اختلف النحاة في ضبط لام التعريف إذ رأى بعضهم أنها ثنائية التركيب ولا مشروعيّة للحديث عن حرف لام للتعريف منفردا وإنما [ ألف + لام ]، ألف كانت في أصلها قطعيّة تطوّرت وتغيّرت تجنّبا للثقل إذ يصعب قول ( أَلْرَجُلُ ) بهمزة قطعيّة فخففت لنقول ( الرَجُلُ ) وقد رأى بهذا الخليل وتبعه ابن مالك وحجتهم في ذلك هي عدم جواز الزيادة في الحروف، بينما رأى فريق آخر وعلى رأسهم سيبويه وتبعه جمهور النحاة أنّ اللام الساكنة تضاف للتعريف وحدها وزيدت لها الألف خشية الابتداء بساكن ( لْرَجُلُ / الْرَجُلُ )، ورغم تسميتها في علم التجويد بــ(لام أل) فإنّ تعريف المفسّرين والدارسين للنصّ القرآني يعتبرون أنّ هذه اللام زائدة يمكن الاستغناء عنها ويقول في ذلك المرصفي (ت 1409ه) « وهي لام ساكنة زائدة عن بنية الكلمة مسبوقة بهمزة وصل مفتوحة عند البدء، ويكون بعدها اسم سواء صحّ تجريدها عن هذا الاسم كــــ(الشمس) أو لم يصحّ كــ(التي)» ، وباعتبار هذه اللام زائدة إقرار بإضافتها لمعنى لم يكن موجودا بغيابها، وبهذا تكون اللام حاملة لمعنى في ذاتها إذ « وُجِدت في غير هذا الموضع وحدها تدلّ على المعاني نحو لام الملك ولام القسم ولام الاستحقاق ولام الأمر وسائر اللامات (...) ولم توجد ألف الوصل في شيء من كلام العرب تدلّ على معنى ... » ويشترط في لام التعريف السكون تمييزا لها عن بقيّة اللامات « فذهبت لام الابتداء ولام المضمر بالفتح، ولام الأمر ولام كي بالكسر، ولم يبق غير الضمّ أو السكون فاستُثْقِل في لام التعريف الضمّ لأنّها كثيرة الدور في كلام العرب...».
وتدخل لام التعريف على الأسماء في مواضع معيّنة منها النعت المخصوص، الصفات المشهورة التي تنوب الأسماء، تعريف الاسم على معنى العهد، تعريف الجنس وهي الأكثر استعمالا في الكلام. بينما يبقى وجودها ثابتا في الأسماء الموصولة ( الذي/التي ... ) وبعض أسماء الأعلام (الحسن، السموأل ...) باعتبارها زائدة. ويمتنع دخول هذه اللام في مواضع نذكر منها،عدم الالتقاء مع التنوين وعلّة ذلك عند أهل البصرة أنّ التنوين مخصوص بالأسماء التي تميّزت بتمكّنها في الصرف، بينما احتج الكوفيون على ذلك بتخصيص التنوين والتعريف للأسماء دون الأفعال لخفّتها ، إلّا أنّ ابن هشام في أوضح المسالك إلى ألفيّة ابن مالك قد أشار إلى بيت للفرزدق ( 110 ھ) مفاده :
ما أنت بالحكم التُّرضَى حكومته ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
وقد فسّر هذا الشاهد بأن الفرزدق أنكر حكم الذي مدح جريرا وفضّله عليه فاعتبر حكمه لا يُرْضِي، فأدخل لام التعريف على الفعل. وكذلك الشأن للزجاجي الذي أشار إلى بيت لذي الخرق الطهوي ردده بعض البصريين والكوفيين أدخل فيه لام التعريف على الفعل في قوله :
إلى ربّنا صوتُ الحِمَارٍ اليُجدَّعُ يقولُ الخَنى وأبغَضُ العُجْمِ نَاطِقًا
ولئن أنكر معظم النحاة هذا – أي دخول لام التعريف على الأفعال – فإنّ هذه الشواهد التي نظمها شعراء يحتجّ بأشعارهم في تبرير الظواهر اللغوية تطرح إشكالية لام التعريف أهي مختصّة بالأسماء وحدها أم أيضا تدخل على الأفعال؟ وهل أنّ دخولها على الأفعال فقط للضرورة الشعريّة أم لغايات أخرى ؟ وقد رأى ابن جنّي أنّ هذه اللام هي مضارعة لاسم الموصول " الذي " وهي بذلك تدخل على المشتقات وعلى الأفعال على حدّ سواء، وقد علّل ذلك في سرّ صناعة الإعراب بقوله « واعلم أنّ لام المعرفة قد أدخلت في بعض المواضع على الفعل المضارع لمضارعة اللام لــ( الذي )» . فلام التعريف عند النحاة تدخل على الأسماء النكرة بينما تدخل الذي على الجمل وأشباه الجمل لتعريفها ومتى اتصّلت اللام بالفعل فإنّما تشبيها لـ(الذي)، فقول الحمار اليُجَدَّعُ هي مماثلة لقولنا ( الحمار الذي يُجَدَّعُ ) فهي حرف مشابه للاسم وليست اسما أو اختصارا لاسم، وهذا مبحث هامّ نخصّه بالدراسة في مشاريع بحثية مستقبلا.
وإضافة إلى ما سبق ذكره من مواضع دخول لام التعريف نجد أنه يمنع كذلك التقاء التعريف بالإضافة وذلك راجع إلى استحالة جمع تعريفين مختلفين على اسم واحد باعتبار الإضافة وجها من وجوه التعريف. كما يمتنع التقاء التعريف مع " ياء " النداء لأنّ « حرف النداء يعرّف المنادى بالإشارة والتخصيص والألف واللام يعرّفانه بالعهد، فلم يجز الجمع بين تعريفين مختلفين»
المصادر والمراجع :
المرصفي، عبد الفتّاح، هداية القاري إلى تجويد كلام الباري، مكتبة طيبة المدينة المنوّرة، ط2 (د.ت)، المجلّد 1، ص 204.
للزجاجي، أبو القاسم عبد الرحمان بن إسحاق، اللامات، دار الفكر، ط1 سنة 1985، ص ص 18 – 19 .
اللامات للزجاجي
ابن هشام، أوضح المسالك إلى ألفيّة ابن مالك،ج1.
ابن جنّي، سرّ صناعة الإعراب، ج1.