من منا لم يسمع عن مرض الحصبة، ومن منا لم يسلم من شر هذا المرض.
ففي الماضي القريب كان مرض الحصبة يمثل وحشًا كاسرًا. فلم يترك بيتا إلا وطرقه. ولا شارعا إلا وهاجمه. فلقد كان مرض الحصبة من أحد أهم الأسباب لوفيات الأطفال في السابق. ولكن ماذا حدث الآن وهل أمكن السيطرة عليه. مرض الحصبة أو كما يسمى ( الروبيولا RUBEOLA) يعتبر من الأمراض المعدية الخطيرة والتي تصيب الأطفال غالبًا في سن المدرسة أو قبلها كما يصيب الكبار أحيانا. وتظهر أعراض المرض الذي ينتقل عن طريق مخالطة المريض أو السعال أو الرذاذ على هيئة رشح أو زكام أو( نشلة) تستمر لعدة أيام ثم يظهر الطفح الجلدي الذي يميز المرض على الجسم كله ويستمر لأكثر من أسبوع يختفي بعدها تاركا أثرا على الجلد قد يطول لأسابيع عديدة.
ولكن مشكلة المرض تتمثل في مضاعفاته التي قد تمتد لتصيب الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي وأيضا المخ. وقد تنتج الوفاة إذا ما عولجت مضاعفاته. هذا ومازال المرض يشكل نسبة وفيات بالعالم تقدر بحوالي المليون وفاة سنويا. وذلك بالرغم من توفر الطعم الواقي من المرض منذ العام 1963.
وتحاول منظمة الصحة العالمية الوصول إلى هدف أعلنته سابقا بتغطية 90% من أطفال العالم بطعم الحصبة مع نهاية العام 2000. كما تقوم المنظمة بمحاولة إنهاء مشكلة مرض الحصبة والسيطرة عليها بمنطقة حوض البخر الأبيض المتوسط بحلول العام 2010 بعد أن تمت السيطرة علي المرض بالولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية.
أما في دولة الكويت فقد انخفضت معدلات الإصابة انخفاضا كبيرا وملحوظا خلال الثلاثين عاما الماضية. ولقد سجلت دولة الكويت معدل إصابة وصل إلى 245 حالة لكل مائة ألف في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات وانخفضت تلك المعدلات إلى أن وصلت الآن إلى أقل من 5 حالات لكل مائة ألف (أي انخفاض يقدر بحوالي 98 %) حسب إحصائيات وحدة مكافحة الأوبئة بدولة الكويت. كما وأن معدلات الوفيات قد انخفضت بنسبة 100% ولم تحدث حالة وفاة واحدة من جراء المرض منذ العام 1987.
ولكن ما السبب الحقيقي وراء انخفاض معدلات الاصابة بدولة الكويت؟
إن الاهتمام الواضح الذي توليه الدولة متمثلة في وزارة الصحة بصحة أطفالنا وخاصة فيما يختص بالتطعيم والذي يعتبر الدرع الواقي من أمراض الطفولة المعدية الخطيرة والتي كانت تودي بحياة أطفالنا في الماضي. قد كان لهذا الاهتمام الأثر الواضح في رفع معدلات التطعيم ضد مرض الحصبة من 40% عام 1980 إلى ما يقارب 99 % العام الماضي.
ويتم إعطاء طعم الحصبة بدولة الكويت عند عمر السنة مع طعم الحصبة الألمانية والنكاف ويسمى هذا الطعم (MMR). ويعطى هذا الطعم عند عمر السنة نظرا لأن الطفل يولد ولديه مناعة طبيعية ضد المرض نتيجة انتقال الأجسام المضادة من الأم إلى الجنين من خلال المشيمة وتظل هذه الأجسام المضادة لدى الطفل حتى يقارب عمره السنة. وللرضاعة الطبيعية أيضا أثرا كبيرا في انتقال الأجسام المناعية من حليب الأم إلى الطفل مما يزيد من مناعة الطفل ضد المرض. ومما لاشك فيه أن للرضاعة الطبيعية والتي هي هبة الخالق المخلوق أثرا كبيرا في وقاية الطفل من أغلب الأمراض المعدية الخطيرة.
هذا وقد لوحظ أن تطعيم الطفل عند عمر السنة قد لا يعطي مناعة طويلة الأجل. لذا حرصت وزارة الصحة على إعطاء جرعة منشطة من طعم الحصبة قبل دخول المدرسة. وذلك حتى يتم تنشيط الخلايا المناعية لإنتاج أجسام مضادة ضد المرض تعطي مناعة طويلة الأمد.
وبالإضافة إلى أن طعم الحصبة يعطي مناعة ضد المرض قد تطول العمر كله, فلقد أثبت العلماء أيضا أن الطعم يقلل من نسبة حدوث الإسهال عند الأطفال وبالتالي يقلل من المعدل العام لوفيات الأطفال.
والآن وقد ندر التحدث عن الخوف الناشئ عن هذا المرض,فلا يكاد الجيل الحالي يسمع عنه كما كان يسمع عنه ويخاف منه ويعمل له ألف حساب جيل العقود الثلاثة الماضية. فلقد من الله علينا بنعمة التطعيم ووفرت الدولة ما يغطي كافة مراكزها بالطعوم الواقية. فنصيحة إلى كل أب وأم. لا تتردد في زيارة مراكز الصحة الوقائية المنتشرة في جميع أرجاء البلاد لتطعيم أبنائك وبناتك حسب المواعيد المقررة من قبل الوزارة. فكما تهتم الدولة بصحة أبنائنا يجب منا أيضا أن نستجيب لتعليمات الأطباء والمختصين فيما يختص بصحة أبنائنا، زهور الحاضر وأمل المستقبل.