جملة العلائق الجدلية المؤكدة بين صحة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وبين صحة الحالة الفلسطينية وانعكاساتها على الحالة العربية والدولية تاليا ليست ضمن التوهمات ولا ضمن المفاخرة أو اختيارات مسبقة ، وبالمثل فإن هذه الأخيرة تعكس بالمقابل تأثيرات متبادلة على صحة هذه الحركة ضمن استقراء تاريخي على الأقل خلال الأربعين عاما المنصرمة .

في تفسير ذلك ترد عدة شروحات لعلّ أكثرها تكرارا هو موقع فتح باعتبارها التنظيم القائد في الساحة الفلسطينية والحركة الممثلة لعصب وقلب العمل الوطني الفلسطيني بحكم التاريخ المسجَّل حتى الساعة ، والبحث في سبب ذلك سيطول وسيتفرّع قطعا ولا بد هو آخذ بعين الاعتبار المكوّن الهيكلي لهذه الحركة باعتبارها بوتقة الصهر والتجميع المؤهلة نظرا لطبيعة التكوين ولعل هذه الوضعية هي التي كانت دوما أحد أبرز الركائز الاستراتيجية التي تأخذها في الاعتبار عناصر الخطط المجابهة العدوانية على طاولة معتمدي القرارات الاستراتيجية الصهيونية وحلفائها في كل مرحلة من مراحل هذه المواجهة المفتوحة ، وبالتالي فإن إدراك هذه الناحية هو الموقع الذي يجب أن لا يتم إغفاله أو القفز عليه ولا التقليل من شأنه بتاتا .

وصلت الحال بهذه الحركة مؤخرا إلى جملة من العلل ساهم توقف منشّطها الحيوي أي المؤتمر العام عند العام 1989 في مزيد من المضاعفات الخطرة والتي وجدت آثارها بسهولة بالغة إلى المشهد الفلسطيني مخلفة كثيرا من الإرباك ومغرية البعض بحملة من الهجومات المختلفة ذهب بعضها إلى الجرأة حدا بعيدا ، ولعل مواد هذه التعرضات كانت على الأغلب أدوات من داخل أو محسوبة على داخل هذا التشكيل العام .

الاجتماعات التي أعلن عن بدئها اليوم للمجلس الثوري للحركة تشكل قطعا أحد بوابات العبور من حالة العلة هذه إذا ما أحسن معالجة الأسباب الكامنة وراء انتشار هذه المضاعفات وهي الطريق الأمثل للإعداد لكل ما من شأنه إعادة الحيوية والصحة إلى العمل الفلسطيني بشكل عام ، وقطعا ستكون هذه الفرصة تاريخية بشرط ضمان وصولها إلى منتهاها الطبيعي دون ابتسار أو تراخ ٍ مهما كان نوعهما.

أمام المجلس الثوري المجتمع سيكون بلا شك عدد من الأوراق التي ستتناول البناء وما عرض له والأداء وما حوله ومؤثرات المحيط وتجاذبات القوى وواقع المجتمع الفلسطيني ومصير التجربة والسؤال الكبير حول العقيدة الفتحاوية وبرنامجها الأمثل للوصول بالشعب الفلسطيني إلى أهدافه الوطنية ، ولن يكون على الإطلاق مسموحا في هذا أي مساس بهذه الأهداف لأنها ذاتها هي التي شكّلت مبررات الحركة وليس العكس .

حسنا ندع لهذه الاجتماعات فرصتها التامة ولن نستبق الحديث عن النتائج التي نتوقع أن لا تخيّب آمالا بل ونصرّ على أن لا تكون كذلك لأنها اليوم ليست في مجال الذاتي بهامش قطاع الفردية في المجموع بل هي برسم المصير الوطني العام ولذا فعليها أن تكون كذلك وعلى ثمارها أن تعيد بناء جسم الصورة من جديد.

فتح لا يمكن لها أن تفرّط ولا أن تنفرط كما لا يمكن لها أن تتنكّر لتاريخها جملة ولا يمكن لها أن تتوقع بناء ذاكرة مشوّهة وهي ليست في معرض البحث عن تجربة غيرها لها ، وعليه فإن ملامح الجواب الوطني المنتظر ليست ملامح مؤقتة أو مسكّنة بل يجب أن تكون ذات صبغة علاجية قطعية حتى لو كانت بوصفة الكيّ والكيّ هو آخر مراحل العلاج .

إن المعضلة الحقيقية تكمن في الإجابة عن مفصل مركزي واحد يقبع في الوقوف أمام مسألة المشتبك والمنفك عن علاقة الثورة بالدولة من كل الوجوه ، وهنا يمكن تلمّس الخطى السابقة والخطى اللاحقة وإلى أين تسير ، وإن البرنامج المنتظر الولادة هو البرنامج المستقى من الإجابة الشافية حول هذا المفصل أساسا وما تبقى سيكون من جملة الفروع المنسابة حوله .

في الإجابة عن السؤال السابق زمنيا ومكانيا وما يتبعه من تقييم تكمن وصفة الاختراق وتكمن إرهاصات الإعداد لهذه الوصفة وتتلوها بكل تأكيد معادلة الحصول على حالة وطنية فلسطينية سليمة ومعافاة ، وهذا ليس مرانا فكريا بقدر ما هو مقاربة استراتيجية يجب أن تأخذ في اعتبارها المحددات الرئيس العودة والقدس والدولة وقارب الوحدة الوطنية الفلسطينية وتناغم القوى السياسية والمجتمعية مع هذا كله في قارب الانتفاضة المباركة.

كتائب شهداء الأقصى وليس السلطة الوطنية هي لا شك كانت حتى الساعة الخيط أو إن شئتم الحبل السري الوحيد الذي ضمن الإبقاء على الصلة بين الجسرين وهي في هذا الجانب ستكون الأرضية الواجب من فوقها مواجهة الواقع دون حسابات مفزعة في تكاليفها والاستقطاب من حولها سلبا أو إيجابا ، خاصة في استحقاق ثمار السلام الفجة وبعضها المتعفّن ، فماذا ستكون عليه مستقبل الإجابة ؟ بانتظار الجواب الكبير....

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية