من بين ما ينسب إلى العرب من إنجازات إبان عصرهم الذهبي قبل أكثر من ألف سنة، هو ما يعرف بالأرقام العربية. تلك الأرقام التي شاعت في العالم أجمع تقريبا حيث تستخدم اليوم، وتعتبر رمزا من رموز العولمة حالها حال المقاييس والمكاييل وأجهزة التوصيل الكهربائية وأدوات فك وربط الأجهزة وأنظمة المرور وغيرها، رغم بعض الإختلافات في بريطانيا ومنظومتها من بعض مستعمراتها السابقة.

      والمقصود بالأرقام العربية هي التي تكتب بالأشكال التالية: (4،3،2،1،0 ... الخ)، وليس تلك التي تقابلها عادة وتعرف بالأرقام الهندية وأشكالها: ( ۰ ۱ ۲ ۳ ٤ ٥ ....الخ). وتختلف قليلا عن تلك المستخدمة في البلدان الناطقة بالأوردية والفارسية (إيران وأفغانستان وباكستان).

      الأرقام الهندية التي يعتقد البعض خطأَ أنها عربية، تستخدم في بلدان المشرق العربي بما فيها مصر. بينما تسمى الأرقام العربية الشائعة خطأ عند بعض العرب بـ(الانكليزية أو الغربية)، وتستخدم في المغرب العربي خلاف المشرق، يجمع العالم على تسميتها بالأرقام العربية (Arabic Numbers)، وباللغة الهولندية (Arabische Cijfers)، وتلفظ بالهولندية (ارابيشه سايفرز). وسايفرز التي تعني أرقام مفردها سايفر، مأخوذة أصلا من الرقم (صِفر) بالعربية.

      والأرقام المنسوبة إلى العرب (الأرقام العربية)، هي الأخرى عليها جدل يتعلق بأصولها فهناك فريق ينسبها إلى الهند، منهم بعض المؤرخين والعلماء العرب المتقدمين بالإضافة إلى الراهب السرياني سبيخت، وهم أحمد بن يعقوب باليعقوبي والمسعودي والبيروني وغيرهم. وباحثين لاحقين أمثال، د. احمد سليم سعيدان، وقدري طوقان وعبدالحليم منتصر وعبدالوهاب التازي، وغيرهم. ولكن بعضهم وغيرهم يتفق على أن العرب قد طوروا هذه الأرقام التي تسمى أيضا بـ(الغـُبارية) نسبة إلى طريقة كتابتها على لوح يغطى بالغبار ليتسنى سهولة الرسم عليه.

      والفريق الثاني يناقض الأول ويؤكد نسبها إلى العرب، ومن هؤلاء، د. عدنان الخطيب ود. احمد العلوي، واحمد السراج واحمد مطلوب ود. قاسم السامرائي وغيرهم. ومن بين الحجج التي يسوقها هؤلاء هو مطابقة أو مقاربة أشكالها إلى الحروف العربية بأشكالها القديمة خاصة النبطية. بل أن بعض الكتاب المغاربة خاصة حاولوا إثبات مغربيتها بالإضافة إلى عروبتها، على أساس أن من وضعها صانع زجاج مغربي. أعطى للأرقام التسعة شكلا يتعلق بعدد الزوايا في رسم كل منها: زاوية للرقم 1 زاويتين للرقم 2 وهكذا. (لاحظ الأشكال المرفقة).

ربما لا يدعم متصفحك عرض هذه الصورة.

وبعد أن بقيت التسعة والصفر كما هما، ودورنا الثمانية والستة والخمسة والأربعة والثلاثة والواحد، وقلبنا الرقم اثنان والرقم سبعة. حصلنا على الشكل التالي:

ربما لا يدعم متصفحك عرض هذه الصورة.

وبإيصال بعض هذه الأشكال بعضها ببعض، دون تغيير في الترتيب، نحصل على الشكل:

 ربما لا يدعم متصفحك عرض هذه الصورة.

وهذه جملة عربية مكتوبة بالخط الكوفي)، ويطلق هذا الإسم على كل الخطوط التي تميل إلى التربيع والهندسة)، وهي: وهدَفي حسابْ ، مع أن السكون هو الصفر.

      وهناك فريق ثالث يرجح مرجعيتها إلى الإغريق، وهم من الغرب، ولكن حججه تبدو ضعيفة.

      وترجح البحوث في هذا المجال أن أول استخدام لتلك الحروف كان في عهد خلافة أبي جعفر المنصور العباسي. وأنها بقيت تستخدم في عموم البلاد الإسلامية وقتها، حتى إنفصلت الأندلس وبعض مناطق المغرب العربي، فاستبدلت الخلافة العباسية الأرقام التي كانت سائدة بالأخرى (الهندية)، والتي بقيت إلى اليوم تستخدم في المشرق العربي.

      لقد جرت محاولات للتوحيد استخدام الأرقام في العالم العربي، ومنها "حلقة توحيد الأرقام العربية، التي عقدت في تونس، برعاية الإدارة الثقافية لجامعة الدول العربية عام 1963". لكنها لم تنجح للأسف في العودة إلى هذه الأرقام التي التصقت بالعرب مهما كانت حقيقة جذورها وأصلها وفصلها، وشاعت في الغرب منذ أدخلها لأول مرة البابا سيلفستر الثاني إلى أوربا في القرن العاشر الميلادي، لتحل محل الأرقام الرومانية المعقدة. 

      إن العودة إلى إستخدام الأرقام العربية بالنسبة لبلدان المشرق العربي، لها أهمية كبيرة في جوانب عديدة منها: التوحد في هذا الجانب مع المغرب العربي الذي يستخدم اللغة العربية لغة رسمية، مثله مثل المشرق. وهو تطابق مع أغلبية بلدان العالم التي تستخدم تلك الأرقام وتقر للعرب بالعرفان بابتكارها. وهو عودة وتصالح مع إرث ومنجز عربي خالد لا ينبغي تركه. يضاف إلى ذلك ما توفره عملية الإستخدام هذه من أهمية إقتصادية توفر الوقت والمال من خلال فك الإزدواج في إستخدام الشكلين من الأرقام (الهندية والعربية) في بلدان المشرق، خاصة في مجالات كتابة لوحات السيارات وعلامات التعريف والإعلانات والعلامات الإرشادية على الطرق ووسائل الإعلام وغيرها. وبالنتيجة فهي تقدم تسهيلات أخرى في مجالات متنوعة إضافية مثل تيسير العملية التعليمية خاصة في مجالات الحساب والعلوم الرياضية، وسهولة تعلم قراءة الوقت على الساعات التقليدية والرقمية (Digital)، وأرقام لاعبي الفرق الرياضية وأرقام الأجهزة الإلكترونية الشائعة وما إلى ذلك.

وإن فك الازدواج هذا باستخدام نوع واحد هو العربية (العالمية)، يعني توفير المال من خلال تقليص مساحات الإستخدام والوقت والحبر والألوان والوقت من خلال عملية تغيير برامج الكتابة في الكومبيوتر وغيرها.

      إننا نؤمن بالتواصل والتلاقح الحضاري بين الشعوب، وعلى أساس ذلك فإننا لا نثير هذا الموضوع بدواع شوفينية وعنصرية، بل لمجرد إثارة إشكالية تستحق التصحيح والتناول العلمي الموضوعي وتقرب بين الشعوب وتيسر حياتهم بغض النظر عن رابطة الدم والتاريخ والجغرافيا والثقافة.

   _____________________________

  مصدر الأشكال وشروحاتها: موسوعة ويكيبيديا الحرة.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية