بعد أن هدأت عاصفة بيانات الشجب والاستنكار من الأنظمة والأحزاب والمنظمات والحركات وقد يضاف استنكار آخر من القمة العربية القادمة. وبعد أن هدأ غبار المظاهرات والمسيرات التي لا نشك في صدقها وعفويتها، يحق لنا أن نسأل بهدوء: لماذا أقدم شارون الإرهابي على ما قام به؟ وما هو الرد المطلوب، إن جاز لنا أن نطلب، من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وسائر الفصائل الفلسطينية الأخرى؟ بلا شك أن اغتيال الشيخ المجاهد أحمد ياسين هو استهداف للفكر الجهادي الذي يمثله الشيخ وللنضال الفلسطيني ككل. إن اغتيال شخص بحجم الشيخ المجاهد الذي تجاوز المكان وتعداه إلى العالمين العربي والإسلامي لهو استهداف لما تمثله هذه الشعوب من قيم ومثل. ولكن كيف تجرأ شارون وأقدم على هذه الجريمة النكراء؟
ما كان لشارون أن يقوم بذلك لولا دعم الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين له. فلا ننسى أنه أتى إلى سدة الحكم باختيار الأغلبية الساحقة له من الصهاينة. وكذلك دعم الإدارة الأمريكية الشريرة وتواطؤ بعض الأنظمة العربية التي بادرت مباشرة في التحرك لاحتواء ما فعله شارون حيث سيلتقي بوش بهذه القيادات في إبريل القادم للنظر فيما آلت إله الأمور في المنطقة والتخطيط لما يجب فعله لاحتواء الانتفاضة.
والأهم من ذلك أن ما قام به شارون أتى في إطار استراتيجية الكيان الصهيوني القائمة على إنكار حقوق الشعب الفلسطيني بله انكار وجوده أيضا. فوجود الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة ذات سيادة يتناقض مع وجود الكيان الصهيوني. كل قادة الصهاينة يركزون على ذلك. لعلنا نذكر جولدا مائير عندما أنكرت وجود شعب اسمه الشعب الفلسطيني. فشارون ينفذ هذه الاستراتيجية بامتياز. ولعل ما يميزه عن القادة الآخرين هو أنه أشد إجراما وأشد وضوحا وأكثر تسرعا. ولكن القادة الصهاينة الآخرين يريدون القضاء على الشعب الفلسطيني على مهل وبأقل كلفة وبالشوكة والسكين بدلا من الأباتشي وإف 15 وغيرها من الأسلحة الأمريكية. فالمحصلة النهائية واحدة عند الكيان الصهيوني هو التناقض التاريخي مع الوجود الفلسطيني.
لقد أتى شارون للحكم موطدا العزم على القضاء ما اصطلح على تسميته "بالعملية السلمية" ليحل محلها حل "مؤقت طويل المدى" حل ينظم الاحتلال ويقننه وليس انسحابا أو تخليا عن "يهودا والسامرة" وإنما ينتشر الاحتلال ضمن حدود يختارها هو وذلك في إطار إخلاء مستوطنات قطاع غزة واستكمال بناء جدار الفصل العنصري. أتى بمشروعه لإعادة تشكيل الصراع والعودة به إلى بداياته الأولى ولم يذع سرا عندما قال بأنه يخوض حربا هي استمرار "لحرب الاستقلال 1948" وأعلن مبادرة المائة يوم للقضاء على الانتفاضة وشن السور الواقي في الضفة الغربية والعملية المتدحرجة من قبلها وانتهى ألف يوم ولم تتوقف الانتفاضة. وأطلقت الإدارة الأمريكية "خارطة الطريق" وعقد شارون العزم على وأدها فأطلق خطة فك الارتباط من طرف واحد وأعلن العزم على الانسحاب من غزة أولا. وتلقف العرب العاربة وبعض الفلسطينيين الطعم وبدأ الحديث عن غزة ومن سيملأ الفراغ وهل السلطة قادرة على السيطرة على القطاع أم أن حماس ستأخذ زمام المبادرة؟ ووقعنا في حيص بيص وكادت الأمور أن تفلت وجاءت الوفود العربية لترتيب البيت وكأن الفلسطينيين قاصرون على ترتيب بيتهم. ونسينا خارطة الطريق ونسينا جدار الفصل العنصري وأصبح شغلنا الشاغل هو إخلاء قطاع غزة. في غمرة هذه الجدالات والمساجلات أقدم شارون على الاغتيال وكأنه يقول للعرب وللفلسطينيين: أروني ماذا أنتم فاعلون؟
وجاء الرد الدولي والمحلي خجولا تتوج بالفيتو الأمريكي رقم 39 منذ سنة 1972 لصالح الكيان الصهيوني وضد المصالح الفلسطينية والعربية. ويكون باغتيال الشيخ المجاهد قد أعاد المسألة برمتها للمربع الأول وخلط الأوراق من جديد.
إذن ما العمل؟ ما هو الرد؟ أولا وقبل كل شيء إنه من الطبيعي أن يكون هناك رد ثأري انتقامي كيفما وأينما استطاع المقاومون إلى ذلك سبيلا. ولكن مقتل أي صهيوني حتى ولو كان شارون ذاته لا يساوي قلامة ظفر من أظافر طفل فلسطيني وهل تصح المقارنة مع الشيخ الشهيد إذن؟
إن الرد يجب أن يكون استراتيجيا ألا وهو تحرير فلسطين وهو أقل شيء للوفاء بعهد الشهداء وعلى رأسهم شيخ الشهداء. لقد كان استشهاد الشيخ حياة للانتفاضة وللمقاومة. لقد بادرت حركة حماس إلى لملمة الجراح وسد الثغرات التي كان يمكن أن تستغل في هذا الظرف العصيب وجمعت الكلمة وتجسدت وحدة المقاومين الفعلية على الأرض فأصبحت الفصائل أكثر تلاحما وأكثر فطنة لمقاصد العدو الصهيوني.
ولكن كل ذلك لا يكفي. إن الوحدة الوطنية أصبحت أكثر إلحاحا من ذي قبل. هي مطلب شعبي إن تشكيل القيادة الوطينة الموحدة على قاعدة استمرار الانتفاضة يجب أن تكون مطلبا استراتيجيا لجميع الفصائل بما فيها السلطة الوطنية. لم تعد هذه الوحدة الوطنية شعارا فقط. يجب أن يترجم هذا الشعار إلى واقع ملموس واستجابة لإرادة الشعب الفلسطيني الصامد. كفانا اختباء وراء الحوارات واللقاءات والاجتماعات برعاية الأشقاء أو غير الأشقاء. آن الأوان إلى أن ترتقي الفصائل جميعها إلى مستوى المسؤولية التي أوكلها إليها هذا الشعب الجبار. فليكن استشهاد الشيخ نبراسا للمؤمنين بقضية هذا الشعب. فلتذهب ولتختف كل التناقضات الثانوية والخلافات الجانبية بين الفصائل وبعضها البعض وبين الفصائل وبين السلطة الفلسطينية وليكن التركيز على التناقض الرئيس مع هذا العدو الجاثم على صدورنا جميعا.