أخذت السجائر الإلكترونية بالانتشار الواسع على الرغم مما يشاع عن كونها مشابهة في تأثيرها إلى حد قريب للسجائر العادية. من جهة أخرى يروج المصنعون ومستخدمو هذا النوع من السجائر كونها أقل ضررا وقد تساعد إلى حد ما في الإقلاع عن التدخين. وأصدرت الكثير من الدول قوانين تحدد استعمال وبيع هذا النوع من السجائر، بل وضع تحذيرات مشابهة لما يكتب على علب السجائر العادية، وبالمقابل منعت دول أخرى نهائيا ترويج وبيع السجائر الإلكترونية.
في البدء لابد من الإشارة إلى أن جميع الدراسات المتعلقة بالتدخين تشير إلى أن تدخين التبغ بجميع أشكاله سواء أكان سيجارة أم نرجيلة يمثل عامل خطر مستقل مرتبط بالكثير من الأمراض كالسرطان وأمراض القلب والجهاز التنفسي ومشاكل الأسنان والجلد والخصوبة والمناعة. ونتيجة للإدمان على التبغ الناتج عن احتوائه على مادة النيكوتين وصعوبة الإقلاع التي تتكلل بالفشل في ما يزيد عن 75 % من المدخنين، فقد طورت شركات الأدوية الكثير من الأدوية للمساعدة على الإقلاع عن التدخين، منها ما يحتوي على النيكوتين كبديل عن السجائر أو مواد دوائية فعالة أخرى تساعد المدخن على ترك تدخين السجائر، والذي لابد أن يرافَق ببرنامج خاص للإقلاع عن التدخين مصحوب برغبة وإرادة حقيقية لترك التدخين.
ومع تطور التقنيات ومحاولة إيجاد وسائل ناجحة للإقلاع عن التدخين، بدأنا نسمع عن السيجارة الإلكترونية، التي جاءت على يد صيدلاني صيني قبل أكثر من عقد من الزمن، وهي تحتوي على كمية من النيكوتين، وهو المادة الرئيسة المسببة للإدمان على السجائر؛ للتعويض عن النقص الناتج عن التوقف عن التدخين، وكذلك توفر العامل النفسي المرتبط بالرغبة في التدخين وحمل السيجارة خصوصا عند الشباب، وبالتالي تساعد في الإقلاع عن تدخين السجائر التقليدية. لكن من جهة أخرى فقد يبقى المدخن مرتبطا بهذه السيجارة التي أشارت الكثير من الدراسات الحديثة إلى ارتباط مدخنيها بها، وبالتالي عدم الإقلاع عن النيكوتين بشكل كامل. كما ذكرت دراسات أخرى أنها أقل خطرا نتيجة عدم إطلاق اولاوكسيد الكاربون والمواد الأخرى المرتبطة بالتدخين، ولكنها تحتوي على النيكوتين الذي يشكل خطرا لا يمكن إغفاله، والذي قد يؤدي إلى الإدمان على نوع من السجائر، واستمرار المشاكل الصحية المتعلقة بهذه المادة، كما أن هذه السيجارة قد تحمل أخطارا سوف يتم الكشف عنها في المستقبل والتي قد تنتج بشكل رئيس عن المواد التي تستعمل في هذه السيجارة.
ما السيجارة الإلكترونية
أساس عمل السيجارة الإلكترونية يقوم على تبخير محلول السيجارة من خلال الموجات فوق الصوتية المنتَجة عن طريق جهاز كهروضغطي أو من خلال بخاخ يحتوي على المحلول يتم تسخينه عن طريق ملف إلكتروني موجود داخل البخاخ. يتألف هذا المحلول من مواد الجلسرين النباتي والبروبيلينجليكولpropylene glycolsolution، كما قد تضاف معطرات ونكهات مصنعة أو طبيعية، مع نسب مختلفة من النيكوتين (كمية مابين صفر إلى ٢٤ ملغرام لكل مللتر من السائل، ليتناسب مع اختيار الذين يودون الإقلاع عن التدخين ومستوى إدمانهم). علما أن أغلب المواد المستخدمة في صناعة هذا النوع من السجائر من قبل الشركات المعتمدة مصرح بها للاستخدام في المنتجات العلاجية والغذائية.
التصريح
الكثير من دول العالم لم تصرح ببيع السجارة الإلكترونية في أسواقها، وذلك للكثير من الأسباب منها عدم وجود دراسات كافية تعزز دور هذه الآلة في مكافحة التدخين أو عدم معرفة المشاكل المرتبطة بهذا النوع من السجائر. في المقابل صرحت دول أخرى ببيع هذه السجائر ولكن بعد جدل طويل حولها، وتم تصنيفها ضمن "منتجات التبغ" الضارة بصحة الفرد والمجتمع، وتطبيق القيود المفروضة على السجائر التقليدية وغيرها من مشتقات ومنتجات التبغ مثل السيجار والغليون والنرجيلة وغيرها، ولا يصرح ببيعها لمن هم دون سن 18 سنة. والبلاد التي تسمح بيعها حتى الآن هي الصين، والولايات المتحدة الأمريكية (ليس جميع الولايات)، وبريطانيا، وفرنسا، وفنلندا، ومصر، ولبنان، وهولندا، والسويد، وبلجيكا، وتركيا، وإيطاليا، علما أن القائمة آخذه في الازدياد. بالإضافة إلى أن بعض الدول الأخرى قد سمحت بتسويقها ولكن على أن تكون خالية من النيكوتين أو تحتوي نسبا محددة من هذه المادة. ولكن في المقابل الكثير من القوانين المنظمة لبيع هذه السجائر تصدر لتحديد عملية بيعها ومن هم الأشخاص غير المسموح لهم باستعمالها. يضاف إلى ذلك فرض رقابة على الدعايات الخاصة بهذا النوع من السجائر، كما أن الكثير من الدول طلبت من الشركات المسوقة وضع تحذيرات لخطر هذه السيجارة على الصحة كما توضع على السجائر العادية. كما أن تدخين هذا النوع من السجائر محظور بشكل عام في الأماكن العامة مثل المطاعم والمواصلات العامة والمستشفيات والأسواق والمطارات والطائرات في الكثير من الدول، بسبب عدم معرفة تأثيراتها السلبية على الصحة العامة وعدم وجود دليل قوي على سلامة استعمالها. كما يمنع بيعها إلى الأحداث والشباب دون 18 سنة.
ويجب عدم الخلط بين منتج وافقت عليه منظمة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) وبين السيجارة الإلكترونية، والذي يشابه في طريقة عمله البخاخ المستعمل لعلاج مرضى الربو، ولا توجد فيه وسيلة تسخين، ولا يصدر بخارا كما يحدث مع السيجارة الإلكترونية، لكنه يحتوي على النيكوتين للمساعدة على الإقلاع عن التدخين، وهو منتج طبي يجب صرفه تحت إشراف طبي للراغبين في الإقلاع عن التدخين.
هل هي البديل
سرعان ما بدأ هذا النوع من السجائر يأخذ مكانه في الأسواق بفضل الحملات التسويقية لغرض الربح المادي، والإعلانات التي تحث على استعماله كبديل صحي للسجائر العادية للمساعدة على الإقلاع عن التدخين، والذي يتيح لمستخدمه التحكم في نسبة النيكوتين، فضلا عن كون هذه السجائر ذات رائحة زكية تختفي بسرعة، ولا تترك رائحة سيئة في الملابس والأثاث، ويمكن استخدامها تقريبا في أي مكان حتى الأماكن المغلقة، ولا تنتج رمادا ولا بقايا، ولا تحتوي على ثاني أكسيد الكربون وبعض المواد الخطيرة التي تدخل في تركيبة السيجارة العادية مثل التبغ والقطران، كما لا تؤذي الآخرين بالتدخين السلبي، الذي ينتج عن تنفس المحيطين بالمدخن لدخان السيجارة، وبذلك لاتؤدي إلى مشاكل للآخرين.
وقد ازداد اللغط على هذا الموضوع عندما قدمت شركات تسويق هذه المنتجات على كون المنتج صحيا ولا يحمل أضرارا أو أي مشاكل تتعلق بالصحة مقارنة مع السجائر التقليدية. كما قد عرضت هذه المنتجات قبل سنوات في الكثير من معارض المنتجات الصحية حول دول العالم. وقد ذهب البعض إلى توفير هذه السيجارة كبديل في المحلات الصحية كالصيدليات، وأن يقوم الأطباء بوصفها للمساعدة على الإقلاع عن التدخين. ومن ناحية أخرى قد يحتاج إلى الإجابة عن السؤال التالي: ماهي مصداقية العاملين في مجال الرعاية الصحية لو تم تسويق مثل هذه المنتجات عن طريقهم أو بمساعدتهم، ومن ثم أثبتت الأبحاث وجود أضرار صحية لا تقل عن ما يحمله التدخين التقليدي!!! وهل ستكون تبعات قانونية مستقبلا لو حدث مثل هذا الأمر!!!
تهديد تجارة السجائر
إن زيادة استهلاك هذا النوع من السجائر يمثل تهديدا حقيقيا للكثير من شركات السجائر التي قد تعمل بشكل كبير للحد من هذا الانتشار، وبالفعل فإن الكثير من الإشاعات التي ترتبط بمساوئ السجائر الإلكترونية، والتي قد يكون مصدرها الشركات المنافسة، هي من دون وجود دليل مسند بدراسة علمية. من جهة أخرى فان عدم وجود دعم حقيقي متمثل في أبحاث ودراسات لتقييم الفوائد والمضار المرتبطة بالتدخين أو التحول من تدخين السجائر التقليدية إلى هذا النوع من السجائر قد يكون عاملا مهما في الحد من انتشارها.
وبشكل عام فإن السيجارة الإلكترونية أرخص ثمنا من السجائر التقليدية بشكل عام على المدى القصير (أكثر من أسبوع مثلا)، حتى مع الأنواع المستخدم في صناعتها مواد طبيعية. وقد يجعلها سعرها منافسا قد يطيح بالسيجارة التقليدية من قمة المبيعات. لذلك فقد قامت الكثير من شركات السجائر التقليدية بدخول المنافسة من خلال إنتاج السجائر الإلكترونية بنفسها، وذلك للحصول على حصة من سوق هذه الوسيلة في حال ازدهاره. وحاليا توجد مئات الأنواع والشركات المنتجة لهذا النوع من السجائر، وانتشرت الآلاف من محلات بيع هذه السجائر في الدول المرخص تسويقها فيها.
زيادة الاستخدام
وفقا لتقرير مركز الأمراض والسيطرة في الولايات المتحدة الأميركية فقد تبين أن استخدام السجائر الإلكترونية في المدارس الثانوية قد تضاعف في الأعوام الأخيرة، مما يعني أن طلبة المدارس معرضون للإدمان عليها، اعتقادا منهم أنها أكثر أمانا من السجائر العادية. كما تشير الدراسات الصحية البريطانية الحديثة المتعلقة بهذا الموضوع إلى أن عدد مستخدمي هذا النوع من السجائر قد زاد عن الثلاثة ملايين مستخدم في المملكة المتحدة، والذي يمثل حصة كبيرة من سوق السجائر التقليدية، فيكاد لا يخلو سوق أو مركز تجاري حاليا في المملكة المتحدة من محل لبيع هذا النوع من السجائر.
من جهة أخرى فان المؤشرات الاقتصادية تبين أن مبيعات مثل هذه السجائر عالميا قد ازداد في السنوات الأخيرة ووصل إلى ما يزيد عن سبعة مليارات دولار سنويا، وأن هذه المبيعات آخذه بالزيادة بشكل كبير وسريع. ولعل أحد أسباب هذا الازدهار هو حظر تدخين السجائر التقليدية في الأماكن العامة؛ مما يجعل السجائر الإلكترونية بديلا على الرغم من منع تدخينها في الفترة الأخيرة في الأماكن العامة. بالإضافة إلى زيادة الوعي الصحي ومحاولة المدخنين الحصول على بديل يحمل أضرارا أقل على الصحة.
المساعدة على الأقلاع عن التدخين
تتضارب الدراسات في كون هذا النوع من السجائر مفيدا للإقلاع عن التدخين بشكل عام. فقد أشارت دراسة حديثة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن السيجارة الإلكترونية ليست على ما يبدو فعالة بشكل كبير في المساعدة على الإقلاع عن التدخين، مشيرة إلى أن مستخدمي هذا النوع من المنتجات لا يتخلون عن التدخين أكثر من باقي المدخنين. وأشار الباحثون في الدراسة التي نشرت نتائجها في مجلة جمعية طب الأطفال الأمريكية إلى أن هذه النتيجة تعزز ما توصلت إليه الأبحاث السابقة التي أظهرت أن هذه السيجارة لا تقدم أي مساعدة خاصة في وقف التدخين خلافا لما يروج له مصنعوها. وقد تم دراسة بيانات 949 مدخنا، استطاع 13.5% منهم الإقلاع عن التدخين خلال سنة. وقد بينت الدراسة أن مستخدمي السجائر الإلكترونية لم يكونوا أكثر عددا في التوقف عن التدخين.
ولا تزال منظمة الصحة العالمية تبدي تحفظات إزاء استهلاك هذا النوع من السجائر التي لم تثبت بعد فعاليتها في مساعدة المدخن على الإقلاع عن التدخين. وتصنفها بعض المؤسسات المسؤولة عن تنظيم القوانين المتعلقة بالسجائر على أنها مواد كيميائية يجب مراقبتها ومعرفة أضرارها قبل التصريح بتداولها بشكل كبير. كما قد تؤدي إلى إغراء اليافعين ببدء التدخين على أساس أنها أقل ضررا صحيا.
وفي الجهة المقابلة أشارت بعض الدراسات التي أجريت في بريطانيا وإيطاليا إلى أن التحول إلى استهلاك هذا النوع من السجائر أدى إلى إقلاع المدخنين بصورة أسرع عن تدخين السجائر التقليدية. كما مكن أعدادا كبيرة من المدخنين الذين فشلوا في محاولات سابقة للإقلاع عن التدخين من تقليل عدد السجائر المستهلكة يوميا خلال الستة شهور الأولى، وأن عدد المقلعين نهائيا كان بينا مع متابعة صحية مستمرة. وهناك الكثير من الدعوات إلى إدراج هذا النوع للمساعدة على الإقلاع عن التدخين، كأحد البدائل الصحية وأن يتم تحت إشراف طبي مباشر ومستمر.
أسباب التأييد
هناك أصوات متصاعدة من المختصين في الأمراض المرتبطة بالتدخين على أن منظمة الصحة العالمية ينبغي أن تشجع على استهلاك السجائر الإلكترونية كبديل عن السجائر التقليدية، وإطلاق العنان لهذا النوع من السجائر ومنتجات التبغ بلا دخان بدلا من السعي إلى الحد منها بغية تخفيف الأضرار الناجمة عن التدخين. وجاءت هذه الدعوة استنادا على أن قدرة هذه المنتجات على تخفيض الأمراض الناجمة عن إدمان التبغ كبيرة جدا، وأشاروا إلى أهمية هذا الابتكار في مجال الصحة.
وقد أشارت دراسة فرنسية إلى قبول عام بين مستخدمي هذا النوع من السجائر، وتسجيل نجاح في التقليل من التدخين عند المستخدمين ونسبة أعلى على الإقلاع عن التدخين، على الرغم من كون الإقلاع قد يكون وقتيا، أي أن هناك احتمالية العودة إلى التدخين. واستهدفت هذه الدراسة الأشخاص الذين ليس لهم نية في الإقلاع، وبعد عام من بداية التجربة أقلع 13% من مستخدمي السيجارة الإلكترونية، مقابل 4% تناولوا سيجارة مزيفة. وتقلل السيجارة الإلكترونية بشكل عام من أعراض الإقلاع عن التدخين مثل حدة المزاج ومشكلات النوم وزيادة الوزن وفقدان الصبر.
كما يرى بعض المصنعين والمسؤولين عن تسويق هذا النوع من السجائر أنها قد لا تختلف كثيرا عن العلكة أو اللصقة التي تحتوي على النيكوتين، واللتين توصفان للمساعدة على الإقلاع عن التدخين. وقد تكون أرخص ثمنا وأنسب للكثيرين وخصوصا أنها قد تغطي على العامل النفسي المرتبط بطريقة حمل السيجارة العادية وتدخينها والتي تكون أحد أسباب جذب المدخنين إليها، وخصوصا عند اليافعين والشباب.
أسباب الرفض
تكثر أسباب رفض استخدام وتعميم تدخين السجائر الإلكترونية، وإلى الآن لا يوجد العدد الكافي من الأبحاث والدراسات السريرية الرصينة التي يمكن أن تدعم أي رأي رافض أو مؤيد لاستخدامها بشكل قطعي. وبشكل عام فإن السيجارة الإلكترونية تصنف كبديل للسيجارة التقليدية أو وسيلة للمتعة وليست كوسيلة للإقلاع عن التدخين.
و أشارت دراسات عدة إلى احتمال تأثير هذه السجائر السلبي على صحة الجهاز التنفسي، بالإضافة إلى أنها قد تشجّع مَن توقّف عن التدخين إلى العودة إليه ثانية. ولا تنصح جمعية السرطان وجمعية أمراض الصدر في أميركا بشكل عام باستخدام السجائر الإلكترونية، مشددةً على أن الشخص يعتبر مدخنا طالما أنه يستنشق النيكوتين سواء أعن طريق البخار أم الدخان. ويشير العاملون في مجال الصحة إلى ضرورة إجراء دراسات أخرى لمعرفة كافة التأثيرات السلبية لهذه السجائر على الصحة بشكل دقيق. وينصح من يودون الإقلاع عن التدخين باستخدام لصقات النيكوتين أو العلكة الحاوية عليه لتعويض الحاجة لهذه المادة وعدم اللجوء إلى السيجارة الإلكترونية.
ويرى بعض المتخصصين في مجال أمراض الرئة أن المعطيات العلمية المتوافرة حتى الآن ليست كافية لنصح المدخنين للتحول إلى استخدام السيجارة الإلكترونية. بالإضافة إلى عدم وجود أي دراسة متخصصة لتحليل تأثير استنشاق مادة بروبيلينغليكول أو الملونات المستخدمة على المدى الطويل. وتعتبر السيجارة إلى حد الآن من منتجات الاستهلاك العام ولا تخضع للرقابة الصحية. وقد يبدي بعض العاملين في المجال الصحي تحفظا على تسويق السيجارة الإلكترونية من خلال الصيدليات أو المراكز الصحية لكونها تحمل خطرا متمثلا في النيكوتين والقابلية على الإدمان، وأن الصيدليات لا يمكن أن تنصح أو تسوق لمواد تشكل خطورة على صحة الناس.
فرصة للإدمان
سجلت الكثير من الدراسات وجود إقبال كبير من قبل مختلف الفئات العمرية، ذكورا وإناثا، على تدخين السيجارة الإلكترونية، دافعهم لذلك الرغبة في الإقلاع عن التدخين، أو بكل بساطة خوض تجربة جديدة، أو التقليد عند اليافعين. وقد ينصح بعض الأطباء الراغبين من المدخنين في الإقلاع عن التدخين باستبدال السيجارة الإلكترونية بالتقليدية تمهيدا للتوقف عن التدخين، بالنظر لتحكم الزبون في نسبة النيكوتين التي سيدخنها وإمكانية تقليص عدد السجائر المستهلكة في اليوم. وإذا كانت هذه الفكرة مشجعة لبعض المدخنين، فإن خطورة المنتوج الجديد تكمن في كونه يتيح للمستعمل اختيار الجرعة التي يشاؤها من النيكوتين.
وتصف بعض الجهات المسوقة للسيجارة الإلكترونية هذا المنتج، بأنه وسيلة للاستعاضة عن النيكوتين، مثل العلكة أو اللصقات النيكوتينية، غير أن منظمة الصحة العالمية تؤكد أن الفكرة القائلة بأن السيجارة الإلكترونية تساعد على الإقلاع عن التدخين لا تستند إلى أي حقائق علمية، مشيرة إلى أنه لم ترد إليها أي معلومات تفيد بأن دراسات دقيقة أجريت وخضعت لمراجعة جماعية وأظهرت أن السيجارة الإلكترونية من المعالجات المأمونة والناجعة للاستعاضة عن النيكوتين.
من الناحية الصحية لا يمكن أن تكون السيجارة الإلكترونية بأي شكل من الأشكال بديلا عن السيجارة العادية، بل يمكن أن تحفز على التدخين وإدمان النيكوتين. ولا توجد معلومات كافية لحد الآن تمكن من تقييم الأعراض الثانوية لهذا النوع من السجائر، لكن الأمر لا يعني خلوها من الأضرار بسبب المواد التي تدخل في تركيبها وعدم معرفة نوعية الغازات التي تنبعث مع البخار الناتج عن تبخر المحلول.
كما أن رفع شعار البديل والمساعدة على الإقلاع من لدن شركات إنتاج وترويج السيجارة الإلكترونية يدخل في إطار استراتيجية تسويقية صِرْف تعتمد على تنويع العرض بغية استمالة مزيد من الزبائن وتوسيع قاعدتهم خاصة في صفوف الإناث واليافعين من الذكور، عبر استعمال أشكال وألوان وأذواق جذابة تزيد من سهولة الولوج، من جهة، وترفع الحرج عن سلوك ترفضه التقاليد المحافظة في الكثير من المجتمعات من جهة أخرى.
هل تحمل السيجارة الإلكترونية مشاكل صحية أقل؟
بشكل عام تشير الأبحاث إلى أن السيجارة الإلكترونية تحمل خطرا أقل متمثلا في عدم وجود معظم المواد السامة الناتجة عن حرق مادة التبغ في السيجارة التقليدية. ولكن هذا لا يجعلها خالية تماما من المشاكل الصحية.
فقد أكدت دراسات حديثة مخاطر السيجارة الإلكترونية حيث يمكن أن تؤدي إلى أضرار مماثلة للسجائر العادية، لأن البخار المنبعث منها يحتوي على مواد كيميائية ومسرطنة، مثل مادة الفورمالدهيد المسرطنة، ومادة أكرولين "acrolein" الشديدة السمية. وقد يكون لعملية استهلاكها غير الصحيحة مشاكل أيضا، فقد يؤدي الاحتكاك المباشر مع السائل الذي يحتوي على النيكوتين عند تغير وتركيب محلول السيجارة إلى امتصاص بعض مادة النيكوتين بشكل كبير عن طريق الجلد. كذلك الأمر يحدث عند سحب كمية كبيرة من بخار السيجارة عند استهلاكها بغرض الحصول على تأثير أسرع للنيكوتين. كما بينت نتائج دراسة أجريت في اليونان على عينة من 32 شخصا حدوث ضيق بالقصبات مع انخفاض بوظائف الرئة مباشرة بعد قيام الأشخاص بتدخين سيجارة إلكترونية لمدة 10 دقائق.
تحذيرات أخرى
قد يختلف تركيز النيكوتين في الأنواع المختلفة من السجائر الإلكترونية، وليس هناك حد معين، فبعض المنتجات تحتوي على تركيزات عالية قد تماثل ما تحويه سيجارة عادية أو قد تزيد. لذلك فإن هناك قيودا تحظر بيع هذه السيجارة للذين لم يتجاوزوا سن 18 عاما، إذ إن محتوى هذه السجائر قد يتخطى أحيانا كمية النيكوتين المقبولة التي يتم استنشاقها، وخصوصا مع الأنواع ذات النوعية الرديئة.
وبسبب تقنية صناعة هذه السيجارة واحتوائها على بطارية فهي تحتاج إلى شحن مستمر، وبالتالي فهي تحتاج إلى وجود مصدر كهربائي. ولكون هذه السيجارة مصنوعة من مواد لدائنية وبطارية فقد تسبب الأنواع المقلدة ذات النوعية الرديئة مشاكل تتعلق بكمية النيكوتين المستنشقة والاستخدام الآمن. وقد أشارت منظمة الغذاء والدواء الأمريكية إلى وجود عيوب في الكثير من الأنواع الموجودة في الأسواق، قد تؤدي إلى زيادة كمية النيكوتين المستنشقة، أو بسبب وجود مواد أخرى ناتجة عن تفاعل المواد المصنعة لأجزاء السيجارة، كما يؤدي التأثير الخارجي كسقوط السيجارة على الأرض إلى تأثر عملها وكمية النيكوتين المستنشقة.
علما بأن كمية محلول النيكوتين الموجودة في السيجارة الإلكترونية قاتلة في حال تناولها بشكلها السائل، لذلك يجب إبعادئها عن الأطفال وعدم استخدام الأنواع الرديئة تلافيا لحدوث أي خطأ يؤدي إلى زيادة جرعة النيكوتين المتناولة. وقد سجلت في الولايات المتحدة الأمريكية مئات حالات التسمم عند الأطفال نتيجة شرب مادة النيكوتين السائلة بسبب اللعب بالسيجارة أو المخزن الإضافي الملحق بها.
أمر آخر هو الغش في الصناعة وتركيب محتويات السيجارة، والذي بدأ مع بداية الإقبال على هذا النوع من السجائر. فهناك الكثير من الشركات التي تنتج مواد ذات نوعيات رديئة أو تستخدم مواد قد تحمل في طياتها ضررا غير ملاحظ في الوقت الحاضر، أو قد تفقد فعاليتها مع زيادة المدة الزمنية لاستخدام هذه السيجارة.
الخاتمة
وفي النهاية فما يحمله تدخين السجائر من أخطار صحية مؤكدة سيبقي أمل السيجارة الإكترونية كبيرا للحلول كبديل مع كمية مواد كيميائية مستنشقة أقل، وبالتالي ضرر أخف إن وجد. ولكن هذا لا يسوغ تدخين هذه السيجارة لما تحمله من مضار صحية ومادية. وقد يبقى هذا الموضوع مثارا للجدل للسنوات القادمة حتى مع تقدم الأبحاث والنتائج المتضاربة التي تدفع باتجاه الدعوة إلى الاستخدام مرة أو إلى الاتجاه الآخر المتمثل في منع انتشار هذا النوع من السجائر. وسيكون لعامل الوقت الثقل الأكبر في ترجيح كفة أحدهما مع ظهور نتائج صحية واجتماعية واقتصادية ستكون الفيصل في حسم الخلاف. وستبقى السيجارة الإلكترونية سلعة لها مردود اقتصادي يدفع مصنعيها إلى الدعاية لها والدعوة إلى انتشارها لما قد يكون في مصلحتهم المادية بشكل أساس.
ومع نصيحة أخيرة بالامتناع عن التدخين بشكل كامل لكونه يحمل الضرر بكل أشكاله بعيدا عن وجود أي منفعة حقيقية على صحة الفرد أو المجتمع.
التدقيق اللغوي لهذه المقالة: حميد نجاحي