وقبل أن أحاول الرد على تساؤلاتك ، أود أن اذكرك أن الارضاع وقبل أن نبحث في فوائده وميزاته هو وظيفة طبيعية ، بل غريزة فطرية ، عند كل أم ، كانت تؤديها برضى وطواعية وأريحية منذ أن خلق الله سبحانه الوجود ، وبعث أبونا آدم وأمنا حواء ، الى أن ظهرت هذه الاصناف التجارية من الحليب الاصطناعي ، وذلك بعيد الحرب العامة الثانية، وتفجر الثورة الصناعية في الغرب ، حيث اجبرت المرأة أن تنزل الى العمل ، وتقف أمام الآلة لساعات طوال ، فمن أين لها بعد ذلك أن تستطيع ارضاع طفلها عند عودتها الى منزلها ، وقد تعب جسمها وارهقت أعصابها وتحطمت أحاسيسها وتمزقت عواطفها ، فكان هذا الحليب هو البديل في ارضاع وليدها . تخطئين كثيرا حين تتخلين عن ارضاع طفللك طواعية ودون أي سبب يمنعك من ذلك ، وتقررين أن تعطيه من هذه الاصناف المختلفة من الحليب الصناعي ، ومهما يكن قرارك فأحب أن اذكرك أولا بالفوائد الكثيرة للارضاع :
أولاً : بالنسبة لك : فان الارضاع يحميك من كثير من الالتهابت الرحمية بعيد الولادة ، وكذلك يجنبك خسارة الدم الزائدة المرافقة للولادة حيث يساعد الارضاع في توقف النزف الناجم عن الولادة ، وأيضا فان الارضاع يساهم في عودة الرحم الى حجمه الطبيعي ومكانه الطبيعي بسرعة بعد الولادة ، وكذلك فان الارضاع يمنع حصول الحمل عندك بنسبة تزيد على ( 98 %)، دون تناول مانعات الحمل ، ودراسات كثيرة أكدت أن الارضاع يقي من حدوث سرطان الثدي وكذلك سرطان الرحم عند الأم المرضع.
ثانياً : أما بالنسبة لوليدك : فان حليبك يحميه من الاصابة بالالتهابات الجرثومية ، وذلك بما يحويه من عوامل مناعية ، ويحميه أيضا من الاصابة بالحساسية الغذائية ، وذلك نتيجة لخلوه من البروتين المسبب لهذا النوع من الحساسية والموجود عادة في الحليب المصنع والمستخرج من حليب الابقار، ودراسات عديدة بينت أن حليبك يمنع نقص الكلس في دم وليدك ، فيساعده على بناء عظام متينة ، ولاأنسى أن أذكرك بأن الطفل الرضيع من حليب أمه قليل الاصابة بالسمنة ونادر التعرض للاضطرابات النفسية ، وان نمو فكيه وأسنانه يكون سويا خاليا من التشوهات.
ثالثاً : وهناك أيضا فوائد نفسية روحية للارضاع : فهو يساهم في بناء نفس سوية سليمة ومطمئنة عند وليدك ، ويقوي الصلات الروحية والوشائج العاطفية بينك وبينه ، ويشعرك بأنوثتك وبوجودك كأم تؤدين دورك الطبيعي والفطري في هذه الحياة . لكن هذه المعاني النفسية والروحية لاتتحقق الا بشرطين : الأول : أن تكون عندك الرغبة الذاتية بالارضاع ، والثاني : أن تكوني أثناء الرضعة حاضرة القلب ، هادئة النفس غير شاردة ولا متوترة.
رابعاً : وهناك أيضا فوائد عملية للرضاعة من الثدي : فالحليب دوما جاهز ، دائما بحرارة ثابتة وملائمة ، طاهر ومعقم ، سهل الهضم ، أسهل عليك أثناء السفر والترحال، اقتصادي بالمال والوقت.
أولاً : لابد أن تعلمي أنه ليس هناك وضعية مثالية أثناء الارضاع ، فأرضعيه جالسة أو مضجعة ، بشرط وحيد وهو : أن تكوني أنت وهو في وضع مريح .
ثانياً : أما عدد الرضعات فلا عد لها وتكون بحسب طلبه خاصة خلال الشهر الاول من عمره ، فيعطى الثدي عند بكائه ، ولكن للتقريب أذكرك بأن الطفل وفي شهره الأول عادة يرضع كل ثلاث ساعات وسطيا ، ثم بعد ذلك يباعد بين الرضعات شيئا فشيئا.
ثالثاً : أما بالنسبة لمدة كل رضعة ، فهي وسطيا تدوم حوال(15) دقيقة قد تطول أحيانا الى (20) دقيقة ، وهنا اذكرك بأمرين هامين :
1. في كل رضعة ، يجب اعطاء كلا الثديين ، ولكن لاتعطيه الثدي الثاني قبل أن يفرغ الثدي الأول تماما، حيث أن هناك موادا دسمة موجودة في نهاية الرضعة ان لم يفرغ الرضيع الثدي تماما فلن يستفيد منها ، وبالتالي يشعر باستمرار حس الجوع ، وكثيرا ما تقول الامهات خطأ أن حليبهن غير كاف فاما أن يعطين حليبا اصطناعيا مع حليبهن واما ، وهذا المؤسف ، أن يوقفن ارضاعهن.
2. أن تناوبي بين الثديين ، فان أعطيته في هذه الرضعة ، الثدي الأيمن وأنهيتها بالايسر ، ففي الرضعة المقبلة ، تبدأين بالايسر وتنهين بالأيمن .
فيجب أن تعلمي أن الإرضاع ينجح اذا توفرت الشروط الأربعة التالية :
الأول : أن تتخذي قرار الارضاع أثناء الحمل : وذلك عن معرفة واقتناع ، كأن تقرأي عن فوائد الارضاع وأهميته ، وأن تسألي أمك أو أختك أو جارتك ممن أرضعن قبلك عن تجاربهن وخبرتهن ، ثم تكونين فكرة واضحة وتقررين عن دراية ومعرفة واقتناع بأنك سوف ترضعين طفلك ، وهذه هي النقطة الاساسية في نجاح عملية الارضاع ، أما أن يصل الحمل الى نهايته وأنت لازال قرارك غير واضح بهذا الشأن ، فاعلمي أن الارضاع وان بدأته بعيد الولادة ، فلن يستمر في غالب الاحيان.
الثاني : التحضير الجيد للثديين قبل الولادة : وخاصة خلال الشهرين الأخيرين ، وذلك بالعناية بنظافتهما ، واستعمال حاملة ثدي (صدارة) غير ضيقة ومن نسيج قطني ناعم وطري ، وكذلك باجراء من وقت لآخر تمسيد لطيف وخفيف للثديين والحلمتين لاخراج بضع قطرات من الحليب (اللبأ) مما يساعد على فتح الأقنية الحليبة وتحضيرها لعملية الارضاع .
الثالث : الرضعة الاولى يجب أن تكون مبكرة : وقبل مضي (3) ساعات من حياة الوليد ، حيث أن هذه الرضعة المبكرة تساعد على افراز الحليب وافراغه.
الرابع : أن تكون تغذيتك متوازنة أثناء الحمل وكذلك أثناء الارضاع : فالوجبات يجب أن تكون منتظمة المواعيد ، تحوي كمية كبيرة من الحليب والماء وقليلا من العصائر ، وغنية بالخضار والفواكه واللحوم البيضاء كالدجاج والسمك . وحذاري ... حذاري من التدخين.
الفطام : هو التوقف النهائي عن الارضاع ، ولابد في الفطام من مراعاة الامرين التاليين :
الأول : أن لايحدث قبل الشهر السادس من عمر الوليد : فلاينال الوليد كمية كافية من العوامل المناعية ،الا بارضاعه على أقل تقدير مدة (6) أشهر .
وأما الثاني : هو ألا يحدث الفطام فجأة : ولذلك يجب أ ن يحدث الفطام تدريجيا ، وذلك بالبدء بتنويع غذاء الرضيع منذ الشهر السادس وذلك بادخال الفواكه ، وفي الشهر السابع تدخل الخضار ، وفي الشهر الثامن اللحوم البيضاء وصفار البيض ، وفي الشهر التاسع من الممكن ادخال اي نوع من الاطعمة دون استثناء ما عدا بياض البيض الذي يجب أن يؤخر الى ما بعد السنة الاولى بسبب ما يمكن أن يحدثه من حساسية غذائية . خلال هذه الفترة يصار الى انقاص الرضعات الى رضعتين واحدة في الصباح والاخرى في المساء ، ثم ان حدث الفطام بعد الشهر التاسع فلابأس ، مع أنه يفضل الاستمرار باعطاء رضعة الى اثنتين الى نهاية السنة الثانية كما ورد في القرآن الكريم ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة...البقرة 233 ) وفي سورة أخرى ( ... ووصينا الانسان بوالديه ، حملته أمه وهناً على وهن ، وفصاله في عامين ... لقمان 14 ) ، وصرح به كذلك الكثير من أساتذة التغذية في الغرب .
والنصيحة الأخيرة : لاتتناولي أي دواء وأنت مرضع الا بعد استشارة الطبيب ، فكثير من الأدوية تمر عبر حليبك الى وليدك وتؤذي أعضاءه وأجهزته . وأخيرا أرضعيه ... أرضعيه ولو بماء عينيك .