(1)
لماذا يجب عليك أن ترضعيه؟
عجبت للام التي لاترضع وليدها !... وعجبي أكثر، من الام التي تعتقد ان هذه الاصناف التجارية من الحليب الصنعي ، أفيد وأنفع لطفلها!... وعجبي كان أكثر فأكثر ، من الام التي تعرف ان حليبها أفضل لرضيعها ، ومع ذلك لاترضعه!...لماذا؟... والله لاأدري.
ان موضوع الارضاع يعد اليوم من اخطر المواضيع العلمية ، لعلاقته بالصحة العامة ، والطب الوقائي ، ومستقبل الطفل الصحي ، بعد أن تبين بالابحاث العلمية المثبتة أنه يقي من اصابة الوليد بالانتانات ، ويجنبه الكثير من أنواع الحساسيات ، بالاضافة الى تقويته لهذه الروابط العاطفية والوشائج الروحية بين الرضيع وأمه... الا أن أخطر ما تمخضت عنه الابحاث الأخيرة هو ما وجد من العلاقة بين ظهور بعض الامراض المزمنة( كمرض السكري) بشكل مبكر ، وبين الادخال المبكر للحليب الاصطناعي في تغذية الوليد . وعلى ما يبدو ، فإن على موضوع الارضاع والدعاية له كما يجب ، خطوط حمراء ، لايجرؤ الكثيرون على اجتيازها!... فبالرغم من ان صيحات تتعالى ، من هنا وهناك ، بين الفينة والاخرى ، تنادي بضرورة العودة للارضاع من الثدي ... الا انها تبقى صيحات خافتة واهنة ، لاتكاد تعلو قليلا حتى يصيبها شيء من الضعف... لا تلبث ان تضعف وتهن... ثم تضمحل ، فتتتراجع فتختفي !... لماذا؟ ... ارجو ان
تستنتجوا وبأنفسكم شيئا من الجواب ، في حنايا هذا المقال المتواضع .
ان الأم ، كانت ومنذ ان خلق الله الارض ، وخلق أبونا ادم وأمنا حواء عليهما السلام... كانت الأم ، وكل ام من بني البشر (ومن بني الحيوانات كلها) .. اقول : كانت الأم بالاطلاق ، ترضع وليدها ، الى ان تفجرت الثورة الصناعية في هذا الغرب بعيد الحرب العامة الثانية ، هذا الغرب الخارج عن فطرة الله في كثير من أمره ... واضطرت المراة المسكينة ، بعد ان حصدت هذه الحرب اكثر من ستين مليوناً من البشر جلهم من الرجال ، ان تنزل الى ميدان العمل ، وتقف وراء الآلة ساعات طوال ، فأنهك جسدها ، وارهق بدنها ، فاضمحل حجم ثدييها ، ونشف عصير ضرعيها ، فكان لابد من البديل ، وكان هذا البديل ... ما هو ؟ ... هو حليب البقر المجفف !... وهكذا توقفت المراة عن احدى وظائفها الحيوية في هذه الحياة ، قد تكون مضطرة في البداية ، لكنها وعلى ما يبدو أصبحت راضية وغير معترضة فيما بعد!... بينما استمرت الأم (الحيوانية) مخلصة في ارضاع وليدها حتى الآن ، دون أن تتأثر بملوثات الحضارة المادية ، أو تضعف أمام مغريات الحياة العصرية!... اسمعتم- استحلفكم الله - ان البقرة بعيد ولادتها ، استرضعت العنزة لترضع لها عجلها ؟...اسمعتم ان قطة ذهبت تستجدي الكلبة ، كي تعطيها شيئا من حليبها لتطعم به وليدها؟...
وفي الخمسين سنة الماضية ... اصبحت صناعة الحليب المجفف من أربح الصناعات ، ومن أكثر التجارات ادراراً للمال... واليوم ، تعد هذه الشركات من اقوى المؤسسات العالمية واغناها ... وتعددت وكثرت واصبحت الصناعة المشتركة ، التي تشترك فيها جميع البلدان الغنية... فترى ان بلداً يصنع السيارات ، لكنه ينتج ايضا الحليب ، واخر )يفبرك( الطائرات ، وبالوقت ذاته لايستغني عن انتاج الحليب ، وذاك فقير ليس لديه القدرة لا على صناعة السيارات ولا الطيارات ، لكنه يتسلى بصنع الحليب !…
العجيب ان الكثير من الدراسات اليوم ، تمولها هذه الشركات الضخمة المنتجة للحليب !... ولذلك ، وخجلاً من هؤلاء الممولين ، تأتي النتائج أيضاً خجولة... وتصاغ صياغة متواضعة ومعتدلة ... حتى انك تمر على النتائج ، فلا ترى الا بضع توصيات هزيلة وضعيفة ، تذكر على استحياء ، بأهمية الرضاعة من الثدي ... وبضع مقارنات علمية خالية من القوة ، بين تركيب حليب الام وحليب البقر ...
وفي آخر (تقليعة) عجيبة ، تقرأ على تلك العلب الفخمة من الحليب المصنع ، ان حليب الأم يفضل على الحليب البقري !… تماما كتلك العبارة التي ترصع علب السجاير ، من أن التدخين يضر بالصحة!… شكراً...
ان كثيرا من الامهات ، في الشرق كما في الغرب ، تعتقدن ان هذه الاصناف التجارية من الحليب المصنع ، افضل لصحة ابنائهن !… ورغم ان المراة الغربية اعتدلت الآن في حكمها ، واستدلت من خلال ما تلقيه اليها هذه الحضارة المعاصرة من ثقافة ناقصة ، الى ان هذا الحليب المجفف قد يساوي في نفعه حليبها !... الا ان الأم الشرقية ، وبحكم التبعية العمياء والجهل المخيم ، لازالت في درجة متأخرة ... فهي مازالت تعتقد ، بأن الحليب الصنعي متفوق على حليبها من حيث فائدته لوليدها !!!... وهذه والله مصيبة.
لو تأملنا في الاحصائيات المروج لها حالياً ... لانتابنا العجب ، بل لهدأت اعصابنا وانفرجت اساريرنا واطمأنت ضمائرنا... اذ انها تشير الى ان نسبة الارضاع اليوم في كثير من البدان الغربية ، تقترب من الخمسين في المئة... ولو دققت ، لوجدت ان هذه الاحصائيات ، كانت نتيجة استجواب الامهات في دور الولادة ، في سؤال يطرح عليهن : هل سترضعين وليدك؟... دون اخذ بعين الاعتبار ، ان نصفهن سيوقفن الارضاع قبل ان تغادرن دار الولادة ، ونصف هذا النصف ، سيوقفن الارضاع بعيد العودة الى البيت ، ونصف هذا النصف المتبقي ، قبل نهاية الاسبوع الاول ... وهكذا لايبقى منهن ، ممن ترضع الى نهاية الشهر الاول ، الاعدد قليل لايزيد على عدد اصابع اليد الواحدة في كل دار ولادة.
ادعوك ياأختي العربية المسلمة ، أدعوك ولاأريد لك والله الا الخير ، أدعوك بل أرجوك ، أن تعودي للفطرة السليمة، أن تعودي الى ارضاع وليدك من ثدييك ، فوالله لوتعلمين ما أعلم ، من أهمية هذا العصير السائغ لك ولوليدك ، ولو تعلمين ما أعلم ، ماذا يمكن أن يسبب ما سواه لطفلك من علل وأمراض ، لما قبلت أبداً بغير الارضاع ... وأخيراً : تعالي وأصغي الى هذه الصرخة من وليدك بعيد ولادته يستجديك أن ترضعيه ... فهلا أنت فاعلة؟...
(2)
صرخة وليد .. أرضعيني يا أمي
أمي الحبيبة...
ها قد وضعتني بعد آلام الولادة ومشاقها... وقد كنت طيلة أشهر تسع ، ترقبينني بحرارة قلبك ، وتكلئينني بأصدق دعائك ، وتسقينني من معين آمالك ولوعة أشواقك ... حتى شاء الله وجئت الى الحياة...
واليوم ... أتقدم اليك يا أمي على خجل واستحياء ، ببضع طلبات ، وحسبي من أمري ، أن اعود بتفضلك سماعي ، فهلا أذنت لي؟... وأصخت السمع لي يا امي ؟...
ارضعيني يا امي من حليبك ... فان حليبك : هو أفضل غذاء لجسمي النحيل ، وان تركيبه الدقيق مناسب لوظائف أجهزتي الواهنة ... وان ما سواه : ثقيل على معدتي الهشة وأمعائي الضعيفة.
أرضعيني يا أمي من حليبك ... فان حليبك طاهر، ومعقم ، وخال من الجراثيم التي تخيفني ، والتي قد تمر بالرضاعات الى أمعائي ، فتحدث التهابات في أحشائي وتذيقني مر الآلام.
أرضعيني يا أمي من حليبك ... ولاترهقي أبي بثمن الحليب والرضاعات والمصاصات ، ولاتضيعي وقتك الثمين في تحضير الرضاعات في كل موعد.
أرضعيني يا أمي من ثدييك ... فان نفسي المضطربة الواهنة لايسكنها إلا : ضمة بين ذراعيك ... قريباً من دقات قلبك ، ولهفات صدرك ، وخلجات مشاعرك … وهكذا أرث منك وبقربك ، نفساً وادعة مطمئنة.
أرضعيني يا أمي من ثدييك ... فان بري لك ، وحفاظي على حبك ، وصوني عهدك وودك ، لايتأصل الا : أن يخالط دمي عصير ثدييك.
واذا أرضعتني يا أمي ... فلا تنسي راحة جسمك ، وطمأنينة نفسك وروحك ، ولا ترهقي بدنك بالأعمال الشاقة … وكوني دائماً : مطمئنة النفس ، هادئة الروح ، مرتاحة الضمير.
واذا أرضعتني يا أمي ... فلا تنسي غذاءك ، فتناولي ما شئت : من اللحوم البيضاء ، والخضار الطرية ، والفواكه الطازجة ، والحليب والعصائر والزهورات ... وقللي ما استطعت : من المشروبات المنبهة من قهوة وشاي ، والأغذية المثيرة كالبصل والثوم والبهارات... واياك ... اياك : وهذه الخبائث اللعينات ، من السجاير و النارجيلات.
واذا أرضعتني يا أمي ... وجلست لتعطينني رضعتي ، فاجلسي مرتاحة مستوية ، مناغية حانية ، هادئة ساكنة ، ضاحكة مستبشرة ، حاضرة القلب والعقل.
واذا أرضعتني يا أمي ... فلا تأخذي دواءً الا بعد ا ن تستشيري الطبيب ، فربما مر الدواء عبر الحليب ، وآذى معدتي ، وأمرض أجهزتي ، وأثر على أعضائي وأعصابي وبدني .
وأخيرا... أرضعيني ... أرضعيني يا أمي ... ولو بماء عينيك ... وجزاك الله عني خير الجزاء.