بعد أسابيع تمر الذكري العاشرة لجريمة الإبادة الجماعية التي شهدتها دولة رواندا في العام 1994 ، ولعلها مشيئة الله التي أرادت أن يسبق هذه الذكرى صدور قرار تعيينك رئيسا لـ " المجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر " وهو القرار الذي نكأ الجرح ودفع لفتح هذا الملف ، فأنت أحد الذين يتحملون المسؤولية عن وقوع هذه الجريمة ليس فقط لتقصيرك في أداء مهام منصبك كأمين عام للأمم المتحدة - حسب تقرير للأمم المتحدة نفسها - بل قبل ذلك بسنوات . لم أكن أعرف عندما دعوت لمؤتمر صحفي في الخامس من فبراير لإعلان تفاصيل هذه الجريمة والقضية التي رفعت بالفعل في الثاني عشر من فبراير أن الأمر سيواجه بكل هذا التعتيم الإعلامي الذي بدأ يتبدد مؤخرا ولا أدري حتى الآن ما الذي دفع الإعلاميين الذين حضروا المؤتمر وبعضهم مراسلو صحف مصرية وعربية وفضائيات عربية ووكالات أنباء للإحجام عن النشر رغم أن المعلومات التي قدمت في المؤتمر موثقة ؟ وهو ما استمر حتى كسرت جريدتا " العربي " و " صوت الأمة " هذا الحصار بشجاعة تستحق التسجيل .
هل هي سطوة خاصة تتمتع بها أنت شخصيا تجعل الاقتراب من اسمك مغامرة لا يملك كثيرون الشجاعة للإقدام عليها ؟
أم هي بركات منظومة " الإعلام النازي " التي شيدها صفوت الشريف تجعل الإعلاميين يستبطنون الخطوط الحمراء ويتحسسون رقابهم حتى لا يستفزوا غضب الدولة البوليسية التي أنشئ المجلس القومي لحقوق الإنسان كمحاولة بائسة لتجميل وجهها القبيح ؟
وما دلالة أن يفضل البعض إثارة القضية كما لو كانت شكوى بلا توقيع رغم أنها خصومة قانونية طرفاها معروفان ؟
عموما ما علينا من الملابسات وعلامات الاستفهام فالأهم الدلالات والعبر وهي كثيرة وخطيرة ، فحسب تصريحاتك كان دورك مجرد محفز ، فهل كنت تجهل كخبير شئون أفريقية مرموق دوليا حقيقة الأوضاع في رواند أم تجاهلتها ؟
وهل يمكن أن تعفي نفسك من المسئولية الأخلاقية عما حدث ؟
إن أي موظف عمومي أيا كان منصبه هو مسئول عن أفعاله أمام الله أولا ثم أمام القانون ، فأين المسئولية الأخلاقية الفردية مما فعلت ؟
وحسب المنشور في كتاب هيئة الاستعلامات المشار إليه تمت صفقات الأسلحة للنظام الرواندي بعد ممانعة رسمية مصرية لسنوات ، وحسب المصدر نفسه أيضا فقد توليت أنت إزالة أسباب الممانعة ، فهل كان دورك كما قلت خدمة مصالح بلدك كبائع للأسلحة أم انطوى الأمر على استغلال متعمد للثقة الرسمية فيك كخبير في الشئون الأفريقية لتوريط مصر في هذه الصفقات خدمة للمصالح الفرنسية ؟
وحسب الكتاب الصادر عن هيئة الاستعلامات :
" قام القائد العسكري هابيريمانا بانقلاب في يوليو عام 1973 .. .. . بعد عامين من اعتلاء جوفنال هابيريمانا الحكم ( و ) في عام 1975 وقعت رواندا على اتفاقية تعاون وتدريب عسكري مع باريس . وعلى امتداد خمسة عشر عاما حلت فرنسا ببطء محل بلجيكا كحليف أجنبي رئيس لرواندا . . . . وكانت رواندا أحد أفراد العائلة الفرنكفونية " . ص 16
" وكانت الطريقة المثلى للحفاظ على التأثير الفرنسي في أفريقيا من خلال سياسة العلاقات المتقاربة بين المقر الرئاسي في باريس قصر الإليزيه ورؤساء الدول الأفارقة . فكان الرئيس هابيريمانا مقربا من الرئيس ميتران وكان يعتبره صديقا شخصيا . في البداية جلب هابيريمانا السلام والاستقرار لرواندا لكن الثمن كان نقص الحرية للشعب . وكان النظام ديكتاتوريا . " . . . " وكان هابيريمانا ذكيا ومخادعا ومنافقا وقاسيا ، وهناك آراء متنوعة عن كيفية تخلصه من الرئيس السابق جريجوار كابندا : البعض يقول إن الأخير رفض العناية الطبية . ويقول آخرون إنه مات جوعا . أما عن معارضي هابيريمانا فقد أقي القبض عليهم وعذبوا .. .. وهناك أقوال بأن كثيرا منهم قتلوا بضربة مطرقة . لكن معظم الشعب تعلموا أن يوقروه كأب لهذه الأمة . وصورت رواندا - دوليا - كدولة ديموقراطية . " . " لقد كانت رواندا الأكثر إحكاما بين الدول غير الشيوعية في العالم . وحمل كل رواندي بطاقة إجبارية تبين جماعته سواء من الهوتو أو التوتسي أو التاو " ص 17
ونقرأ : .
" وعندما هجمت الجبهة الوطنية الرواندية على رواندا في أكتوبر 1990 اتصل هابيريمانا هاتفيا على الفور بقصر الإليزيه في باريس حيث يعتبر ميتران الشئون الأفريقية مسألة عائلية . ثم أرسلت قوات فرنسية لرواندا .. .. .. ووضعت فرنسا جنودا إلى جانب القوات الحكومية في الشمال ." ص 20
" وفي يونيو عام 1991 كتب عميل في المخابرات الفرنسية تقريرا يعرب فيه عن وجود دائرة قوية داخلية في رواندا تسيطر عيها أجاسي هابيريمانا وعائلتها ، وتستخدم هذه الجماعة الكراهية العرقية لتزيد قوتها ، كما أنها عقدت العزم على مقاومة الديموقراطية " . " ورغم وضع رواندا السيئ تلقى النظام في كيجالي دعما متزايدا من فرنسا ، وأثناء مساعدة فرنسا للنظام استطاع بنجاح أن يترك الشعب الفرنسي وبقية العالم في جهل عن مدى مساعدتها وتدخلها .. .. .. فالتقنية والتدريبات العسكرية الفرنسية هي التي سمحت للجيش الرواندي بالزيادة من خمسة آلاف إلى 28 ألفا ، وزودهم بالأسلحة الحديثة . وضاعفت فرنسا مساعداتها المالية لرواندا ثلاثة أضعاف . وكل هذه القرارات التي تخص فرنسا كانت سرية ، وظلت فرنسا غير مسؤولة عن هذه القرارات " .
" وخلال عامي 1991 و 1992 أرسلت فرنسا لرواندا ما لا يقل عن ستة ملايين دولار من السلاح من بينها المدافع والأسلحة الخفيفة والعربات المدرعة والمروحيات . وفي عام 1994 تلقت رواندا مساعدة عسكرية تبلغ 4 ملايين دولار من فرنسا . وكل ذلك بموجب اتفاق المساعدة الفنية العسكرية . "
" وقد شوهد الجنود الفرنسيون الذين يسيرون على النقاط التفتيشية في كيجالي وهم يطلبون رؤية البطاقات الشخصية ويقبضون على التوتسي ويرسلونهم إلى الجيش الرواندي . وقد أبلغ القائد العام للجبهة الوطنية الرواندية جريدة " لي أومانيتيه " في 13 مارس 1992 .. .. .. أن تواجد الجيش الفرنسي كان سببا في إطالة الصراع . ص 32 - 33
وعند هذه الفقرة بالتحديد أتوقف لأسألك :
ما رأيك كرمز فرنكفوني كبير في دور فرنسا " ضمير العالم " كما منحها اللقب بعض " صنايعية غسيل المخ " في الإعلام المصري ؟
وهل هذه " الجريمة التنويرية " جزء من دور نذرت فرنسا نفسه له لمقاومة عمليات التغيير الديموقراطي في دوائر نفوذها ؟
وهل لهذا الأمر صلة بغياب الديموقراطية في شمال أفريقيا ؟
ولقد صرح الرئيس الفرنسي جاك شيراك في زيارته الأخيرة لتونس بأن : " أولى حقوق الإنسان هي تأمين المأكل والعلاج والتعليم والسكن " . ( 4 ديسمبر 2003 ) فهل ننتظر من المجلس في إطار رئاستك أن يتبنى هذه الرؤية الفرنكفونية التي لا تختلف كثيرا عن رؤية الحزب الشيوعي السوفيتي موضع التطبيق ؟!
وهل ينتظر أن يلقي هذا المفهوم الفرنكفوني ظلاله على أداء المجلس ؟
وهل له صلة بانحياز بعض حلفائها السياسيين للخيار الاستئصالي في مواجهة الخصوم السياسيين كما هو الحال في مصر والجزائر ؟
إن من حق الناس أن يعرفوا وأعتقد من واجبك أن تتكلم .