علم البصريات هو علم الإبصار، يتصل بالإدراك الحسي للضوء، وهو فرع من الفيزياء والهندسة، ويعنى بخواص الضوء. يشرح هذا العلم كيف يمكن إنتاج الضوء، وكيف يتم انتقاله، وكيف يمكن كشفه، وكيفية قياسه واستخدامه. يُعنى علم البصريات أيضًا بدراسة الضوء المرئي، وكذلك الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية اللتين لا يمكن رؤيتهما.

وقد افترضت الفيزياء المنسوبة لأرسطو أشعة مرئية تمر عبر وسط يمتد بين العين والجسم المرئي، إلا أنه افترض أن هذه الأشعة كانت تصدرها العين بدلاً من أن تستقبلهاـ وهو افتراض كان عائقًا كبيرًا للتطوير المقبل لنظرية علم البصريات.

كما تضمن كتاب أقليدس (البصريات) بعض الملاحظات فيما يتعلق بظاهرة الانعكاس، واحتوى علم البصريات لبطليموس بعض القياسات لانكسار الضوء، لكن لا توجد ظاهرة حللت وفسرت على نحو مفيد، حتى جاء العالم المسلم الحسن بن الهيثم (القرن 6 هـ/11 م) الذي فسر ظاهرة قوس الألوان والخسوف والكسوف. وقد برع ابن الهيثم في تحليل الضوء إلى أجزائه الصغيرة، وهو الذي مهَّد للعالم نيوتن وضع نظريته في الألوان، وبين أن للضوء سرعة يقطعها في زمان محدود ومحسوس. وقد ذاعت مؤلفات ابن الهيثم في الغرب أكثر منها في الشرق في حياته، وابتدع المنهج العلمي والطرائق الاستقرائية في البصريات، كما نزع إلى تطبيق الهندسة والجبر على البصريات.

جاء روجر بيكون مستفيدًا من أعمال ابن الهيثم، وأدخل بعض التحسينات على الفهم الكلاسيكي كما فعل غاليليو الذي صمم عدة تلسكوبات لرصد الكواكب والنجوم.

وأجرى العالم الإنجليزي، السير إسحق نيوتن، تجارب على العدسات، واستخدم موشورًا لتحليل الضوء إلى ألوانه المختلفة. ووصف بالتفصيل الفصل الانكساري للضوء الأبيض إلى الألوان المكونة له، وهو تقدم مفاجئ بالغ الأهمية. وقد أوضحت تجاربه على العدسات العمليات التي بواسطتها شكلت الصور الحقيقية والتقديرية، مسهلة فهمًا أفضل لعمل العين البشرية.

لقد كانت الظاهرات البصرية، على نحو محتوم، ذات أهمية حقيقية كبيرة للفنانين البصريين الذين تمكنوا من البدء في استعمال أدوات بدائية لإسقاط الصور على الشاشة المستندة إلى أساس مبدأ الحجرة المظلمة (أو الكاميرا ذات الثقب الصغير) التي وضعها ابن الهيثم لتساعد فن الرسم في القرن الخامس عشر الخاص بهم، إلا أنها كانت مزودة بعدسات.

وقد ظهرت مناقشة مفصلة تدعم هذا الجدال أعدت في (المعرفة السرية) عام 2001 لـديفيد هوكني، إلا أن استنتاجاته بقيت مثيرة للجدل.

تقدم علم البصريات قبل نيوتن وبعده كان مرتبطًا إلى حد بعيد بتقانة صقل العدسة، وبتطور تقانة صنع الزجاج من الأصول الكلاسيكية التي وصفت من قبل بلينوس إلى نشر أسرار صناعة الزجاج الفينيسي في (فن فيتراريا) عام 1612 لأنتوني نيري.

وقد وسع حقل علم البصريات كثيرًا بعد نهاية القرن السادس عشر بفضل التطور التدريجي لسلسلة من الأدوات البصرية، تتضمن التلسكوبات والمجاهر ومناظير التحليل الطيفي، وعزز إلى مدى أبعد بتطوير التصوير الضوئي.

تفسير نيوتن للون لم يقبل في جميع الأحوال والأمكنة، وقدمت نظرية منافسة بعد ذلك بقرن من قبل رمز مركزي للرومانتيكية الألمانية هو جي. غوته، إلا أن تفسيره ثبت خطؤه.

ومع أن أدوات بصرية خاصة صورت في أحوال كثيرة في الخيال، إلا أن مسائل عامة أكثر في نظريات البصريات امتلكت إمكانية أقل للتقدير الاستقرائي الأدبي.

أسرار اللون عقدت من جديد في (قصة جون بوليكسفين) 1876 لـدبليو. إتش. روديس، وقدرت الحجرة المظلمة استقرائيًا إلى مدى أبعد في (مسبب الانحراف المخروطي الهوائي) 1881 لـروبرت دونكان ميلن، إلا أن الصنف الفرعي الأكثر إنتاجًا من الخيال التأملي، المتعلق بعلم البصريات الذي انبثق في القرن التاسع عشر كان ذاك الذي يبحث في التعزيزات الافتراضية لقوة البصر، سواء بمقتضى فلتات الطبيعة كما في (العين التلسكوبية) عام 1876 لـدبليو. إتش. روديس، و(الحالة الاستثنائية لعيون ديفديسون) عام 1895 لـهربرت ويلز، و(عالم آخر) لـجي. إتش. روزني أني عام 1895، أو بواسطة أدوات بصرية افتراضية.

كل من هاتين النظريتين كان لهما سابقات مهمة في الخيال الخارق للطبيعة، في خرافات "البصر الإضافي" والأدوات السحرية - التي تتخيل في أحوال كثيرة كـ "كرات بلورية" متيحة الفرصة للمشاهدة البعيدة، وإن الانتقال إلى الخيال التأملي كثيرًا ما دفع إلى الأمام موضوعات مماثلة، كما في أعمال انتقالية مثل (النظارة المقربة لهانس شناب) لإريكمان تشاتريان عام 1859.

ومع أن (مكشاف التاريخ) لإيوجين موتون عام 1883 زودت بعناية بأساس منطقي مقتبس من كاميل فلاماريون، والمشاهدات التي صنعت بواسطة الأداة توضع ضمن سياق التاريخ الأكاديمي، إلا أنها تحتفظ بمنافاة للعقل وهازلة تشاهد كثيرًا في زيارات أدبية معاصرة ثانية للموضوعات الخارقة للطبيعة، ويعد (منظار تحليل طيفي جديد) لـوليم ويت هاو مدركًا جيدًا لاتحاداته الخارقة للطبيعة.

الرمز إلى البصر المزاد بوصفه "عين ثالثة" احتوى أيضًا على أصل خارق للطبيعة، اكتسب فرصة جديدة للعيش في انبعاث السحر والتنجيم في القرن التاسع عشر، وقاد إلى اتخاذ أحادي العين cycloptic eye كرمز رئيس للتنوير التخيلي من قبل أصحاب المذهب السريالي.

إنتاج هذه الأعمال تزامن مع الوعي المتزايد بحقيقة أن ما تراه العين هو منشأ عقلي بدلاً من مجرد انعكاس لتجميع من الأشياء الخارجية، وإن عملية إنشائه يمكن خداعها، منتجة بالتالي "توهمات بصرية" مثل أشياء وهمية، وأمثلتها الشهيرة أكثر تتضمن شبح بروكن، والسراب، التي أثارت دائمًا اهتمامًا أدبيًا.

أجهزة تقانية مثل الـزيتروب أنتجت لاستخدام ظاهرة "استمرار الرؤيا" حتى تنتج وهمًا بالحركة من سلسلة من الصور الثابتة، في حين طورت استعمالات لإظهار الفجوة غير المدركة في الحقل المرئي المرافقة للـ "نقطة العمياء" التي ينبثق عندها العصب البصري من الشبكية.

وفي حين أن التأثير الأول لا يزال يدمج في تقانة السينما، فإن التأثيرات الإدراكية الحسية لتمدد الزمن تم تحريها في قصص مثل (آلة الزمن) عام 1895 لـهربرت ويلز، و(المسرّع الجديد) عام 1901، و(الظل والوميض) عام 1903 لـجاك لندن، وأعمال في الفن مثل (دينامية كلب في رسن) و(إيقاعات قوس كمان)، كلاهما عام 1912 لـجياكومو بالا.

من ناحية أخرى، لقد كان وسط السينما هو الذي أصبح في آخر الأمر الوسط الطبيعي لإيواء التوهمات البصرية وتقديرها استقرائيًا في الخيال.

اكتشاف الأشعة السينية في عام 1895 أضاف مادة جديدة للتعزيزات التأملية للبصر، والصدوع الواضحة في مقبوليتها الظاهرية المبنية على العقل تم الاستعاضة عنها بيسر بالمقبولية الظاهرية النفسية والجاذبية الملازمة للنظرية.

روايات بارزة عن الرؤية بأشعة سينية تتضمن الأعمال الآتية: (سر لوسين ديلورم) لـجاي دي تيراموند عام 1914، و(النظارات المذهلة) عام 1931 لـنويل غودبر، و(الرجل ذو عيون الأشعة السينية) 1933 لإدموند هاملتون، وقد أنتج كفيلم بعنوان (الرجل ذو عيون الأشعة السينية) عام 1963.

روايات مقيدة أكثر ظهرت في القرن العشرين عن الرؤية المزادة تتضمن (الرجل المزيف) لموريس رينارد عام 1921، و(الرجل ذو العيون رباعية الأبعاد) عام 1935 لـليزلي ستون، و(الرؤية الغريبة) عام 1937 لإياندو بيندر، و(المؤرخ الإخباري) عام 1946 لآي. فان غوت، و(ضوء ليليت) عام 1961 لـجي. ماك دونالد واليس، و(الساعة الثامنة صباحًا) لراي نيلسون عام 1963 [أنتج كفيلم عام 1988 بعنوان: إنهم يعيشون].

إحدى تقانات زيادة البصر الفعلية، مثل تزويد الأشخاص العميان بكلاب مرشدة، قدّرت استقرائيًا في قصص كثيرة عن ذكاء معزز صنعيًا، إلا أن هذه القصص نادرًا ما أعارت اهتمامها للأوجه البصرية من التعويض، ويعد (كلب العين المبصرة) عام 1956 لـدانيال غالوي استثناءً نادرًا.

ثمة مادة بسيطة على نحو مبدع في التقانة البصرية الافتراضية، "الزجاج البطيء" يستغرق الضوء عبره سنوات ليعمر، طورت من قبل بوب شاو في (ضوء الأيام الأخرى) عام 1966، وقصص أخرى جمعت في (أيام أخرى، عيون أخرى) عام 1972 المكونة من عناصر مختلفة. لقد قدر كتاب الخيال العلمي استقرائيًا أيضًا نظرية "الإدراك الحسي دون الوعي" التي أصبحت مطابقة للزي الحديث في ستينيات القرن العشرين، مع إشاعة أن إطارات مفردةً مدخلةً في عروض الصور المتحركة على الشاشة السينمائية أو الأفلام المذاعة بالتلفزيون يمكن أن تثير استجابات قائمة وراء نطاق الوعي حتى لو أنه لا يمكن إدراكها على نحو واعٍ.

القصص البارزة من هذا النوع تضمنت (إنسان عامل وراء نطاق الوعي) عام 1963 لجي. جي. بالارد، و(المتسامي) عام 1965 لـكيث روبرتس.

هيمنة موضوع الرؤيا المزادة ضمن الخيال التأملي ذي الصلة الوثيقة بالموضوع أصبحت بارزة أكثر أيضًا، من ناحية أخرى، عندما اكتسبت هذه الأفكار مقبولية ظاهرية جديدة في العقود الأخيرة من القرن، وعندما أصبحت نظرية استعمال أنواع بارعة كثيرة من النسج العصبية المزروعة مقبولة ظاهريًا أكثر.

القصص التي أفادت من هذه المقبولية الظاهرية الإضافية تضمنت (مجال الرؤيا) عام 1973 لـكي. لي غوين، و(لنرَ النجوم التي تبهر) عام 1977 لـباتريك ميلتون وجوزيف غرين، و(ألوان الروح) عام 2000 لـسيان ماك مولن، و(المهتدي) عام 2002 لـسيمون إنغز، إلا أن التطوير الرئيس كان التقدير الاستقرائي لتقانات تسهل التجربة البصرية لسيبرسبيس وتأسيس "حضور عن بعد" ضمن الواقع الافتراضي والبيئات الفعلية.

 

وأعتقد أنه ما لم يخطر ببال كتاب الخيال العلمي هو التقنية التي ظهرت مؤخرًا، والتي تتيح مساعدة فاقدي البصر على الرؤية من خلال عضلة اللسان، والتي تعزز الاتجاه المعاكس في الكتابة، أي ظهور تقانات تولد خيالاً علميًا جديدًا.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية