفس ويُنشد لحنًا دون كلمات
هو اللحن الذي لا يتوقف أبدًا...
وهو يُسمعنا أرقّ الألحان عندما تهب العواصف على حياتنا...
فمهما تكن العواصف عاتية لن يكون بإمكانها أن تُربك ذلك الطائر الصغير
الذي أدفأ الكثيرين جدًّا...
سمعت نشيده في أكثر الأراضي برودة...
وسمعته فوق البحار الأكثر غرابة...
ومع ذلك لم يكن الأمل حتى في حالة الشدّة قد أوحى إليّ بأمر صعب المنال...
الأمل هو الأقوى
Hope is the strongest
للشاعرة لورا راندوم
الأمل هو الشيء الذي يجعلنا نستمر في الحياة...
الأمل هو قصيدة بدون كلمات...
الأمل هو ما سيأتي به لنا الغد...
الأمل هو الضوء الذي يلمع في أعيننا...
الأمل هو أن الأمور سوف تصبح أفضل...
الأمل هو أننا سوف نلقى المحبة...
الأمل هو أن يتعامل معنا الآخرون بطيبة...
الأمل هو أننا لانزال على قيد الحياة...
الأمل هو أقوى شيء في الوجود...
الأمل هو الشيء الذي يمنعنا من السقوط...
الأمل يرفعنا ويحمينا من جميع الأشياء...
الأمل أشبه بخاتم سحري...
الأمل لا يتوقف أبدًا...
الأمل هنا على الدوام...
الأمل هو الشيء الذي نضيع بدونه...
الأمل هو الشيء الذي نفقد بدونه اهتمامنا بكل ما حولنا...
لذا كل ما بإمكاني هو أن آمل...
ما هو الأمل؟
What is hope
للشاعرة فينيت بانسال
ما الذي يعنيه الأمل؟
الأمل ضوء مُشرق مُتألق يمنع انتشار الظلام في الخلجان...
الأمل نسمة لطيفة مُنعشة في يوم صيف حار...
الأمل هو أن تبقى إيجابيًّا حتى عندما تكون قاسيًا...
الأمل هو ما نبحث عنه أكثر عندما يعتقد الآخرون بأننا خُذلنا...
ما الذي يعنيه الأمل؟
الأمل هو أن نحلم بالغد...
الأمل هو ما يعترينا عندما يتملكّنا اليأس...
الأمل يلمع عندما تكون أعيننا دامعة...
الأمل شيء جميل... شيء جميل لا يموت أبدًا...
ما الذي يعنيه الأمل؟
الأمل لطيف أشبه بخفة الريشة...
الأمل يوحّد بيننا...
الأمل هو كل ما في الكون وهو مجاني بدون تكلفة...
الأمل هو آخر ما نفقده على الإطلاق...
الأمل يعود من جديد
Hope comes again
للشاعر توماس مور
عاد الأمل من جديد إلى القلب الذي ظلّ غريبًا عنه لمدة طويلة...
عاد يُنشد لي أناشيده العذبة ويُغريني...
لكن اصمت أيها الكائن الساحر لأن خطر الاستمرار بالمعاناة
أقلّ من خطر العودة إلى الأمل من جديد...
مر ّوقت طويل... طويل في أحزان...
أحزان في غاية العمق سوف يصعب الشفاء منها
أنا حزين لكنني هادئ لأن هذا السرور الذي قد يأتيني به الأمل الآن
لن يجلب لي سوى الألم...
فلترحلي عني أيتها الرؤى فذلك الأمل سوف يبكي عليّ
لأن فرصتي بالسكينة قد ضاعت مني إلى الأبد
فهو لا يكمُن الآن بالحلم بالسعادة التي قد تنتظرني
وإنما بنسيان كيف كنت سعيدًا ذات يوم...
طائر الأمل
Bird Of Hope
للشاعرة إيلا ويلير ويلكوس
لا تحلّق عاليًا جدًّا يا طائر الأمل لأن السماء أكثر جمالًا
فعندما ستحلّق فوق القمم المرتفعة
وتصبح بعيدًا فوق أعالي الهضاب
قد تهبّ العاصفة فجأة وتدفعك إلى الوراء
وتقضي عليك فتسقط...
فكم قد تكون السقطة حينئذ ساحقة؟
سوف تسقط كشيء بائس دون حياة
شيء مُمزق بجناح مكسور دامٍ...
لا تغرّد بصوت مرتفع جدًّ يا طائر الأمل لأن النهار مُشرق
لأن إشراقة الشمس لا تدوم إلى الأبد
فإن كان تغريدك لأجل النهار
فإن الليل يسبق دومًا الضحى
فعندما ستنتشر العتمة سوف تجلس بائسًا محرومًا صامتًا أبكمًا
سوف تجلس وحيدًا بين ظلال الكَرب والكآبة...
الأمل
Hope
للشاعر جون كيتس
عندما يتملّكني القنوط وينتشر على قلبي أشبه بسحابة مُظلمة
وعندما يسكب سمومه عليّ ويغمرني باليأس
أرجوك أيها الأمل الرقيق! أن تُبعده عني! أبعده عني بوجهك المشرق...
وعندما لا تمرّ في مخيلتي أية أحلام جميلة
ولا تُبشر حياتي الفارغة بأية سعادة
أرجوك أيها الأمل العذب! أن تغمرني ببلسمك السماوي
وأن تطرد تلك الأفكار عن ذهني...
وعندما يُنبئ قلبي قَدر من أكثر من أحبهم بما يحزن
أرجوك أيها الأمل المشرق! أن تُزيل الحزن عن قلبي بأجنحتك الفضيّة
وأن تجعل مُخيلتي تبتهج وأن تسكب الضياء حولي...
ولو حدث وشعرت في صدري بمعاناة وتعاسة المحبة
أرجوك أيها الأمل العذب! أن تسكب عليّ بلسمك السماوي
وأن تُرفرف بجناحيك الفضين فوق رأسي
وأن تجعلني أشعر بأنه لا جدوى من أن أتنهد وبأن أنشد القصائد الحزينة...
وأرجوك أيها الأمل الرقيق! أرجوك! ألا تَدعني أرى في أفق السنوات المقبلة
كرامة وطني تُبتذل أو تُهان
وأن تجعلني أرى وطني مُحافظًا دومًا على مَفخرته وعلى عزّته...
أغنية الأمل
Song of hope
توماس هاردي
أيها الغد الجميل!
دعنا نتمسك بالأمل
لن تكون كئيبًا بعد اليوم
فلابدّ أن يتدفق الضياء
ويزول شعور الحزن.
لن يكون غدنا مُظلمًا بأية كآبة
فلابدّ أن يُشرق فجر الأمل في حياتنا من جديد
عندما تجعلنا رياح الكآبة نتحسّر عما مضى
ولابدّ أن تُقربنا الساعة الحالية أكثر فأكثر من إشراقة الفجر
لأن طيور المجد سوف تُنشد لنا
سوف يشرق الفجر عما قريب...
الأمل
قصّة رمزية عن دور الأمل في الحياة
الأمل
HOPE
للكاتب ج . س. آدامس
كان الظلام القاتم قد لفّ الأرض لفترة طويلة: حرب، وإراقة دماء، وجرائم، ومآسٍ، وويلات...
كانت الأرض تبدو كأنها التفت بثياب الحداد، وكان هناك بالطبع ما يدعو لمُعاناة القلوب؛ فقد ذهب إلى القتال من عدة عائلات: أولاد، وآباء، وأزواج، وهم لن يعودوا بعد الآن لأنهم قضوا في الخدمة... ولم يكن بإمكان الأمهات والزوجات حتى إلقاء نظرة وداع واحدة عليهم...
قلوب مُنكسرة ووجوه شاحبة لكن عليها مع ذلك الاستمرار بأداء الأعمال والواجبات المنزلية كما لو أن شيئًا لم يحدث وكما لو أنهن لم يفقدن من كانوا سندًا وعونًا لهنّ.
كان أحد ملائكة الرحمة في أعالي السماء قد قال:
"يا لبؤس هذه الأرض! بودي أن أواسي من فيها من البشر لكن مهمتي هي فقط إرشاد النفوس عبر هضبة الموت وحملهم إلى أصدقائهم في أرض الصيف علي لذا ليس بإمكاني أن أغادر مكان عملي فمن على استعداد للذهاب"
قال ملاك المحبة بصوت رقيق عذب:
"أنا على استعداد للذهاب إليهم"
لكن الإجابة كانت:
"أنت ضعيف جدًّا وسهل الانقياد؛ لذا ليس بإمكانك أن تذهب إلى مثل هذا المكان القاتم الظلمة، وإلى تلك العتمة التي تلف الأرض، كما أنهم بالإضافة إلى ذلك بحاجة الآن إلى شخص آخر شخص مختلف بإمكانه أن يُهيّأ لهم السبيل إلى أشياء أفضل"
نظر كل من الملائكة إلى الآخر وقال الجميع بصوت واحد:
"فإذن من الذي سيكون بإمكانه ذلك؟"
وقال ملاك الرحمة:
"الأمل!... نعم الأمل هو الأهل لهذه المهمة"
كان عليهم أن يهيئوا لاحتفال كبير تلك الليلة في معبد خصص لأميرات الشعر وكان مغادرة أي منهم لذلك الاحتفال البهيج بمثابة التضحية الكبيرة لكي يذهب الى مثل ذلك الظلام القاتم على الأرض.
وكان الأمل لدى إيراد اسمه قد تقدّم وهو يحمل بيده إكليلًا من الزهور لم يكن انتهى بعد من جدله.
سألته الملكة: "هل توافق على الذهاب هذه الليلة إلى الأرض أيها الأمل الطيب؟"
لمع النجم على جبينه الطيب وقال دون تردد: "سوف أفعل ذلك."
"سوف تكون مهمتك حمل أكاليل الزهور لكل مسكن ترى فيه ضوءًا ليس بإمكان الآخرين ذلك بالطبع عليك أن تدرك ذلك.
اقترب الآن ودعني أشبك هذا الإكليل من الزهور على خصرك ثم اربطه بحبل لكي أنزلك به على الأرض"
قال القائد: "الآن انزل على هذه الغيمة التي تمر من هنا وعندما ستذهب سوف ننشد نحن الأناشيد لأجلك لكي يحفظ لك الله –تعالى- قلبك نقيًّا ولكي تظل مرتبطًا بنا."
ثم قامت بربط الحبل على ذلك الإكليل الذهبي وجعلته ينزل برفق شيئًا فشيئًا من السماء.
كانت ماري دين جالسة هناك في كوخ صغير وكانت شقيقتها تقرأ كانت يتيمتان توفي والدهما وشقيقهما الوحيد في المعارك.
قالت الشقيقة الأصغر سنًّا: "دعينا نطفئ الضوء وننظر لبعض الوقت إلى النجوم في السماء"
قالت شقيقتها: "لا ياحبيبتي ليس بعد لازال الوقت مبكرًا وهذا الضوء من شأنه أن يساعد كثيرا المسافرين الذين يمرون عبر الطريق المجاورة كان الضوء المنبعث من منزل الحوار قد ساعدني في كثير من الأحيان في الوصول بشكل أسرع وأكثر أمنا إلى منزلنا"
كما تشائين... لكن يخيل إلى هاري بأنني أسمع "وقع أقدم أمام المنزل"
ثم أصغتا بصمت لكنهما لم تكونا قد سمعتا أي شيء آخر وبذلك كانتا بعد أن أنهتا قراءتهما ذهبتا إلى سريرهما.
لكنهما لدى فتح الباب في الصباح التالي فوجئتا بكل سرور بوجود إكليل من الزهور جميل جدًّا على حلقة الباب كان العبير يفوح بغزارة من الزهور وكانت تلك الزهور وكان ما أضاف إلى فرحتهما أن تلك الزهور ظلت يانعة ولم تذبل.
ثم مر الأمل بعدة منازل كانت تبدو من نوافذها الأضواء لكنه كان عليه أيضًا أن يمر بعدة منازل أخرى لم تكن تبدو فيها أي أثر لضوء المصابيح وكان قد ترك على تلك الأبواب بعض أكاليل الزهور لكي يدخل البهجة على قلوب قاطنيها.
"سمع إحدى السيدتين الوحيدتين تقول: "لا فائدة من استهلاك الوقود فليس لدينا ما نقرؤه أو ما يثير اهتمامنا جاء الأمل إلى الأرض ليلًا وبذلك جلستا حزينتين، وكانت العتمة والظلام تضيف إلى حزنهما بينما كان مجرد شعاع من ضياء بإمكانه أن يدخل بعض البهجة عليهما.
استمر الأمل في سيره حاملًا أكاليل الزهور بينما جلستا في الظلام. كان بإمكانه بكل سرور أن يترك لهما إكليلًا من تلك الأكاليل فقد كان لديه العديد منها لكنه لم يشاهد ما يشير إلى وجود أحد في ذلك المنزل. فاستمر في تجواله بين المنازل.
تحدث الامرأتان عن العالم الكئيب الذي تعيشان فيه إلى أن خلدتا إلى النوم
وكانت دهشتهما كبيرة عندما شاهدتا في صباح اليوم التالي من يقطنون في الجوار وهم يبتهجون بتلك الهدايا التي حصلوا عليها.
تساءلتا مرة بعد مرة: "لِمَ لمْ نحصل نحن على مثل هذه الهدايا؟ هذا هو حال الفقراء فهم لا يحصلون دومًا على ما يحصل عليها الأثرياء، ثم عادتا لما كانتا فيه من البكاء المرير والأسى والكآبة.
وفي المساء جلبت لهما إحدى السيدات القاطنات في الجوار، وهي إحدى السيدات المبتهجات اللواتي يتحلين بالصبر والأمل بعض الطعام، وسألتهما: "ألم تجدا أمام باب منزلكما هذا الصباح إكليلًا من الزهور؟
أجابتا: "لا فهل وجدت مثل ذلك الإكليل أمام منزلك؟
"نعم وجدت أجمل أكليل زهور كنت قد شاهدته طوال حياتي، ترى من قد يكون من صنعه بمثل هذا الجمال والروعة؟ لكن... ثم توقفت على الفور عندما شاهدت ذلك التعبير من الحزن والأسى على وجهيهما، وقالت: "سوف أعطيكما جزء من الإكليل الذي لدي، سوف أقسمه إلى قسمين."
قالت الأخت الأكبر سنًّا بسرعة لا هذا مستحيل لابد أن هناك سبب جعلنا لا نحصل على مثل هذا الإكليل، وإلى أن نعرف سبب حرماننا منه يجب أن تحتفظي بإكليلك كما هو"
كان من الشهامة بالطبع أن تقاوم نفسها وأن ترفض ذلك العرض، وألا تقبل الحصول على ما لا يخصها ولا يعود إليها.
ثم مر أسبوع، وكان أحد الأطفال في القرية قد حلم حلما غريبا بأن هناك ملاك جميل قد نزل من السماء وجعل الزهور لجميع المنازل التي يبدو فيها ضوء لمصباح
وعندما سمعت الشقيقة الأكبر ما روته لها جارتها عن ذلك الحلم الغريب قالت لشقيقتها: "ربما كان هذا صحيحًا فنحن لم نكن قد أشعلنا المصباح في تلك الليلة هل تذكرين ذلك؟"
"لابد أن هناك سبب لذلك؛ لأن جميع المنازل التي كان يبدو من نوافذها الضوء قد حصلت على تلك الزهور."
قالت شقيقتها: "أعتقد أن علينا أن نتحلى دومًا بالأمل وألا نطفئ الأنوار في منزلنا، فهي التي تشير إلى الأمل... يجب تظل شعلة الأمل مضيئة على الدوام في حياتنا."
أعيد الأمل إلى السماء بواسطة تلك الحبل الذهبية وأخذت الملائكة تنشد الأناشيد بينما كان الحب يفتل الزيد من أكاليل الزهور. ومنذ ذلك الحين كان هناك دومًا ضياء ينتشر أثناء الليل عندما تدلهم سماء أهل الأرض بالسحب كان ضياء الأمل يلمع بحيث يراه كل من يرفع رأسه الى السماء.
الورقة الأخيرة
THE LAST LEAF
للكاتب أو.هنري
قصة رمزية عن فرصة نادرة حقق بها أحد الفنانين المغمورين ما كان يتطلع إليه طوال حياته من شهرة، لكنه دفع حياته ثمنًا لذلك في الوقت الذي ساهم فيه في إنقاذ حياة فنانة شابة...
كان لفنانتين ناشئتين سوزي وجوانا في الطابق العلوي من مبنى يتألف من ثلاث طوابق يقع في منطقة سكنية صغيرة في الجهة الغربية من مدينة واشنطن إستديو مشترك خاص بهما (مكان يُخصصه الفنانون للرسم أو للنحت)... وعلى الرغم من أن إحداهما كانت من ماين بينما كانت الأخرى من كاليفورنيا إلا أن توافق ميولهما وأفكارهما الفنية جعلهما تتشاركان معًا في الحياة وفي العمل في ذلك الإستيديو الصغير..
كانت نزلة برد غريبة لم يسبق أن عرفها أحد إلى أن أطلق عليها الأطباء اسم "الالتهاب الرئوي" قد تفشت في المنطقة في بداية شهر تشرين الأول (نوفمبر) وأصابت بأصابعها الجليدية شخصًا هنا وشخصًا هناك. كان الالتهاب الرئوي قد سجل العديد من الإصابات في الجهة الشرقية من المدينة وضرب فيها ضحاياه بقسوة، ثم انتقلت أقدامه بعد ذلك ببطء وجرأة إلى المناطق الضيقة للمستنقعات التي تنمو فيها الطحالب.
لم يكن السيد الالتهاب الرئوي ما يمكن أن نصفه "بالعجوز النبيل"، وإنما كان ذلك الأخرق ذو اليد الملطخة بالدماء قد أصاب ببلائه جوانا فقط تلك المخلوقة الصغيرة النحيلة التي أتت من كاليفورنيا.
ظلت جوانا طريحة الفراش لمدة طويلة لا تكاد تقوى حتى على الحركة، وهي تحدق طوال الوقت تنظر من خلال النافذة إلى الجانب الفارغ من البيت القرميدي المجاور.
وذات صباح طلب الطبيب التحدث إلى صديقتها سوزي في البهو لكي يكون ذلك بعيدًا عن مسامع جوانا. كانت تعلو وجهه نظرة مهيبة كئيبة، قال وهو يهزّ زئبق ميزان الحرارة:
"ما تبقى لها هو فرصة واحدة – أو لنقل عشر فرص وتكمن هذه الفرصة في أن تكون لها الرغبة بأن تعيش... لأن تمسك الشخص بمتعهد دفن الموتى (تعبير مجازي) من شأنه أن يجعل جميع الأدوية عديمة الفائدة. يبدو لي أن السيدة الصغيرة قد قررت ألا تتماثل للشفاء. أليس لديها أية اهتمامات؟"
قالت سوزي: "كانت ترغب برسم خليج نابل ذات يوم..."
"كانت ترغب بالرسم؟ هذا سخف! أليس لديها ما يستحق التفكير به... أن يكون لها على سبيل المثال ارتباط عاطفي برجل ما؟"
قالت سوزي: "ارتباط عاطفي برجل؟ هل يستحق أي رجل ذلك – ليس لديها أي شيء من هذا القبيل."
قال الطبيب: "حسنًا فإذن لابد أن يكون عدم تجاوبها مع العلاج بسبب ضعف بُنيتها. سوف أبذل كل ما بإمكان الطب أن يساعدها به... ولكن عندما ستبدأ مريضتي بتعداد ما تبقى لها من أيام وبانتظار الموت، فسوف يكون علي حينئذ أن أسقط من الحساب 50 بالمائة من القدرة الشفائية للأدوية... ولوكان بإمكانك أن تجعليها تسأل سؤالًا واحدًا يُشير إلى اهتمامها... على سبيل المثال لتسأليها عن شكل أكمام معطف الشتاء الجديد فسوف أعدك بأن تكون لديها فرصة للنجاة أكثر بخمس مرات من فرصتها الحالية للشفاء."
كانت سوزي قد ذهبت بعد مغادرة الطبيب إلى غرفة العمل ووضعت قطعة من القماش الياباني على لوحة الرسم وحملتها إلى غرفة جوانا وهي تختال وتغني.
كانت جوانا مستلقية تحت الملاءات دون حراك موجهة نظرها نحو النافذة. اعتقدت سوزي بأنها نائمة وبذلك توقفت عن الغناء، وضعت لوحة الرسم وبدأت تخطّ عليها الرسومات التي سيتم إدراجها في قصّة سيتم تنشرها في إحدى المجلات التي تعمل لديها، فلكي يتمكن الفنان الشاب من شق طريقه إلى الفن لابد أن يبدأ برسم مثل تلك الصور التي تزين القصص التي تنشرها الصحف للكتاب الشبان الذين لايزالون أيضًا في بداية طريقهم نحو الشهرة الأدبية.
وبينما كانت سوزي تُخطط صورة لأحد رعاة البقر الأبطال سمعت صوتًا خافتًا يتردد مرة بعد مرة. وبذلك أسرعت إلى جانب سرير المريضة. كانت جوانا تحدّق عبر النافذة بعينين واسعتين وهي تَعدّ ثم تعيد العدّ.
قالت: "اثنا عشر"، ثم قالت بعد قليل: "أحد عشر"، ثم قالت: "عشرة"، ثم: "تسعة"، ثم قالت: "والآن ثمانية وسبعة معًا"
نظرت سوزي بقلق من النافذة وتساءلت عما قد تكون تعدّه هناك؟ كان كل ما يمكن أن يراه المرء عبارة عن ساحة جرداء جانب كئيب فارغ لمنزل من القرميد يقع على بعد عشرين قدمًا تبدو على جداره القرميدي شجرة لبلاب ذابلة ذاوية تتسلق جذورها ذلك الجدار القرميدي،
وكانت النسمات الخريفية الباردة تهزّ أوراق شجرة اللبلاب بشدّة مما يجعل أغصانها العارية تلتصق بقطع القرميد المحطمة.
سألتها سوزي: "ما الأمر عزيزتي؟"
قالت جوانا بصوت خافت أشبه بالهمس:
"بقي منها ستة فقط... ها قد بدأت الآن تتساقط بسرعة أكبر... كان عددها من ثلاثة أيام حوالي المائة... يجعلني تعدادها يصيبني بالصداع، لكن الأمر أصبح سهلًا الآن فقد بدأت تتساقط بسرعة الواحدة تلو الأخرى ولم يتبق منها الآن سوى خمس."
قالت سوزي: "ما الذي تعنيه بخمس فقط عزيزتي؟" أعلمي صديقتك، خمس ماذا؟"
"خمس أوراق على شجرة اللبلاب... وعندما ستسقط الورقة الأخيرة سيكون علي أنا أيضًا أن أغادر هذا العالم. علمت بذلك منذ ثلاثة أيام، ألم يكن الطبيب قد أعلمك بذلك؟"
احتجت سوزي بالقول: "أووه، لم يسبق أن سمعت مثل هذا الهراء، فما علاقة أوراق شجرة اللبلاب بتماثلك للشفاء؟ كما أنك كنت تحبين شجرة اللبلاب... أنت أيتها الفتاة المتعبة. لا تكوني مُغفلة. أعلمني به الطبيب صباح اليوم أن لديك فرصة كبيرة للشفاء تمامًا وعما قريب. لنرى ما قاله بالضبط – قال لي بأن فرصة شفاءك هي عشرة من واحد! أليس هذه فرصة جيدة؟ حاولي أن تتناولي بعض الحساء الآن ودعيني أعود إلى عملي لكي أتمكن من بيع ما أرسمه للناشر لكي نشتري بثمنه بعض العصائر للطفلة المريضة وبعض المأكولات لصديقتها الشرهة."
لكن جوانا قالت وهي لاتزال تُحدق بالنافذة: "لاحاجة لشراء المزيد من العصائر، ها قد سقطت ورقة أخرى لا... لا، لست بحاجة للحساء. ما تبقى الآن هو أربع أوراق فقط. أريد أن أرى الورقة الأخيرة تسقط قبل أن يحلّ الظلام، وحينئذ سوف أغادر أنا أيضًا هذه الحياة."
انحنت سوزي نحوها وقالت: "عزيزتي جوانا، هل تعديني بإبقاء عينيك مُغمضتين وبعدم النظر من النافذة إلى أن أنهي ما أقوم به من عمل؟ عليّ تسليم هذه الرسومات غدًا، وأنا بحاجة إلى الضوء وإلا فسوف أرسم الظل بشكل خاطئ"
سألتها جوانا ببرود: "أليس بإمكانك أن ترسمي في الغرفة الأخرى؟"
قالت سوزي: "أفضّل أن أكون هنا كما أنني أريدك، بالإضافة إلى ذلك أن تُبعدي نظرك عن أوراق شجرة اللبلاب تلك."
قالت جوانا وهي تُغمض عينيها وتتمدد في الفراش بذلك الجسد الشاحب أشبه بتمثال من الشمع.
"أعلميني على الفور من انتهاءك من عملك؛ لأنني أرغب برؤية الورقة الأخيرة تسقط. تعبت من الانتظار، وتعبت من التفكير. سوف أترك كل شيء لكي أبحر إلى الأسفل إلى الأسفل... مثل تلك الأوراق البائسة الذابلة."
قالت سوزي: "حاولي أن تنامي، علي أن أتصل بيرمان لكي أطلب منه أن يمثل أمامي لكي أرسم صورة لعامل منجم عجوز. لن يستغرق ذلك مني أكثر من دقيقة. لا تتحركي إلى أن أعود."
بيرمان رسام عجوز يقيم في الطابق السفلي من المبنى، تجاوز سن الستين، له لحية تشبه لحية ميكايل أنجلو (أشهر الرسامين في عصره). كان بيرمان قد أخفق في عمله كفنان. فبعد أن كان قد استخدم الريشة لمدة أربعين عامًا لم يكن قد وصل بعد إلى ما يقارب براعة معلمته. كان يقول دومًا بأنه على وشك رسم لوحة سوف تكون فريدة من نوعها إلا أنه لم يبدأ مطلقًا بذلك. وكان منذ عدة سنوات قد توقف عن الرسم ما عدا ما كان يرسمه من وقت لآخر من صور غير متقنة للتجار أو للإعلانات. وكان يكسب القليل من المال من عمله مثالًا للفنانين الشبان في المنطقة، ممن ليس بإمكانهم أن يُسددوا تكلفة شخص مُحترف. كان بيرمان يسرف دومًا في الشراب لكنه يقول دومًا بأنه سوف يرسم لوحته الفريدة تلك وهو ما سوف يحقق له الشهرة. أما بالنسبة لباقي الأمور كان بيرمان العجوز حادّ الطباع بإمكانه أن يهزأ بشدة من ضعف أي شخص، لكنه كان بذات الوقت يعتبر نفسه بمثابة الحارس للفنانتين الشابتين المقيمتين في ذلك الإستديو.
وجدت سوزي بيرمان مُختليًا في الوكر الذي يُقيم به، وفي إحدى الزوايا كانت هناك مسند عليه لوحة رسم فارغة لاتزال بانتظار اللمسة الأولى منذ خمس وعشرين عامًا.
أعلمته سوزي بما يدور بمخيلة جوانا وكيف أنها تخشى من أن تغادر الحياة أشبه بتلك الورقة الهشّة الهزيلة عندما سيتناقص تمسكها الواهن بالحياة... امتلأت عينيا بيرمان الحمراوان بالدموع وأبدى اعتراضه وسخريته بتلك التخيلات الحمقاء... وصاح:
"ماذا؟ هل على الأشخاص الذين نحبهم أن يموتوا لأن الأوراق الميتة تسقط من شجرة لبلاب؟ لم أسمع من قبل بمثل هذا الهراء. لا لن أخسر مثل هذه الفنانة لكي أكون مثّالًا لك. لم تسمحين لها بالتفكير بمثل تلك التخيلات والأفكار السيئة؟ آه! ياللصغيرة المسكينة."
قالت سوزي: "جوانا مريضة جدًّا، وضعيفة جدًّا، جعلتها الحمى كئيبة وكثيرة التهيؤات. حسنًا سيد بيرمان إن لم ترغب بالوقوف أمامي لكي أرسمك لا داعيَ لذلك، لكنني سوف أعتبرك عجوزًا بغيضًا... أنت أيها العجوز المستهتر."
صاح بيرمان: "أنت مثلك مثل أية امرأة، من الذي قال أنني لن أقف أمامك لكي ترسميني؟ اذهبي الآن. سوف آتي معك. فأنا أحاول منذ نصف ساعة أن أقول لك بأنني على استعداد للوقوف أمامك. ولكن يا إلهي! أليس هناك مكان أفضل من المكان الذي تكون فيه جوانا مُمدة في سريرها. لابد أن أرسم ذات يوم لوحتي الفريدة... يا إلهي ما هذا؟ لابد أن نموت جميعًا ذات يوم. نعم، سوف نغادر هذه الحياة ذات يوم..."
عندما صعدا إلى الأعلى كانت جوانا لاتزال نائمة. أنزلت سوزي الستائر وألقت برهبة نظرة إلى شجرة اللبلاب. ثم نظر كل منهما إلى الآخر للحظة دون أن يتفوّها بكلمة واحدة كان المطر يهطل باستمرار وبغزارة ممزوجاُ بالثلج. اتخذ بيرمان مقعدًا وجلس أمام سوزي. كان يرتدي قميصًا أزرق اللون لكي يتناسب مع شكل عامل المنجم العجوز الذي سترسمه.
وعندما استيقظت سوزي في صباح اليوم التالي وجدت جوانا فاترة الهمّة , كانت تُحدّق بعينين واسعتين بالستارة الخضراء المسحوبة. همست:
"سوزي، ارفعي الستارة أريد أن أرى الشجرة."
امتثلت سوزي لرغبتها بتململ.
ولكن! أووه!... فبعد كل الرياح العاتية التي عصفت طوال الليل، ورغم المطر الشديد الذي لم يكن قد توقف عن التساقط كانت لاتزال هناك ورقة واحدة إلى جانب جدار القرميدي. كانت تلك هي الورقة الأخيرة في شجرة اللبلاب. كانت تلك الورقة ذات جذع أخضر داكن لكن أطرافها المسننة كانت صفراء، وكانت تتدلى على نحو رائع على أحد الأغصان على علو عشرين قدمًا من الأرض.
قالت جوانا: "هذه هي الورقة الأخيرة... اعتقدت بأنها لابد أن تكون قد سقطت أثناء الليل... لكنها ستسقط اليوم وسوف أموت بذات الوقت..."
قالت سوزي وهي تنحني نحو وجه جوانا الممددة في الفراش: "حبيبتي، حبيبتي، أرجوك لا تقولي هذا... إن لم تفكري بنفسك فكري بي على الأقل... ما الذي سأفعله بدونك؟"
لكن جوانا لم تجبها، ذلك لأن أكثر الأشياء توحّدًا في هذا العالم، هي روح تستعد للذهب في تلك الرحلة الغامضة البعيدة. كان الخيال على ما يبدو قد استولى عليها تمامًا مما أدى إلى تفكك جميع الروابط التي تربطها بالصداقة وبالأرض... الواحدة تلو الأخرى..
زال النهار، لكن كان بإمكان المرء أن يشاهد حتى في الغسق تلك الورقة الوحيدة التي لاتزال معلقة على الغصن إلى جانب الجدار. وعندما بدأ الليل يحلّ هبت ريح شمالية عاتية وظلّ المطر يقرع على النوافذ ويضرب الأفاريز.
وعندما بدأ ضوء النهار يُشرق طلبت جوانا من سوزي أن ترفع الستارة. كانت ورقة شجرة اللبلاب لاتزال هناك...
ظلت جوانا تنظر إلى تلك الورقة لمدة طويلة. ثم نادت سوزي التي كانت تعدّ لها الطعام وقالت:
"سوزي، سامحيني كنت فتاة سيئة. كان هناك ما جعل الورقة الأخيرة تبقى على غصن شجرة اللبلاب لكي أدرك بأنني كم كنت سيئة... من الإثم أن يرغب المرء بالموت... بإمكانك الآن أن تجلبي لي بعض الحساء أو ربما بعض الحليب وكذلك – لا بل اجلبي لي أولًا مرآة، ولتضعي بعض الوسائد حولي أريد أن أجلس وأنظر إليك وأنت تُعدين الطعام."
ثم قالت بعد ساعة: "سوزي، بودي أن أرسم خليج نابل ذات يوم..."
جاء الطبيب كعادته لزيارة جوانا بعد ظهر ذلك اليوم وعندما رافقته سوزي إلى البهو وهو يغادر كان قد أخذ يدي سوزي المرتعشتين بين يديه وقال:
"أصبح لديها الآن الكثير من الفرص، وسوف تنجو بالمزيد من العناية الجيدة، لكن عليّ أن أذهب الآن لزيارة مريض آخر يقيم هنا في الطابق السفلي. اسمه بيرمان هو فنان كما أعتقد. أصيب هذا الرجل بالالتهاب الرئوي أيضًا لكن إصابته خطيرة كما أنه رجل عجوز ضعيف البنية وليس هناك أي أمل في شفائه. سوف يتم نقله اليوم إلى المستشفى لكي يتلقى المزيد من العناية."
وفي اليوم التالي قال الطبيب لسوزي: "تجاوزت صديقتك الخطر وقد فزت، وما تحتاج إليه الآن هو الغذاء والعناية فقط."
بعد ظهيرة ذلك اليوم اقتربت سوزي من سرير جوانا التي كانت تحيك باطمئنان وشاحًا جميلًا من الصوف الأزرق اللون. أحاطت جونس بذراعها وقالت:
"عزيزتي، أريد أن أعلمك بأمر ما. توفي السيد بيرمان اليوم في المستشفى. كان قد أصيب أيضًا بالالتهاب الرئوي، مرض لمدة يومين فقط... كان البواب قد عثر عليه في اليوم الأول في غرفته وجده عاجزًا تمامًا عن الحركة لشدة الألم... كانت ملابسه وحذائه مبللة بكاملها بالماء المتجمد. لم يكن بإمكانهم معرفة المكان الذي كان فيه في تلك الليلة العاصفة. لكنهم عثروا على مصباح لايزال مضاءً وعلى سلم مستندًا على الأغصان الميتة وعلى لوحة رسم مُزجت عليها ألوان خضراء وصفراء، و... و... عزيزتي، انظري من النافذة إلى ورقة شجرة اللبلاب تلك. ألم تعجبي من أنها لم تسقط بعد وبأنها لم تتحرك أيضًا من مكانها رغم الرياح العاتية والأمطار التي هبت خلال اليومين الأخيرين. آه عزيزتي!... هذه هي اللوحة الفريدة التي رسمها بيرمان لأجلك في الليلة التي سقطت فيها الورقة الأخيرة من شجرة اللبلاب..."
التدقيق اللغوي: خيرية الألمعي.