عندما تمنح القلم حياتك و تجعله نبراسك في الحياة تكون قد أمسكت بكل أسباب النجاح ,فالحياة ليست غنيمة مادية كما يريد كثيرون الاعتقاد به .ان الذي يعطي معنى للحياة و يرسم أبعادها الحقيقية انما هو الفكر والثقافة و بعبارة أصح القلم . ان عدد الأباطرة و الطغاة والقياصرة و أصحاب المال والجاه والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة الذين عبروا ممر الحياة لا يحصى عدهم و لا حصرهم , لكن التاريخ و ذاكرته الثاقبة يمر على هؤلاء مرورا خفيفا و اذا ما اخرجهم الى الوجود ثانية فكي يلعنوا ليكونوا عبرة في زمن قل فيه الاعتبار ,و في الضفة الأخرى أصحاب المداد و الابداع والعطاء الذي مازالت البشرية تنهل منه ,فان التاريخ يمر على هؤلاء ليجعل منهم محطة و منطلقا لاعادة البناء و حتى الذين ما أنصفهم دهرهم وقومهم فان التاريخ يعيد تصحيح الخلل و يرد لهم كل الاعتبار.
و لا يختلف اثنان في أن هناك حالة غيبوبة تلف العالم العربي والاسلامي تحديدا ,وتحت وقع هذه الغيبوبة تغيرت القيم و تبدلت الموازين و ارتبك النسيج الثقافي والفكري ,وبتنا نعيش في أوج متناقضات والتي لها أول وليس لها أخر , فالغرب يسمينا أمة الشرق والروح ولكننا فقنا فلاسفة المادة في استكناه أبعادها والانطلاق منها في تفاصيل تفاصيل حياتنا , والبعض يطلق علينا اسم أبناء الضاد ونحن ننحر لغة الضاد في اليوم مليون مرة , والأكثر من ذلك يسموننا أمة الاسلام وهو يوميا يستغيث قائلا ربي لما شرعتني لقوم لفظوني وراء ظهورهم بل رموني الى أعماق المحيطات .
و حاولنا أن نلحق بالركب الغربي فكانت النتيجة أن أضعنا السير القويم , وجوهنا بنصف لحية و نصف شارب , لساننا خليط من القوافي والرطنات واللكنات , ملابسنا مخاطة بكل أقمشة العالم ,قطريون تارة وعالميون تارة , وبدويون تارات أخرى .
الاخرون في أكثر من خارطة قد رسموا استراتيجيتهم ,مستقبلهم و منهجهم وأعادوا تقييم ماضيهم فطرحوا منه الغث وأبقوا على الدسم ,أما نحن الذين نكتب بأقلام صنعت في فرنسا وبريطانيا وأمريكا ونتفاخر بأن احلى الأقلام ما صمم من وراء البحار والعجيب أنه بهذه الأقلام نكتب عن الأصالة و مقاومة العولمة و بناء النهضة ذات الخصائص القومية فمازلنا نغوص في اشكاليات فكرية عمرها قرون , ثم لمن نكتب ؟ لأجيال باتت تعتبر العلم ظلامية و الفكر سلا والثقافة موسيقى كلاسيكية انتهت مع زرياب وزمن الأندلس !!.
ان عذابات القلم تكمن عندما تصبح النداءات الصادرة عنه غير مسموعة و الصيحات النهضوية والتحذيرية الواردة من حبره مهملة .
ان استقبال الواقع العربي و الفضائيات العربية الألفية الثالثة بالغناء والطرب و التمثيليات الهزلية لدليل على أن سمة قرننا المقبل ستكون هي الأخرى راقصة .
ان عدد المطربين والمطربات الذين برزوا في العشرية الماضية يفوق عشرات المرات عدد الروائيين والمبدعين وخالقي الأفكار , وذلك مؤشر واضح على نكستنا في الألفية الثالثة , وان عدد الصائحين و الصارخين والمزعجين أي المطربين الذين كرمتهم السلطات الحاكمة أو الراقصة لا فرق يفوق عدد الذين كرمتهم السلطات من المثقفين والمبدعين وذلك مؤشر أيضا على استراتيجيتنا في الألفية الثالثة والتي ستكون في حد ذاتها استراتيجيا مموسقة وذاك في حد ذاته تميز لم يسبقنا اليه أحد.
و يبقى على أصحاب الأقلام المخلصين ان يعملوا على فضح واقعنا المزري , حتى لا تدخل أجيالنا الألفية الرابعة بحالة الانكسار والانشطار هذا اذا ظلت لنا الى ذلك اليوم مواقع في خارطة المكان والزمان و الحضارة.