بعد أسابيع تمر الذكري العاشرة لجريمة الإبادة الجماعية التي شهدتها دولة رواندا في العام 1994 ، ولعلها مشيئة الله التي أرادت أن يسبق هذه الذكرى صدور قرار بتعيين الدكتور بطرس غالي رئيسا لـ " المجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر " وهو القرار الذي نكأ الجرح ودفع لفتح هذا الملف ، فالدكتور بطرس غالي أحد الذين يتحملون المسؤولية عن وقوع هذه الجريمة ليس فقط لتقصيره في أداء مهام منصبه كأمين عام للأمم المتحدة - كما سيأتي ذكره - بل قبل ذلك بسنوات . لكن دوره في هذه القضية كان في إطار الخدمات الجليلة التي طالما قدمها للمصالح الفرنسية وبخاصة في أفريقيا وهو ما أهله لأن يتولى منصب الأمين العام لمنظمة الدول الفرنكفونية ، والشيء بالشيء يذكر . وسأوجز ملخصا لوقائع الجريمة كما وردت في دراسة وثائقية عنوانها :
A PEOPLE BETRAYD
The rore of the West in Rwanda s genocide
Author : Linda Melvern
وهذا السرد يعتمد على ملخص بالعربية لكتاب ليندا ملفرن صدر تحت عنوان " شعب مضلل " عن هيئة رسمية مصرية هي " الهيئة العامة للاستعلامات " ( عام 2002 ) . وهذا الملخص تتصدره عبارة نصها :
" لم تمتد يد الهيئة بالحذف أو التعديل في المادة التي جاءت بين دفتي هذا الكتاب التزاما سياستها العامة التي تحترم حرية الرأي والتعبير . وعدم الحجر على أفكار المؤلفين أو بتبديل الحقائق أو وبتبديل المفاهيم وغير ذلك مما لا يتفق ومصداقية الهيئة وأمانتها . وبهذا التنويه تكون الهيئة العامة للاستعلامات قد برأت ساحتها مما جاء في هذا الكتاب ووضعت المسؤولية في عنق المؤلف ودار النشر الصادر عنها الكتاب " .
والعبارة تبرئ ساحة الهيئة ولكنها لا تعني تبرئة ساحة المسؤولين عن جريمة الإبادة في رواندا ، وحرية التعبير تتصل بالأفكار أما المعلومات الموثقة فتستوجب المساءلة . وبخاصة أن المؤلفة تتحدث عن اعتمادها في تأليف الكتاب على " وثائق هامة " .
ويمكن تلخيص الوقائع كما وردت في الملخص المشار إليه كما يلي :
" في غضون شهور قليلة لكنها رهيبة في عام 1994 لقي مليون شخص مصرعهم في رواندا . .. .. فقد كانت مذبحة لم تشهدها أية دولة منذ الإبادة النازية ضد اليهود وارتفعت نسبة القتلى في رواندا إلى خمسة أضعاف ما فعله النازيون . لقد كانت المذبحة وحشية وقاسية . لكن - بخلاف الهولوكوست وبعيدا عن محاولة إخفاء الحقيقة - حدثت المذابح في وضح النهار بل كان مرتكبو الإبادة في رواندا يشعرون بأنهم في مأمن لعلمهم بأن التدخل الخارجي سيكون محدودا للغاية " . ص 9
" .. .. وبعيدا عن كونها حربا قبلية فإن ما حدث في رواندا كان مدروسا ومخططا بعناية . ونفذته جماعات متطرفة استخدمت فيها وحدات الجيش والشرطة لإخراج الناس من ديارهم وجمعهم في أماكن مخصصة للمذبحة . واستمرت هذه المذبحة بلا توقف لمدة ثلاثة أشهر . ولم تكن هذه المدة هينة أو ببعيدة عن سيطرة العالم الخارجي " . ص 10
" ويعد ما ظهر من قوة وشدة الإبادة واشتراك الدول الغربية في الجريمة والفشل في التدخل وطمس حقيقة ما حدث بالفعل ، اتهاما مروعا ليس فقط لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بل للحكومات والأشخاص الذين كان بإمكانهم منع ما حدث - لكنهم اختاروا ألا يفعلوا ذلك - إن ما حدث في رواندا هو قصة رهيبة تحولت للأسوأ لأن حقيقتها الطبيعية شوهت وحرفت " . ص 11
وعن الخلفيات التاريخية نقرأ :
" قام القائد العسكري هابيريمانا بانقلاب في يوليو عام 1973 .. .. . بعد عامين من اعتلاء جوفنال هابيريمانا الحكم ( و ) في عام 1975 وقعت رواندا على اتفاقية تعاون وتدريب عسكري مع باريس . وعلى امتداد خمسة عشر عاما حلت فرنسا ببطء محل بلجيكا كحليف أجنبي رئيس لرواندا . . . . وكانت رواندا أحد أفراد العائلة الفرنكفونية " . ص 16
" وكانت الطريقة المثلى للحفاظ على التأثير الفرنسي في أفريقيا من خلال سياسة العلاقات المتقاربة بين المقر الرئاسي في باريس قصر الإليزيه ورؤساء الدول الأفارقة . فكان الرئيس هابيريمانا مقربا من الرئيس ميتران وكان يعتبره صديقا شخصيا . في البداية جلب هابيريمانا السلام والاستقرار لرواندا لكن الثمن كان نقص الحرية للشعب . وكان النظام ديكتاتوريا . " . . . " وكان هابيريمانا ذكيا ومخادعا ومنافقا وقاسيا ، وهناك آراء متنوعة عن كيفية تخلصه من الرئيس السابق جريجوار كابندا : البعض يقول إن الأخير رفض العناية الطبية . ويقول آخرون إنه مات جوعا . أما عن معارضي هابيريمانا فقد أقي القبض عليهم وعذبوا .. .. وهناك أقوال بأن كثيرا منهم قتلوا بضربة مطرقة . لكن معظم الشعب تعلموا أن يوقروه كأب لهذه الأمة . وصورت رواندا - دوليا - كدولة ديموقراطية . " . " لقد كانت رواندا الأكثر إحكاما بين الدول غير الشيوعية في العالم . وحمل كل رواندي بطاقة إجبارية تبين جماعته سواء من الهوتو أو التوتسي أو التاو " ص 17
" ولا يتنقل أي رواندي من ولاية بدون الترخيص المناسب " . ص 18
وبعد عمليات اضطهاد متواصل هاجر مئات الآلاف من التوتسي خارج البلاد ليكونوا أكبر مشكلة لاجئين في أفريقيا وتكون بين هؤلاء تنظيم سياسي / عسكري هو " الجبهة الوطنية الرواندية " ومن ثم نعود ونقرأ : .
" وعندما هجمت الجبهة الوطنية الرواندية على رواندا في أكتوبر 1990 اتصل هابيريمانا هاتفيا على الفور بقصر الإليزيه في باريس حيث يعتبر ميتران الشئون الأفريقية مسألة عائلية . ثم أرسلت قوات فرنسية لرواندا .. .. .. ووضعت فرنسا جنودا إلى جانب القوات الحكومية في الشمال ." ص 20
" وتعتمد وراندا على فرنسا لكن الحكومة كانت تفقد الأمل في أن تجد آخرين يمدونها بالسلاح . وبعد أسبوعين من الغزو وُجد مصدر آخر . ففي يوم الاثنين 16 من شهر أكتوبر من عام 1990 ذهب سفير رواندا بمصر سلستين كابندا لاجتماع بوزارة الخارجية بالقاهرة وكانت مصر ترفض بيع الأسلحة لرواندا ، والآن أصبح الأمر ملحا . اجتمع كابندا في ذلك اليوم مع الدكتور بطرس غالي الذي لم يكن قد بدأ حملته ليصبح السكرتير العام السادس للأمم المتحدة " ص 20
" وكان في ذلك الوقت دبلوماسيا محترفا غير مشهور ومحاميا ومؤلفا للكتب والمقالات في القانون الدولي والعلوم السياسية . وكان وزير دولة للشؤون الخارجية . كما ساعد أخيرا في الإشراف على زيارة رسمية لهبيريمانا إلى لقاهرة . وقال كاندا إنه يحتاج - بشدة - لمساعدة بطرس غالي وسمه قائمة بالأسلحة المطلوبة . وكان لدى مصر إنتاج ضخم من الأسلحة رخيصة الثمن للبيع . . . . وأراد كابندا أن يتدخل بطرس غالي لدى الحكومة المصرية لصالح رواندا " . ص 21
" وأثناء الاجتماع الرئاسي الأخير في القاهرة أبلغ الرئيس المصري حسني مبارك هابيريمانا أن مصر لا يمكنها مد رواندا بالسلاح الذي تريده . لكن عقب انتهاء لقائه مع بطرس غالي تفاءل كابندا وأرسل لكيجالي رسالة عبر التلكس لكي يبلغ وزير الخارجية أن بطرس غالي وعد بتقديم المساعدة كما أنه سيتعامل مع الطلب شخصيا . وبعد مرور 12 يوما يوما وفي 28 من شهر أكتوبر وقعت كل من رواندا ومصر على أول عقد للسلاح بمبلغ 5,889 مليون دولار أمريكي .. .. .. ووقع على العقد العقيد ( يذكر الكتاب اسمه ومنصبه ) .. .. ووُصفت شحنة السلاح الأولى بأنها " مواد إغاثة " . وتم شحنها من مطار القاهرة .. .. .. بتكلفة 65 ألف دولار أمريكي . . . وأعطي هابيريمانا الحق بدفع المال عن طريق البنك ( اسم البنك مذكور ) ص 21 - 22
" وظل اتفاق السلاح مع مصر سرا " ص 22
" وفي حوار مؤخرا عن مبيعات السلاح وصف بطرس غالي دوره كأنه محفز . وقال بطرس غالي إنه كان وزيرا للشؤون الخارجية وكانت مهمته هي المساعدة في بيع إنتاج بلاده من السلاح . . . وقال غالي " كابندا فاتحني لأنه لم يكن يعرف شخصا آخر في الحكومة المصرية يعقد معه الصفقة " وحول الحكمة من إبرام اتفاق أثناء جهود السلام الدولية الجارية قال بطرس غالي ط إنه لم يكن يعتقد أن عدد البنادق الألف القليلة قد تغير الوضع " ص 23
" وفي يونيو عام 1991 كتب عميل في المخابرات الفرنسية تقريرا يعرب فيه عن وجود دائرة قوية داخلية في رواندا تسيطر عيها أجاسي هابيريمانا وعائلتها ، وتستخدم هذه الجماعة الكراهية العرقية لتزيد قوتها ، كما أنها عقدت العزم على مقاومة الديموقراطية " . " ورغم وضع رواندا السيئ تلقى النظام في كيجالي دعما متزايدا من فرنسا ، وأثناء مساعدة فرنسا للنظام استطاع بنجاح أن يترك الشعب الفرنسي وبقية العالم في جهل عن مدى مساعدتها وتدخلها .. .. .. فالتقنية والتدريبات العسكرية الفرنسية هي التي سمحت للجيش الرواندي بالزيادة من خمسة آلاف إلى 28 ألفا ، وزودهم بالأسلحة الحديثة . وضاعفت فرنسا مساعداتها المالية لرواندا ثلاثة أضعاف . وكل هذه القرارات التي تخص فرنسا كانت سرية ، وظلت فرنسا غير مسؤولة عن هذه القرارات " . " وخلال عامي 1991 و 1992 أرسلت فرنسا لرواندا ما لا يقل عن ستة ملايين دولار من السلاح من بينها المدافع والأسلحة الخفيفة والعربات المدرعة والمروحيات . وفي عام 1994 تلقت رواندا مساعدة عسكرية تبلغ 4 ملايين دولار من فرنسا . وكل ذلك بموجب اتفاق المساعدة الفنية العسكرية . "
" وقد شوهد الجنود الفرنسيون الذين يسيرون على النقاط التفتيشية في كيجالي وهم يطلبون رؤية البطاقات الشخصية ويقبضون على التوتسي ويرسلونهم إلى الجيش الرواندي . وقد أبلغ القائد العام للجبهة الوطنية الرواندية جريدة " لي أومانيتيه " في 13 مارس 1992 .. .. .. أن تواجد الجيش الفرنسي كان سببا في إطالة الصراع . ص 32 - 33
وعن المفاوضات بين هابيريمانا والجبهة نقرأ :
" ويرجع الفضل للضغط الدولي في بدء المفاوضات بين حكومة الرئيس هابيريمانا والجبهة الوطنية الرواندية . هذا الضغط الذي جاء من بلجيكا والولايات المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية . وافتتحت المفاوضات في أوروشا .. .. .. في شهر يوليو عام 1992 " ص 33
" كانت اتفاقيات أوروشا تسعى لتغيير جذري وأجرت مراسم حفل التوقيع في أغسطس من عام 1993 ". ص 34
وعن موقف فرنسا نقرأ :
" أما عن إخلاص نظام هابيريمانا فقد أصبح جليا للعيان أنه عندما أجريت المفاوضات في أوروشا دخل النظام في أكبر اتفاقات للسلاح مع شركة فرنسية بما قيمته 12 مليون دولار متورطا في شراء 40 ألف قنبلة يدوية و29 ألف قنبلة ثقيلة و7 ملايين طلقة من الذخيرة الحية وألف عصا وألف مسدس " . " وفي أواخر ديسمبر من عام 1993 وزعت الحكومة الأسلحة علانية في رواندا ، وعندما سئلت عن السبب وراء تسليح المدنيين بالأسلحة أجابت بأنه يتعين عليهم الدفاع عن أنفسهم أمام قوات الميليشيا المتمردة لأنه لا توجد قوات كافية . " ص 35
" وفي الأعوام التي سبقت عملية الإبادة ( التي حدثت ) عام 1994 توغل عدد كبير من وكالات الإغاثة في رواندا وكان معظمهم يدركون تماما النظام العلني لسياسة التمييز العنصري المتبعة ضد التوتسي . وأصبح الموقف سيئا جدا لدرجة أن مجموعة من خبراء حقوق الإنسان الدوليين من عشر دول جمعوا في يناير 1993 شهادة المئات من الأشخاص وأجروا حوارات مع شهود وعائلات الضحايا ، وفحصوا عددا من الوثائق الرسمية ونشروا تقريرا في مارس عام 1993 يبين أن من يمتلكون زمام الأمور في رواندا نظموا في العامين السابقين لقتل 2000 شخص كلهم من التوتسي ، ومن أعضاء المعارضة السياسية واحتجزوهم دون تهم . " ص 35
" .. .. .. وأن السلطات في رواندا في أعلى مستوياتها ومن ضمنها الرئيس مسئولون عن العنف والقتل المرتكب من قبل المدنيين والجنود " ص 36
" ولم تكن فكرة تسليح المدنيين جديدة فقد تم اقتراحها عام 1991 .. .. .. فهناك وثائق تم اكتشافها في البنك الوطني الرواندي تثبت أن ما تم كان نتيجة للتخطيط الدقيق المتقدم ( السابق ) . وكان هناك فواتير وبيانات بنكية وعقود أسلحة .. .. .. توضح أن معظم الاستعدادات المكثفة بدأت في عام 1993 ، عندما اشترى النظام نصف مليون منجل .. .. .. ووزعها في كل أنحاء الدولة ومن بينها المئات والآلاف من المجارف والفؤوس والمطارق . وقد مدت شركة صينية رواندا بالمناجل بين عامي 1992 و1994 . . . . . وتم إنفاق 725,669 ألف دولار لشراء 580 ألف منجل . " ص 37
" ورغم تأكيدات الرئيس هابيريمانا بأنه يعيد تسليح المدنيين لحماية البلاد إلا أن الأسلحة المشتراة التي دخلت البلاد من قبل النظام في العامين السابقين للإبادة كانت تضم : مسدسات صغيرة وبنادق وقنابل وهي أرخص سعرا وأسهل في إخفائها . وقد ساهمت هذه الأسلحة في زيادة أعداد الضحايا وفي سرعة القتل " . ص 38
" وأثار مسؤولو البنك الدولي مع النظام الراندي قضية تسلح رواندا أكثر من مرة . وكتب رئيس البنك الدولي .. .. إلى هابيريمانا خطابا يثير فيه مسألة الإنفاق على الجيش في الوقت الذي تجتاح فيه المجاعة الجنوب . . . وأرسل هذا الخطاب في إبريل عام 1992 بعد شهر من إيرام الحكومة الرواندية لعقد بستة ملايين دولار مع مصر … ( اسم البنك الذي قدم الضمانات للصفقة مذكور ) " ص 39
" وعلى الرغم من تزايد العنف وكشف لجنة حقوق الإنسان الخاصة بالمراقبة لاتفاقات تسلح النظام أبدت الصحف الأجنبية قليلا من الانتباه فقد نشرت صحيفة لوموند خبرا صغيرا عن اتفاق السلاح المصري . " ص 49
" كانت المذابح في رواندا بالنسبة للعالم الخارجي ما زالت تصور على أنها صراعات قبلية ، ورغم تسمية الجبهة الوطنية الرواندية ما يحدث بالإبادة إلا أن إعلانهم قوبل بالتجاهل . ووصف أحد شهود العيان ما حدث في 21 إبريل عندما جمع الناس في مدينة بوتار ومن خلفهم الجنود يحملون البنادق ثم أخذوهم أسفل الوادي وقتلوهم بالمناجل والفؤوس ولم تسمع أعيرة نارية .. .. . الذي سمع فقط هو بكاء الرعب والألم . وفي اليوم نفسه جمع الجنود الطلاب من كافيتريا الجامعة الوطنية وكانوا يأخذون من يحمل منهم بطاقات شخصية تثبت أنه من التوتسي من الأماكن المختبئين فيها . وقد وجدت مؤخرا 600 جثة في مقبرة جماعية ضخمة في المكان الذي كان الطلبة يؤخذون إليه وقدر عدد القتلى بثلاثة آلاف في هذا المكان . أما في مقاطعة بوتار فحدث القتل سريعا عن أي مكان آخر . وفي عدة أماكن لقي آلاف الأشخاص مصرعهم في المستشفيات والمدارس والأسواق . ووصف أحد الشهود ما شاهده من انفجارات للقنابل اليدوية وإطلاق الرصاص داخل الكنائس وفي المدارس الثانوية والابتدائية حيث ذهب الناس باحثين عن مأمن وفي البداية حاولوا أن يقاوموا ولكن أسلحتهم كانت عبارة عن حجارة . ويعتقد أن مائة ألف شخص لقوا مصرعهم في مذابح واسعة النطاق في مقاطعة بوتار . " ص 61
" وتناثرت جثث القتلى في الريف الرواندي وعلى الحدود مع تنزانيا وامتلأ نهر الكاجيرا بالجثث المشوهة للرجال والنساء والأطفال والرضع . وازدادت الرائحة الكريهة نتيجة تعفن الجثث ، فقد انتشرت الآلاف من الجثث في شوارع مدينة كيجالي وامتلأت الشوارع بالحيوانات الضالة كالفئران والطيور والكلاب التي نشرت الأمراض . وفي مقاطعة جيكو نجورو وقعت مذبحة ضخمة في فجر يوم 21 إبريل عندما جاء الجنود الروانديون إلى المدرسة الفنية حيث يحتمي الآلاف بها وأحاطوا بالمدرسة وألقوا القنابل اليدوية . وكانت المدرسة تضم 64 فصلا ممتلئا بالناس واستمرت أعمال القتل لعدة أيام . وأكد كارل كوفندا مندوب إحدى الدول لدى الأمم المتحدة إن ما يحدث في رواندا هو إبادة جماعية تديرها سلطة الهوتو المؤقتة " .
ص 61- 62
" وفوجئت الجبهة الوطنية الرواندية بإعطاء الحكومة المؤقتة شرعية عندما استقبل اثنان من سلطة الهوتو المتعصبين في باريس في 27 إبريل مع الرئيس فرانسوا ميتران وعقدوا اجتماعا مع كل من رئيس الوزراء ووزير الخارجية الفرنسية . وعلمت الجبهة الوطنية الرواندية أن حكومتي كل من مصر وفرنسا استضافتا محادثات رفيعة المستوى مع أعضاء الحكومة المؤقتة .. .. .. وأبدت الجبهة الوطنية الرواندية رغبتها في أن ينتقد المجتمع الدولي كلا من مصر وفرنسا . وعاشت أرملة الرئيس هابيريمانا في شقة فاخرة بباريس واتجهت إلى القاهرة في زيارة رسمية للقاهرة حيث لاقت فيها كامل التقدير واستقبلت في قاعة كبار الزوار بمطار القاهرة . ص 62
" وفي نوفمبر من عام 1995 كتب مسؤولو ( اسم جهة رسمية مصرية ) خطابا للحكومة الرواندية يطالبون فيه بالمليون دولار المستحق أداؤها لبنك ( اسم فرع بنك بلندن ) وهو قيمة القسط المتأخر من صفقة السلاح بموجب العقد المبرم في مارس عام 1992 " . ص 67
" وبعد سقوط جيتاراما في يد الجبهة الوطنية أعلنت الحكومة الفرنسية أنها سترسل قوات لرواندا لحماية السكان المهددين بالإبادة . وقال الرئيس ميتران إنه يجب عدم إضاعة الوقت ولابد من وقف المذابح . رحب السكرتير العام للأمم المتحدة بالعرض الفرنسي الخاص بعملية إنسانية لرواندا . وكان قرار بطرس غالي - بإدراج قوة عسكرية فرنسية - أمرا لا يوصف بالنسبة لبعض الديبلوماسيين . فقد فعلت فرنسا الكثير لإشعال الصراع الدائر في رواندا . وأعطى القرار الذي أجاز إرسال بعثة فرنسية القوات تفويضا بالسماح " بكل الوسائل الضرورية " باستخدام القوة . وأبلغ ممثل الجبهة ( الوطنية الرواندية ) لدى الأمم المتحدة الصحفيين .. .. أن الغرض الوحيد للبعثة الفرنسية هو حماية مرتكبي الإبادة " . ص 64 - 65
" وأعلن كوفي أنان .. . . السكرتير العام للأمم المتحدة إجراء تحقيق مستقل لإثبات الحقائق . وبعد تسعة أشهر صدر تقرير يلقي باللوم على السكرتير العام وعلى الأمانة العامة .. .. . وبالنسبة لدور السكرتير العام بطرس غالي قال التقرير إنه كان يتعين عليه عمل المزيد لبحث مسألة تعزيز القوات . " ص 68
" أما الحكومة الوحيدة التي قامت بعمل أثناء الإبادة فهي فرنسا .. .. .. فقد ساعد الفرنسيون في تسليح النظام واشترك الجنود الفرنسيون في تسليح النظام واشترك الجنود الفرنسيون في تدريب الحرس الرئاسي ، وعندما بدأت الإبادة ساعد الجنود الفرنسيون في ترحيل متطرفي سلط الهوتو ومن بينهم أجاسي هابيريمانا " . ص 69
وبعد
إن دماء ما يقرب من مليون مدني رواندي تلوث علم الجمهورية الفرنسية وهي ليست الجريمة الأولى ففي الجزائر سفكتم دم أكثر من مليون شهيد على مذبح مصالحكم وكذلك فعلتم في أماكن عديدة ، فليست فرنسا إلا قوة إمبريالية تتخفى وراء شعارات " الحرية والإخاء والمساواة " . ولا يقتصر الأمر على شعوب الجنوب التي وقعت تحت احتلالها ، بل داخل فرنسا نفسها سحقت الثورة الفرنسية " فاندي " التي اعتصمت بمسيحيتها ورفضت " اللائكية الملحدة " فغاص جنود الثورة في دماء أبنائها بلا رحمة وكان عقابها جريمة إبادة تتناسونها وتريدون أن ينساها العالم . إن بعضا من أكثر الفرنسيين وحشية في التاريخ - وليس آخرهم الجنرال أوساريس - تكاد أسماؤهم أن تقترن باسم فرنسا ربما أكثر من فلاسفة التنوير . والفاعل في هذه الجريمة ليس مجهولا ، والتهم لم تسقط بموت الرئيس الفرنسي ميتران فهناك وقائع خطيرة منسوبة للجيش الفرنسي وشركات سلاح .
لقد أرسل الرئيس الراحل ميتران في 22 مارس 1957 وكان آنذاك وزيرا للعدل رسالة ينبه فيها رئيس الحكومة إلى التجاوزات التي ترتكب بالجزائر ، وجاء في رسالته أن " الأخبار التي تصلني من الجزائر بشأن كيفية معاملة الأشخاص الذين يعتقلون من جانب مختلف السلطات التي تمارس سلطة الشرطة تثير لدي قلقا من واجبي أن أبلغ عنه " . وأضاف " يبدو أن غالبيتهم محرومون من الضمانات الرئيسة التي تؤمنها تقاليد القوانين الفرنسية للدفاع عن النفس حتى في أقسى الأوقات التي قد تشهدها البلاد " . وأوضح أن "هنالك القليل من المحاضر والعديد من الفارين قتلوا بعد توقيفهم كما أن الكثير من الشكاوى بقيت من دون متابعة " .
إن تصريحكم في زيارتكم الأخيرة لتونس بأن : " أولى حقوق الإنسان هي تأمين المأكل والعلاج والتعليم والسكن ( . . ) ومن وجهة النظر هذه يجب الاعتراف بأن تونس متقدمة جدا على الكثير من الدول " . ( 4 ديسمبر 2003 ) يضع الكثير من علامات الاستفهام على حقيقة الدور الفرنسي في غياب الديموقراطية في شمال أفريقيا ، وبخاصة أن هذا التصريح الذي لا يختلف كثيرا عن أدبيات الحزب الشيوعي السوفيتي يمتدح واحدا من أكثر الأنظمة العربية استبدادا !! !!
دمتم سندا للديموقراطية الفرنكفونية المعجونة بدماء شعوب الجنوب
...............................
( * ) أرسلت للسفارة الفرنسية بالقاهرة