الشخصيات:

مبارك: رجل وقور كبير السن في السبعين من عمره.

الشيخ: شاب في الثلاثين من العمر ذو قامة طويلة ومهابة.

أحمد: فتى في الثانية عشرة من عمره له مستقبل واعد.

الغريب: رجل غير محدد الملامح، تبدو عليه سمات الغرابة، ملثم دائماً، يريد أن يهدم القلعة ويتربص شراً بأهلها.

الرجل: أربعيني يعتقد أنه الحارس الأمين للرجل الكبير، وللشيخ وللفتى أحمد وللقلعة برمتها يحمل سيفاً عربياً بيده.

 

المشهد الأول:

الظلام يلف كل أرجاء المكان، فيما ضوء يسلط من الأعلى على خيمة وضعت في المنتصف، وقد فرشت الخيمة بالفرش العربية، ووضع فيها الفانوس رمزًا للضوء الذي يلف الخيمة. يدخل مبارك الرجل السبعيني إلى المسرح مرتديًا الزي العربي الذي تعارف شيوخ العرب على ارتدائه في القرن التاسع عشر، ويمشي إلى جانبه الفتى أحمد ذو الخامسة عشرة من عمره مرتديًا أيضًا زيًّا عربيًّا لكن من النوع الذي يرتديه الشباب العربي هذه الأيام في جزيرة العرب. يمشيان معا من حافة المسرح إلى أن يصلا إلى الخيمة، وقد أوقد فيها موقد النار، ووضعت فيها دلال القهوة، ثم يجلس مبارك إلى جنب حفيده أحمد في المنتصف. يبدو أن الجد مبارك كان يحدث حفيده بحديث مهم، فيما كان أحمد ينصت إلى جده بإمعان وهو يحدثه بحديث الشيوخ، ويقدم له النصح بشأن ما ينبغي عليه فعله في المستقبل. فجأة تهب رياح عاتية على الخيمة يسمع صوتها عاليًا، فيقوم الفتى أحمد من مكانه لكي يحمل الفانوس من أجل ألا تنطفئ الشعلة التي فيه، ويظهر أثر الرياح العاتية على الخيمة من خلال حركة الإضاءة في المسرح، وهنا ينجح أحمد في حمله للفانوس الذي لم ينطفئ. وهنا يتهلل وجه مبارك بالفرح وتظهر علامات الرضا على وجهه مشعرًا بأنه راض عن العمل الذي قام به أحمد.

(تسمع أصوات مؤثرات حماسية، هنا يبدأ مبارك بالإنشاد رافعًا يده، فيقول):

في هذه الأرض عاش أجدادي الأخيار

بنوها بعزيمة الرجال المؤمنين الأبرار

وحموها من شر الأغراب والأشرار

من مكر يراد لها، ومن كل الأضرار

أرض حصينة وعالية الأسوار

تسر الصديق، وتبهر الأنظار

عذبٌ ماؤها يتدفق من الآبار

فلن تموت من الظما إذا شحت الأمطار

تغيض العدى، وتقاوم الإعصار

هنا حصن الجود ومعقل الإيثار

حصن يؤوي الأهل والجار والأصهار

من الرياح العاتية ومن كل الأخطار

نعم البناء بناها، بل نعم الآثار

فلن يعدم العيش فيها، ولن تموت الأزهار

بفضل الله الواحد الأحد القهار...

 

المشهد الثاني:

تفتح الستارة من جديد لكن تظهر هذه المرة القلعة التاريخية في منتصف المسرح. المجسم يشبه إلى حد كبير الشكل الحقيقي للقلاع المستخدمة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين المبنية في جزيرة العرب، وجدرانها ضخمة، وفيها مجموعة من الأبراج الدائرية التي تحيط بزواياها الأربع، ووضع إلى جنبها مدفع من طراز المدافع المستخدمة في تلك الحقبة، فضلاً عن بئر صغير لشرب الماء. ويرافق فتح الستارة صوت مؤثرات صوتية حماسية عربية.

يقف مبارك مع أحمد إلى جانب البنيان، ويبدأ مبارك بالحديث عن تاريخها وأهميتها موجهاً كلامه إلى أحمد الذي يقف إلى جانب جده يصغي له بكل اهتمام وتركيز:

مبارك: يا ولدي أحمد! (يضع مبارك يده على كتف أحمد وهو يحدثه) أريد اليوم أن أحدثك بحديث مهم للغاية، وأنا على يقين أنك ستدرك من خلال كلامي اليوم معك أهمية المكان الذي نقف إلى جانبه بل أهمية الوطن الذي نعيش فيه، ومن ثم فإن هذا الحديث سيكون له بالغ الأثر على طريقة حمايتك للقلعة وإدارتك لشؤون الناس من بعدي.

(يجيب أحمد جده مبارك على الفور): تفضل يا جدي؟

يضيف مبارك: يا ولدي: أريدك أن تعلم أن أجدادك عاشوا في هذه الأرض منذ زمن طويل جداً. قرون طويلة ظلت عائلتنا في هذه الأرض ونحن ندير شؤون الناس، ونحمي حماهم، وندافع عنهم، ونسهر على راحتهم. كان الناس قديماً يا ولدي في هذه الأرض يعتمدون على تجارة اللؤلؤ وعلى صيد السمك من البحر، وكان لمنطقتنا بالتحديد أثر بالغ على مجمل التجارة البحرية والبرية.

أحمد (متفاعلاً مع حديث جده مبارك): نعم يا جدي، أكمل كلامك أرجوك، فالحديث مشوق للغاية!

مبارك (مسترسلًا بحديث تتخلله بعض العبرات والآهات): كنت وأنا بعمرك أرى باقي القبائل من شتى أنحاء الجزيرة العربية تفد إلينا لحل نزاعاتها والخصومات التي كانت تحدث بينها. أذكر، عندما كنت في عمرك أن جدي كان يحدثني بما أحدثك به الان، ولا زلت أتذكر إلى اليوم ما قاله لي ذات يوم:

(يحدث هنا صوت رجل كبير السن جدا يستمع إليه مبارك وأحمد في آن واحد):

كانت يا ولدي هذه الأرض (مراد المضطهدين) على الدوام!

(يعقب الصوت الذي حدث صوت مؤثرات حماسية يتم الاستماع إليها).

ثم يقول مبارك لأحمد: ظلت هذه الكلمة، يا ولدي أحمد (وجهة المغبونين) على الدوام، هي الطريق الذي سرت عليه في إدارة شؤون الناس.

(هنا يحدث صمت لبرهة معينة)

(يبدو أحمد وهو يتأمل عميقًا في كلام جده).

(يعود صوت المؤثرات الحماسية من جديد).

يا ولدي:

(يواصل مبارك حديثه):

كان أجدادك على الدوام هم الذين يصلحون بين القبائل إذا حدثت بينهم أي خصومات أو منازعات، وكثيرًا ما كان تأتي القبائل إلينا من أجل أن نعقد الصلح بينهم. ولم يكن ذلك فحسب، بل كان أجدادك من قبل لهم الكلمة في كل الاتفاقات التي كانت تعقد مع أي قوة خارجية تريد أن يكون لها موطأ قدم في هذه الأرض، فهم الذين كانوا يرعون المصالح ويدفعون الأخطار عنها.

(يقف أحمد أمام جده مبارك متسائلًا):

لكن ما الذي يدفعنا إلى تحمل كل هذه الأعباء، يا جدي؟

كان بإمكاننا أن ننشغل بأنفسنا من غير أن نكترث للآخرين، ألم يكن ذلك من الأفضل لنا؟

(يقف مبارك في مقابل أحمد، ويقول له):

لا يا ولدي أحمد، لم يكن ذلك ممكنًا، ولن يكون، قدرنا يا ولدي أن نكون في هذه الأرض، ولن نتحول عنها بإذن الله، كما أن ديننا الحنيف يأمرنا أن نقف إلى جنب إخواننا وجيراننا في محنهم، كنا على الدوام وسنظل (ملاذًا لكل مغبون)، ولا بد أن تضع ذلك في وجدانك على الدوام. لقد ظل أجدادك دومصا كرماء، وشجعان، ولم يتخلوا يومًا ما عن واجبهم.

(هنا يبدو أحمد منفعلًا ومتأثراً بكلام جده، فيقول له بلغة مليئة بالثقة):

وأنا، يا جدي، سيظل كلامك في وجداني، وسأظل أسير على طريقك وطريق أجدادي من قبل ما حييت، بإذن الله.

(يعقب حديث أحمد مؤثرات حماسية).يمشي مبارك وأحمد معا ويغادران المسرح، ويخفت الضوء تدريجيًّا..).

ثم تسدل الستارة.

 

المشهد الثالث:

(تفتح الستارة، فيدخل الرجل الغريب إلى المسرح ويتم تركيز الضوء عليه فقط، يمشي بطريقة غريبة توحي بأنه يضمر شيئًا خبيثًا وقد وضع اللثام على وجهه، وتتعالى أصوات مؤثرات صوتية توحي بأن الشر يتسلسل إلى المسرح، ثم يبدأ الرجل الغريب بالحوار الآتي مع نفسه، فيقول):

أنا الشر متجسدًا في هيئة بشر..

أنا من ملئت ذاته حقدًا على كل ما هو جميل في هذه الحياة..

آه لو يعلمون كم أضمر لهم من الشر والحقد...

لن أدعهم ينعمون بكل هذه الإخوة والمحبة فيما بينهم..

الان بعد أن أقنعتهم بأني مظلوم من قبل قبيلتي وأني (دخيل) عليهم، وبعد أن اطمأنوا لي، سأبدأ بمحاولاتي لتدمير الحصن ومن فيه ومن فيها، ولا بد أني سأجد الوسيلة الملائمة لذلك.

(ثم يسير الرجل الغريب، ويقف إلى جانبه الجدار وتعلو المؤثرات الصوتية لتوحي بأن الخطر قد اقترب):

(يقول الرجل الغريب وهو يتأمل بشكل خبيث ويتفحص عن كثب):

أوه، ما هذه البرج الذي بناه مبارك وأجداده من قبل، حصين جدًا ويبدو أنه صعب الاختراق، لكن مع ذلك لن أدعهم يعيشون بسلام، لا، لا، لا...

(يبدو الرجل الغريب متأملًا وهو يفكر بخبث بطريقة ما، فيقول):

لا بد أن أجد طريقة ما لتدمير الحصن، لا بل وللقضاء عليهم.

(يذهب الرجل الغريب إلى حافة المسرح، فيلفه الظلام، ثم يعود حاملًا معولًا كبيرًا على ظهره، يقترب من الجدار، ويبدأ بضربه بالمعول، ثم يقول بعد محاولات عدة):

أوه، يبدو أن جدران هذه القلعة صعبة على الهدم، يصعب جدًا أن أقوم بهدمهما بمعولي، لا بد أن أفكر بطريقة أخرى لهدمها.

(وهنا يبدو الرجل الغريب وكأنه قد توصل إلى فكرة أولى لخطته الجهنمية):

لابد أولًا من التعرف عن كثب على أحوالهم وعاداتهم وتقاليدهم، فهو الطريق الأول لفهم نقاط ضعفهم ومن ثم للقضاء عليهم.

(هنا يظهر الرجل الغريب وهو يدور ويدور حول الجدران في إشارة إلى أنه قد بدأ ينفذ خطته الأولى في التعرف على أحوال من يقطن هناك).

(يتوقف قليلًا، ثم يبدأ في الحديث مع نفسه قائلًا):

يبدو أن البناء بحد ذاته محكم جدًا (يريد أن يلمح بذلك إلى صعوبة اختراقها من الخارج)، سأبدأ في نشر الشائعات ضدهم بين القبائل الأخرى..

سأشيع فكرة أنهم السبب في كل ما يحدث لبقية القبائل، سأدمر علاقتهم بعضهم ببعض، سأقول إنهم مصدر الشر الذي حل بكل من حولهم..

(يحدث إظلام في المسرح إلا من ضوء خافت يسلط على الرجل الغريب وهو يتسلسل للخروج من حافة المسرح بطريقة تثير الغرابة والريبة مع مؤثرات صوتية مناسبة لذلك)..

(إظلام كامل للمسرح لفترة وجيزة، وإسدال للستارة).

 

المشهد الرابع:

(تفتح الستارة، بعدها يضاء المسرح من جديد، وهنا يدخل الشيخ ويمشي خلفه الرجل الأربعيني وهو يتقلد سيفًا وهما يرتديان الزي العربي الملائم للأزياء العربية العصرية، ويتم تركيز الإضاءة عليهما):

(الشيخ وهو يمشي من غير أن يلتفت): يبدو أن الهدوء يلف أرجاء المكان هذه الليلة.

الحارس الأمين (وهو يمشي خلف الشيخ):

نعم، سيدي الشيخ، المنطقة هادئة ومطمئنة هذه الليلة، كما هو الحال في كل ليلة، بفضل الله ثم بفضل رعايتكم لها.

(يلتفت الشيخ إلى الحارس الأمين، فيقول):

هل تفحصتم المداخل والمخارج كلها؟

الحارس الأمين: نعم، سيدي الشيخ، أنا ورجالي تفحصنا كل المداخل والمخارج، وبذلنا جهدنا في التأكد من أنه لا خطر يهددنا من أي شيء.

الشيخ: وماذا عن مواطنينا، هل تفقدتم من فيها، من العوائل، وخصوصًا من النساء والأطفال والمرضى؟

الحارس الأمين: رجالك الأوفياء، المحبون والمخلصون لكم يسهرون ليل نهار على تفقد الاحتياجات للرعية جميعًا.. فمن كان منهم في حاجة إلى المال أعطوه له، ومن كان مريضًا ذهبوا به إلى الطبيب، ومن يحتاج منهم إلى الخيل لكي يسافر به أعدوا له أفضل ما لديهم من الجياد، ومن الراحلة، وكل ما يحتاج.. حتى إذا سافر كانوا كالأهل لعائلته يفتقدونهم ويطمأنون على حالهم حتى يعود..

الشيخ: طيب جدًا... وماذا عمّن وفد إلينا من القبائل المجاورة ممن تعرض إلى الظلم والاظطهاد في وطنه، هل تسهرون على حاجتهم؟

الحارس الأمين: نعم، سيدي الشيخ، بالتأكيد.

الشيخ: تعلمون أن هذه الأرض تستقبل أي ظليم من كل أنحاء المعمورة.. وأن هذه وصية أبائي وأجدادي من قبل.

الحارس الأمين: نعلم قطعًا ذلك.

الشيخ: ماذا تفعلون لمن يقدم إليكم ممن تعرض إلى الظلم في وطنه؟

الحارس الأمين: سيدي الشيخ، وكما وجهتم من قبل، نحن لا نرفض استقبال أي مظلوم يفد إلينا، بغض النظر عمن هو ولمن ينتمي، فما إن يصل إلينا طالبًا الحماية سواء كان بمفرده أو مع عائلته أو أفراد قبيلته فنحن نهيئ له كل ما يجعله يشعر بالأمن والاحترام في قلعتنا.

الشيخ: هل هناك مأوى يكفي لكل من يفد إلينا، فنحن لا نريد أن يأتينا أحد فنقول له: نأسف لا نستطيع استقبالك، إذ لا مكان لدينا كاف لك ولعائلتك؟

الحارس الأمين: نعم، سيدي الشيخ، فنحن دائمًا نضع نصب أعيينا توجيهاتكم بأنه لا بد من التوسعة المستمرة والتطوير الدائم للقلعة، فنحن، مع تفكيرنا المستمر بمواطنينا والسهر على راحتهم، فنحن نضع أيضًا نصب أعيننا كل من يلجأ إلينا، وقد جهزنا أماكن كثيرة تحسبصا لقدوم مزيد من اللاجئين إلينا.

الشيخ: هذا ضروري، فتعلم أن المنطقة من حولنا تعج بالفتن والاضطرابات، ونحن نتوقع زيادة في أعداد من يصل إلينا من المضطهدين..

الحارس الأمين: نحن متحسبون لكل طارئ، ولدينا أماكن لحالات الطوارئ أيضًا.

الشيخ: بفضل الله، ثم بعزيمتك أيها الحارس الأمين ومن معك من الرجال ستبقى أرضنا محمية على الدوام.

الحارس الأمين: كل ذلك بفضل الله، سيدي الشيخ، ثم بفضل توجيهاتكم القيمة.

(هنا يبدأ الحارس الأمين بإلقاء قصيدة تصاحبها مؤثرات حماسية، فيقول):

القلعة هذه موطن الكرم والإباء

هنا حيث عاش فيها الآباء

ويعيش فيها اليوم الأبناء

والجيران والمظلومون والأقرباء

ومن يأوي لها من الفقراء

من الأشقاء ومن كل الأصدقاء

عزيزة شامخة يملؤها الإباء

عصية على الخيانة والحرباء

وعلى كل غادر من الغرباء

وعلى ما حيك عنها من افتراء

منارة النور في ظلام الصحراء

أدام الله عزها والرخاء

وحماها من المحن والأرزاء

من البأساء ومن الضراء

(يخفت الضوء تدريجيًّا في المسرح، ثم يحدث إظلام، وتسدل الستارة) ...

 

المشهد الخامس:

(تفتح الستارة، ويعود الضوء تدريجيًّا إلى المسرح، ويتم تركيز الإضاءة على الخيمة الموضوعة في المنتصف، ويظهر فيها الفتى أحمد وهو جالس على كرسي وأمامه منضدة وهو يقرأ في كتاب ويحضر لدروسه في المدرسة، وهنا يدخل الجد مبارك من طرف المسرح، ويمشي باتجاه الخيمة، ويتم أيضاً تركيز الضوء عليه):

مبارك: ماذا تفعل يا ولدي أحمد؟

أحمد: أتابع دروسي المدرسية، يا جدي.

مبارك: هل تعلم يا ولدي أنك الان تعيش في نعمة كبيرة؟

أحمد: وكيف ذاك يا جدي؟

مبارك: الأمر الآن يختلف عن الذي عشناه من قبل؟

أحمد: هل لك أن تخبرني كيف يا جدي؟

مبارك: لم تكن لدينا الوسائل المتوفرة لديكم اليوم؟

أحمد: هل تقصد المدرسة، يا جدي؟

مبارك: نعم يا ولدي، لم تكن المدارس متوفرة على أيامنا كما هي متوفرة الآن. كل ما كان موجودًا هو الكتاتيب، وكنا نحصل فيها على العلم، ولكن لم تكن الوسائل التعليمية متوفرة كما هي اليوم.. كان لدينا فقط الألواح الخشبية والأقلام المصنوعة إما من الجص أو من بعض المواد المستخلصة من الطبيعة  كنا نستخدمها للكتابة على تلك الألواح.

أحمد: إذا لم يكن لديكم كل هذه الوسائل التي لدينا اليوم؟

مبارك: نعم، ولذلك قلت لك من قبل: أنتم الان في نعمة كبيرة...

أحمد: هل لك يا جدي أن تعطيني فكرة عن الكتاتيب التي درست فيها من قبل؟

مبارك: الكتاتيب، يا ولدي، هي اسم يطلق على النظام التعليمي الذي كنا نتلقى فيه العلم والمعرفة، وهو يشبه المدرسة اليوم إلى حد كبير، لكنه يختلف عنها في أنه، كما ذكرت، لم تكن تتوفر فيه المستلزمات التعليمية الحديثة. كان الطفل عندما يبلغ السادسة أو السابعة من عمره تقوم عائلته بأخذه إلى الكتاب في محلته والقريب من سكنه ليسجل عند الشيخ الذي يتولى التدريس في الكتاب.

أحمد: وما هي المواد التي كنتم تدرسونها في الكتاب؟

مبارك: كنا نقرأ ونحفظ القران الكريم، ومبادئ القراءة والكتاب والحساب وغيرها.

أحمد: ومن الذي سجلك في الكتاب يا جدي؟

مبارك: أذكر أن أبي هو الذي أخذني إلى الكتاب وسجلني فيه، على الرغم من أنه كان مشغولًا بإدارة شؤون الناس، والسهر على احتياجاتهم.. لكن في العادة كانت الأمهات هن من يأخذن أولادهن إلى الكتاب من أجل التسجيل فيها بالنظر لكون الأباء مشغولين دائمًا في الرعي والصيد واستخراج اللؤلؤ من البحر.

أحمد: هل لا زلت تحفظ شيئًا يا جدي مما كان المعلم يعلمكم في الكتاب؟

مبارك: نعم، لا زلت أحفظ تلك القصيدة الجميلة التي علمنا إياها المعلم ذات يوم.

أحمد: هل لك أن تنشدها يا جدي؟

مبارك: نعم، ولأني أريدك أن تفهم ما ورد فيها.

(هنا يبدأ مبارك بإنشاد ما ظل في ذاكرته من الكتاب، ويصاحب ذلك مؤثرات صوتية):

نذهب إلى الكتاب نحمل الأقلام

نقرأ الألواح، نتعلم، نطرد الأوهام

هنا، بالعلم تتسع لدينا الأفهام

نخدم الأنام، نسير إلى الأمام

ولا نعرف معنى الخوف والانهزام

إذ نواجه الخطوب الجسام

رجاؤنا على الدوام

خير بلادنا وباقي الأنام

.......

(هنا يسأل مبارك حفيده أحمد):

هل تحفظ شيئاً مما تعلمته في المدرسة يا أحمد، قريباً من ذلك؟

أحمد: نعم، يا جدي، أحفظ.

مبارك: إذا أنشد علي...

(يبدأ أحمد بالإنشاد، وتسمع المؤثرات الصوتية من جديد مع إنشاده):

هنا بلد الجمال والأغان

هنا موطني الجميل المزان

هنا حيث يسمع الأذان

هنا حيث خط البنان

كلمات جميلة للإنسان

هنا حيث أمي والحنان

وقوة والدي والطعان

هنا في هذا المكان

لن يعدم الإنسان الأمان

هنا حيث أطلق العنان

للعز وكرامة الأوطان

لن يذبل الورد والبستان

في قلعة ذاك الربان

.....

(يحدث إظلام في المسرح، وتسدل الستارة).

 

المشهد السادس:

(تفتح الستارة، وتستمر المؤثرات الصوتية، ويظهر مبارك والفتى أحمد وهما يجلسان في الخيمة، ويدخل على أثرها الشيخ والحارس الأمين من جانب المسرح ويستمران بالمشي إلى أن يصلا الخيمة ويدخلا فيها):

(يسلم الشيخ والحارس الأمين على الجد مبارك والفتى أحمد):

السلام عليكم.

(يرد مبارك والفتى أحمد):

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضلوا تفضلوا...

(يجلس الشيخ في المنتصف بين مبارك وأحمد):

الشيخ موجهاً السؤال إلى مبارك: كيف الحال، يا والدي؟

مبارك: الحمد لله بخير ونعمة؟ كيف الأمور والأحوال؟ هل تسير الأمور على ما يرام؟

الشيخ: الحمد لله، كل الأوضاع على ما يرام وبخير، ونحن مستمرون في خدمة المواطنين فيها، ومن يلجأ إلينا من القبائل الأخرى ممن تعرض إلى الظلم في مضارب قبيلته.

مبارك: لابد أنكم تجعلون نصب أعينكم نصيحة آبائنا وأجدادنا بأن تبقى القلعة دائمًا وجهة للمضطهدين من أبناء العشائر الأخرى؟

الشيخ: نعم نحن ملتزمون بكل ما نصحنا به أجدادنا من قبل.

الحارس الأمين: وأود أن أطمئنكم أيضًا أن وطننا في أيد أمينة، ونحن نحميه ليل نهار من مكر الأعداء وممن يتربص به شرًّا.

مبارك: بارك الله بجهودكم جميعًا.

الشيخ (موجهًا كلامه لابنه أحمد، فيما يستمع الآخرون له بكل انتباه): وبالرغم من أننا نسعى إلى التنمية دائمًا وتحسين مستوى الخدمات المقدمة من قبلنا فإننا لا ننسى ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا في الكرم وحسن الضيافة. لا نزال نروي للأجيال الجديدة عاداتنا في التسابق لخدمة الضيف، وحماية الملهوف.

مبارك: نعم، هذا ما تربينا عليه منذ نعومة أظفارنا.

أحمد (موجها كلامه للشيخ): نعم، يا والدي، أنت دائمًا تحدثني عن ضرورة ذلك، بوصفه جزءًا من تعاليم ديننا ومن قيمنا وأعرافنا وتقاليدنا.

الشيخ (موجهًا كلامه لوالده مبارك): ولكيلا ينقطع الجيل الجديد الناشئ عن عادات الآباء والأجداد فنحن مثلًا نعلمهم حياة البادية، وما كان يدور فيها من تفاصيل وأحداث مهمة، تجعل الجيل الجديد متصلًا بتراثه وتقاليده وأعرافه. فمثلًا نحن نعلمهم الصيد وتتبع الأثر وذلك من العادات الأصيلة في تراثنا.

مبارك: نعم، هذا ضروري جدًّا.

أحمد (موجهاً كلامه لوالده الشيخ): لا زلت أتذكر يا والدي كيف أنك أخذتني إلى البادية في رحلة للصيد في قلب الصحراء، واصطحبنا معنا خيولنا، والصقور التي نمتلكها، وذهبنا نصطاد، كانت رحلة جميلة للغاية.

الشيخ (موجهاً كلامه لابنه أحمد): نعم، يا ولدي، كل ذلك من أجل أن تتعلم حياة البادية حيث عاش أجدادك قبل أن يبنوا هذا المعقل، ومن أجل أن تتولى مهمة نقل هذا التراث إلى جيلك ومن بعده.

مبارك (موجهًا كلامه للشيخ): وماذا عن المجالس؟ أرجو أن تكون مجالس أهلنا عامرة كما كانت من قبل؟

الشيخ (مجيبًا والده مبارك): نعم، بالتأكيد، مجالس أهل الديرة عامرة كما عهدتموها. وأكثر ما تكون مجالسنا عامرة في أيام الأفراح والأعياد حيث يتزاور الأهل والأقارب ويتبادلون التحايا والهدايا، والأحاديث والذكريات، ويناقشون القضايا الراهنة ويخططون للمستقبل.

مبارك (مجيبًا ولده الشيخ): يبنغي أن تكون هذه المجالس مفتوحة للجميع دون استثناء، كما كانت من قبل.

الشيخ (مجيبًا والده مبارك): نعم، وهذه الصفة لا تزال تمثل أهم معالم مجالسنا الحالية.

(مبارك سائلًا الحارس الأمين): أيها الحارس الأمين، أريد أن أسألك عن حال الصيد في البحر، وهل الوضع آمن بالنسبة للنواخذة والبحارة على السواء؟

الحارس الأمين: جنودنا دائمًا يعملون على توفير الأمن في البحر لسفننا البحرية وللسفن الأخرى التي تصلنا إلى حدود مياهنا الإقليمية، تحدث أحيانًا محاولات للقراصنة للسيطرة على السفن، لكن معظم هذه المحاولات تبوء بالفشل بسبب قوة بواخر الحربية.

مبارك: وماذا عن حدودنا البرية؟

الحارس الأمين: وكذلك حدودنا البرية آمنة للغاية، فالقوافل التجارية تمر بكل أمان بالقرب من أسوارنا، من غير أن يتعرض لها أحد، فنحن نعمل ليل نهار على تأمين طرق القوافل ليلا ونهارا.

مبارك: بارك الله بجهودكم جميعًا.

(يحدث إظلام في المسرح، وتركز الإضاءة على الخيمة حيث يجلس فيها مبارك والشيخ وأحمد، ويظل الحارس الأمين واقفًا وحاملًا سيفه، ويدخل الغريب، وهو يحمل سيفًا أيضًا من جانب المسرح متسلسلًا إلى جنب الخيمة ومتخفيًا حولها، وتركز الإضاءة أيضًا عليه، وتصاحب ذلك مؤثرات صوتية):

الغريب: يبدو أن زعامة القبيلة كلها متجمعة اليوم في هذه الخيمة، إنها فرصتي اليوم للقضاء عليهم جميعًا. هذه فرصتي للقضاء عليهم جميعًا وبضربة واحدة.

(مؤثرات صوتية، وإظلام كامل في المسرح، وتسدل الستارة).

 

المشهد السابع:

(تركيز الضوء على الغريب، وهو يلف ويدور حول الخيمة من أجل أن ينقض بسيفه على الجالسين فيها، مع مؤثرات صوتية):

(ينقض على الخيمة، شاهرًا سيفه، ويعلو صوت المؤثرات، وهو يصيح):

ها قد حانت الفرصة، سأقضي عليكم، سأقتلكم جميعًا.

(الحارس الأمين: يسحب السيف من غمده، وهو يقول):

ويلك، ما تقول؟ وما تريد أن تفعل؟ هل تجرأ على ذلك؟

(ينقض الحارس الأمين على الرجل الغريب، وتحدث بينهما مبارزة، ويقوم مبارك والشيخ والفتى أحمد من مجلسهم في الخيمة، وهم ينظرون إلى انقضاض الحارس الأمين على الرجل الغريب، وتحدث مبارزة بينهما، يسقط السيف خلالها من يد الرجل الغريب، ويقع على الأرض، ويبدو الحارس الأمين واقفًا فوق جسده، وشاهرًا السيف على رأسه، ويعلو صوت المؤثرات الصوتية):

الشيخ مخاطبًا أحمد: ولدي أحمد، اجلب القيود بسرعة...

أحمد: على الفور يا أبتي.

(يغادر أحمد الخيمة، ويعود بسرعة حاملًا معه الحبل ويعطيه لوالده من أجل تقييد الرجل الغريب).

مبارك: أحسنت يا أحمد.

(يقيّد الشيخ الرجل الغريب على الفور من يديه، ويبدأ الحارس الأمين بالتحقيق معه أمام مبارك والشيخ وأحمد):

الحارس الأمين: ويلك، ما الذي تريد أن تفعله؟

الرجل الغريب: كنت أنوي أن أقتلكم جميعًا.

الشيخ: ويحك، ألست ذاك الرجل الذي قدم إلينا قبل مدة طالبًا الحماية من ظلم وقع عليه من بني قبيلته؟

الرجل الغريب: نعم، أنا هو، قدمت منذ أشهر قليلة، وقلت لكم: أنا مظلوم في قبيلتي، وأطلب منكم الحماية.

الشيخ: أنا أعلم ذلك، ولكن ألم نحسن إليك، ونوفر لك المأوى؟

الرجل الغريب : نعم، قد فعلتم.

مبارك: إذا ما الذي دفعك على أن تقوم بما قمت به الان؟

الغريب: أنا مدسوس بينكم، دفعني بعض رجالات قبيلتي لكي أنتقم منكم.

الشيخ: وهل هذا جزاء من أحسن إليك؟

الغريب: هذا الذي حصل، وأنا نادم على ما فعلت، ولكن لن ينفع الندم بعد أن خنتكم جميعًا.

الشيخ: أيها الحارس الأمين، خذه إلى السجن، فسيلبث فيه زمنًا طويلًا.

الحارس الأمين: أمرك مطاع سيدي الشيخ.

(يظهر الحارس الأمين، وهو يقتاد الرجل الغريب إلى السجن وهو مكبل بالقيود).

(بعدها يحدث إظلام تدريجي للمسرح، ويصاحبه مؤثرات صوتية، وتسدل الستارة).

 

المشهد الثامن والأخير:

(تفتح الستارة، سجن على هيئة قفص على خشبة المسرح، ويظهر الرجل الغريب داخله، فيما يظهر مبارك والشيخ والفتى أحمد والحارس الأمين وهم واقفون ينظرون إلى الرجل الغريب وهو في السجن):

مبارك: هذا جزاء كل من تسول له نفسه اللعب بأمن القلعة ومن يسكن فيها، هذا عقاب خيانتك لمن استضافك، ومنحك الأمان، ونحن نطبق القانون عليك...

الشيخ: لن تتحق لكم أمانيكم المريضة بإذن الله.

أحمد: الجيل القادم سيحمي هذه الأرض بكل ما أمكنه من قوة.

يظهر الرجل الأربعيني يرقص الرقصة العربية المعروفة ابتهاجًا بالانتصار على الرجل الغريب.

(مؤثرات صوتية، وتسدل الستارة).

تنويه:

لا يسمح لأحد تنفيذ هذا النص بدون أخذ موافقة خطية من المؤلف.

 

التدقيق اللغوي: سماح الوهيبي.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية