يعرف القاصي والداني أن الولايات المتحدة الأمريكية بمنطق الإمبراطورية الرومانية تحكم سيطرتها وهيمنتهاعلى العالم. بل ويتعدى ذلك إلى النجوم والكواكب أيضا. فمن ذا يعترض أو ينفي ذلك؟ فلو أرادت أمريكا إنشاء قواعد عسكرية على القمر أو المريخ مثلا فمن يمنعها؟ لو أرادت طلاء القمر بألوان البيبسي كولا أو المارلبورو أو حتى بلون الدم فمن يقول لا؟
فلننزل الآن إلى الأرض. ما من أحد يتحدث عن شأن داخلي أو خارجي أو حتى شخصي إلا ويعرج في حديثه إلى الولايات المتحدة أو رئيسها. لقد أطاحت وسائل الإعلام معنويا برؤوس كل قيادات العالم وأبقت على رأس رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. فيكفي أن تذكر كلمة "الرئيس"the President لتعرف أن المقصود هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دون ذكر اسم البلد. بلا شك أن تأثير الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها، كائنا من يكون، قوي جدا على مختلف شعوب العالم دون استثناء يذكر. بما أن رئيس الولايات المتحدة هو رئيس العالم بصورة مباشرة وغير مباشرة كما وضع الأمر وزير خارجية دولة خليجية "عظمى" وكان مصيبا حقا عندما قال:"إننا أي الحكام عبارة عن خويان (مصطلح خليجي يعني الخدم) عند المعزب (المضيف) الأمريكي." فكل أقطار العالم الثالث تقريبا هي أقاليم في الإمبراطورية ترفع أمرها وتأتمر بأوامرها في خطوط متوازية لا تلتقي مع بعضها البعض. فلماذا إذن إطلاق المبادرات الشرق أوسطية وغيرها؟ا ولماذا وجع الرأس؟ فلماذا لا يزود الرئيس الأقاليم بنسخ من الدستور الأمريكي مع التعديل الذي يناسب "خصوصيات" بعض الأقاليم ويريح ويستريح. وبهذا يصبح لنا حق التصويت في الانتخابات الأمريكية وفي اختيار الرئيس.
المبررات والمسوغات:
من الناحية السياسية،إذا استعرضنا القرارات التي يتخذها "الرئيس" إن كانت داخلية أو خارجية نجدها تطال كل فرد وكل عشيرة وكل قبيلة وكل قرية وكل مدينة وكل حاضرة وكل بادية في الدول المتخلفة (النامية احتراما). فمثلا أنا كمواطن في أحد هذه الأقاليم لا أجد مبررا أن انتخب أو أشارك في اختيار أو حتى أدعم أي زعيم في بلدي أو في قريتي أو في مدينتي إلا إذا كان ذلك الزعيم مرضيا عنه عند "الرئيس". ولنا عبرة في فلسطين وهاييتي وفنزويلا. ففي فلسطين رئيس منتخب ديموقراطيا ولكنه لا يروق "للرئيس" الديموقراطي جدا ويريد استبداله بطريقة "ديموقراطية" جدا. في هاييتي رئيس منتخب ديموقراطيا أجبره "الرئيس" الديموقراطي جدا على الاستقالة واللجوء إلى الخارج. في فنزويلا أيضا رئيس منتخب ديموقراطيا ولكن "الرئيس" الديموقراطي جدا يتآمر عليه بتسليط العملاء وإثارة الاضطرابات لإشاعة عدم الاستقرار. وإذا لم تمتثل الشعوب لأوامر "الرئيس" يزحف بقواته وأساطيله ليدمر ويغير كما يشاء ولنا عبرة فيما حصل في صربيا وأفغانستان والعراق وكما يحصل في فلسطين على يد النازيين الجدد. فلماذا أتعب نفسي إذا لم أستطع اختيار من يمثلني؟
من الناحية الثقافية،أصبحت الثقافة الأمريكية "أم الثقافات" على غرار "أم المعارك" فكل أقاليمنا والحمد لله تغص بالبضائع الأمريكية. نأكل الهامبوغر ونركب الكابريس كما تطالعنا دعاية هذه السيارة على الفضائيات العربية "كيف نعيش بلا كابريس؟" كلنا نشاهد أفلام هوليوود برعاتها وروادها الأوائل وهم يذبحون الهنود الحمر وجعلوهم عبرة لمن يعتبر ونحن منهم (إن شاء الله). ولسان الليبراليين والعقلانيين بين ظهرانينا يلهج بالثناء ويكيل المديح "للرئيس" ويهلل لمشاريعه ومبادراته صباح مساء. لقد نجحت الثقافة الأمريكية بأن تكون الحاضرة بين مثقفينا وأنصاف مثقفينا. فاصبح اعوجاج اللسان وتضمين الحديث بالكلمات الأمريكية من صفات المثقف. فعندما يلتقون في المنتديات والديوانيات والدواوين والخيام تراهم يتبارون في الحديث عن أمريكا: عن ولاياتها وعن مدنها وشوارعها ومطاعمها إلى حد التصور أنهم ولدوا في المكان الخطأ. إنه حظهم العاثر. معظم وزرائنا وحكامنا يتمتعون بازدواج الجنسية أي أنهم أمريكيون بالجنسية وبالقلب وبالعقل وبالهوى. بلغ عدد الوزراء أمريكيي الجنسية في وزارة أحد الأقاليم العربية أكثر من النصف. حتى أن بعض رؤساء الأقاليم غير العربية مثل أفغانستان وجورجيا وصربيا وتشيكيا هم أمريكيو الجنسية. ومعظم هؤلاء يحق له التصويت في الانتخابات الأمريكية إن أرادوا. فلم لا يحق لنا نحن عامة الشعب ذلك؟
من الناحية الاقتصادية، ألا ترون أن الأخضر (الدولار) العزيز يسبح بحمده فقراء هذا العالم كل مطلع شمس بل ويحلمون به ليل نهار. الكل يجري وراء هذا الأخضر اللعين الذي أتى على الأخضر واليابس لأنه لا يحب شريكا فأصبح عملة صعبة Hard Currency اسم على مسمى. "الرئيس" وحده في يده القرار كم يطبع من هذا الأخضر ويقرر قيمة صرفه في العالم. معظم الأقاليم تتمسح على أعتاب الرئيس لعل وعسى يرمي لهم من الفتات الذي لا يغني ولا يسمن من جوع. لأن هذه الفتات لا تكاد تشبع وكلاء "الرئيس" في الأقاليم. فيزداد الفقراء فقرا ويزداد الأغنياء غنى والساقية تدور. فأصبح الملايين من البشر بالكاد يحتكمون على دولار واحد في اليوم. الكل يطارد هذا اللعين بطرق مشروعة وغير مشروعة وغسيله مضمون على حبال العولمة. ومن هنا إذا أصبح لي حق الانتخاب أنا وغيري أضمن الحد الأدنى من الحياة.
فلهذا اقترح على "الرئيس" سن قانون انتخابي خاص بالأقاليم التابعة لامبراطوريته بأنه يحق لمن بلغ السن القانوني المعمول به في الامبراطورية التصويت في الانتخابات الأمريكية إذا كان من إقليم
1. تحتله قوات الإمبراطورية احتلالا مباشرا أو غير مباشر أو بالوكالة.
2. يوجد فيه قواعد عسكرية تابعة للإمبراطورية. لقد بلغ عدد الأقاليم التي تستضيف قواعد عسكرية في العالم حوالي 130 إقليما.
3. يعتبر الأخضر (الدولار) العملة الوطنية للإقليم.
4. يستثمر أغنياؤه بلايين الدولارات في بنوك وبورصات الإمبراطورية وكذلك تستخدم الحكومة الناتج القومي لشعبها في شراء سندات الخزانة الأمريكية لتساعد "الرئيس" على تخفيض الضرائب عن كاهل الأثرياء المساكين.
الفوائد التي تعود على مواطني الأقاليم من هكذا قانون:
1. تدفع حاليا الشعوب ثمنا باهظا من دمها وحياتها للعبة السياسية الداخلية في الإمبراطورية بحيث تتحول هذه الشعوب إلى أهداف للسياسة الخارجية الشريرة كما يحصل في أفغانستان والعراق وفلسطين. وإذا نفذ مثل هذا القانون الانتخابي فلن يحق "للرئيس" إرسال جيوشه وطائراته وصواريخه إلى هذه الشعوب. فليفتش عندئذ عن مكان آخر يرسل إليه جيوشه كالقمر أو المريخ مثلا.
2. دأب الحاقدون والكارهون "للرئيس" والأمبراطورية على إرسال ما يسمى "ببريد الكراهية" إلى الجرائد والمجلات أو المعاهد بسبب السياسة الخارجية الشريرة. فإعطاؤهم حق التصويت يوفر أموالا طائلة تدفع كأجرة للبريد.
3. دأب حكام الأقاليم هؤلاء وممثلوهم الذين يدعون الديموقراطية ويجرون انتخابات شكلية مزيفة على تقديم الرشاوى سواء كانت عينية أو معنوية كشراء الأصوات أو إقامة الولائم في الديوانيات والدواوين والخيام (الشق على حد تعبير إخواننا الأردنيين) أوتوزيع المناصب ... إلى آخر هذه المنظومة الفاسدة والمفسدة. فقانون الانتخاب الإمبراطوري قد يدفع المرشح الرئاسي الجديد إلى توزيع الدولارات فنصبح أحسن حالا. وربما أيضا يبني مصانع صواريخ وطائرات في الأقاليم الأقل حظا فتتوفر عندئذ فرص عمل للبائسين.
4. قال تعالى:"وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفو". نحن تناحرنا وغزونا بعضنا بعضا وعدنا إلى الجاهلية وأصجنا شذر مذر. وأضحينا مذاهب وطوائف شتى نكره بعضنا بعضا بل ونكفر بعضنابعضا. أدخلنا أل التعريف على المعرّف إمعانا في العصبية وابتدعنا مصطلح "البدون" وفتشنا في الأصول والمنابت. فمع الوضع الجديد أي مع قانون الانتخاب قد تنتفي الفروقات القبلية والعشائرية والمنابت والأصول ونعود أولاد حواء وآدم ولا فضل لأحد على أحد أمام الحقوق والواجبات.
فوائد القانون التي تعود على الأمريكيين أنفسهم:
1. نتيجة اتساع الدوائر الانتخابية ولا يخلو الأمر من أناس صادقين قد يصل رئيس مخلص حقيقة. فبدلا من هذا الاختيار الحالي البائس ما بين جورج بوش الابن وجون كيري لربما يستطيع العالم ترجيح كفة رئيس آخر كرالف نادر مثلا.
2. اتساع الدوائر الانتخابية أيها الأمريكيون سيخفف من الضغط السياسي داخل بلادكم. فإذا لم يعجبكم الرئيس المنتخب تستطيعون لوم العالم أجمع على ذلك الاختيار. أما حاليا الناخب الأمريكي وحده يتحمل مسؤولية اختيار رئيس العالم وبقية العالم يتفرج ويدفع الثمن وينحى باللائمة عليكم أنتم الأمريكيون.
3. ستنتشر "الديموقراطية" في العالم التي تريدون انتشار النار في الهشيم. وبذلك تضمنون الاستقرار ويجري النفط في شرايينكم بكل راحة وطمأنينة.
4. قد يخفف العبء عن كاهلكم فلن تعودوا الجزية كلها لابنتكم المدللة "إسرائيل". سيتوزع العبء على جيمع شعوب أقاليم الإمبراطورية. فكل الناخبين سيساهمون في دفع الجزية لسيئة الذكر "إسرائيل"
وبعد، إنها صرخة في الفضاء العربي. فأين نحن من العالم؟ إنه توصيف للحالة المزرية التي وصل إليها العرب العاربة. إنه مشهد سوريالي قلّ نظيره في التاريخ. حتى في عصر المماليك لم تصل الحالة إلى هذه الدرجة من السوء. لقد خرج رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وإن لم يكونوا عربا أمثال قطز والظاهر بيبرس تصدوا لهجمات التتار في عين جالوت. فمن يصد هجمات التتار في القرن الواحد والعشرين.
آما آن لهذه الشعوب أن تكسر القيد وتأخذ زمام المبادرة في يدها؟