أثبتت الرئاسيات الجزائرية الأخيرة على دينامية الساحة السياسية ،ولو أن نسبة المشاركة الإنتخابية كانت تحت الستين بالمائة إلا أنها برهان جديد على تموقع الهاجس الشعبي في خانة البحث عن مخرج من المحنة.وبما أن عبد العزيز بوتفليقة كان يمثل هذا الهاجس فقد طاله الاختيار الشعبي ومكنته الصناديق من ولاية ثانية على رأس الرئاسة في الجزائر. عبد العزيز بوتفليقة الذي ترشح بشكل حر دون انتماء لأي لون سياسي تمكن من افتكاك منصب الرئيس حتى من الذين كانوا يراهنون على شعبيتهم وهيكلة تنظيمهم السياسي أمثال علي ابن افليس الذي قاد جبهة التحرير الوطني إلى انهيار شامل في هذه الإنتخابات الرئاسية .. أو عبد الله جاب الله الذي راوغ نفسه بأنه يمثل القوة الإسلامية الأولى في البلاد بعد أن تبعثرت قوى الجبهة الإسلامية للإنقاذ بفعل الأزمة المعروفة. عبد العزيز بوتفليقة كان يمثل بالفعل الهاجس الشعبي في تجاوز المحنة ودخول عهد جديد كله أمل وإشراقة شمس ..وكما تدل التحاليل أن الشعب وجد في عبد العزيز بوتفليقة ذلك التواصل في مسيرة الوئام المدني التي كانت حقا منعرجا كبيرا في حياة الجزائريين بعد أن كادت الجمهورية الجزائرية أن تنهار .فالجرأة التي جاء بها عبد العزيز بوتفليقة للحكم قلَّما وجدها الشعب في رؤساء سابقين.حتى الرئيس الأسبق اليامين زروال الذي جاء بانتخاب ديمقراطي وكان هو أيضا يمثل الهاجس الشعبي في محو صورة التقاتل لم يصل إلى مستوى الجرأة التي وصل إليها عبد العزيز بوتفليقة في تعامله مع الملف الأمني.فزروال مثلا كان ينظر إلى هذا الملف على أن تسييره يكون سلطويا دون أن يكون للآخرين دخل فيه وبالتالي ما على المسلحين في الجبال إلا الإذعان لقانون الرحمة الذي سطره بمعية مستشاره الجنرال محمد بتشين.على عكس بوتفليقة الذي كان ينظر إلى الملف الأمني نظرة توافقية بما أن هناك مفاوضات سرية قد تمت بين الجيش الشعبي الوطني والفصائل الإسلامية المسلحة .إيمانا منه أن الذهنية الجزائرية لا تقبل الصَّغار ولا ترضى بالدونية في كل الحالات .لأن قانون الرحمة لم يكن موفقا من الناحية الشكلية فضلا عن مضمونه الذي كان يرمي إلى الاستسلام والاعتراف بالخطيئة .أما الوئام المدني فكان قانونا يشكل لبنة مشتركة بين السلطة وبين الفصائل المسلحة الأخرى من أجل الوصول إلى حل مشترك ينهي مسلسل التقاتل ويرفع الغطاء القانوني على تلك الجرائم التي كانت تقترف باسم البعض في حق المدنيين في المد اشر والقرى.لعل أبرز نقاط الإختلاف بين اليامين زروال وعبد العزيز بوتفيلقة هو ما تعلق بالمسألة الأمنية وطريقة التعامل معها.وكلاهما جاء بطريقة انتخابية لا غبار عليها.. وكلاهما تمكن من تغيير الخارطة السياسية لصالح هاجس وجود حل وإنهاء الأزمة الدموية.فاليامين زروال جاء في 1995 والساحة السياسية تعج بالمعارضة القوية التي ذهبت إلى سانت إجيديو بروما..و الجبهات الثلاث – جبهة الإنقاذ،جبهة التحرير الوطني،جبهة القوى الاشتراكية- لا تزال نتائجها في مخيلة الجماهير .ورغم حرص السلطة الفعلية حينذاك على تكسير المعارضة وتطبيق سياسة الكل الأمني.. وعلى دعوة المعارضة لمقاطعة الإنتخابات ..إلا أن الشعب استجاب لضمير المشاركة وصوت لمرشح الجيش اليامين زروال آملا في إنهاء الأزمة بصفة نهائية.أما عبد العزيز بوتفليقة الذي جاء مرة أخرى للحكم برغم تلك الحملات التي شُنَّت ضده من قبل الإستئصاليين على وجه الخصوص .مما طرح مسألة الخيار بين المصالحة الوطنية أو الاستئصال.فكان الاختيار للطرح القوي وهو المصالحة الوطنية .ولو أن الأخبار كانت قد راجت في الأوساط الشعبية على أن علي ابن افليس هو مرشح الجيش وأن الفريق محمد العماري هو مدعمه .. وفي المقابل عبد العزيز بوتفليقة هو خصم المؤسسة العسكرية ويستحيل أن يظفر بعهدة ثانية ولو بالصندوق.لكن الديمقراطية التي دفع الشعب ضريبتها كانت الفيصل في إلغاء كل شك بأن الشعب لن يصوت لصالح المصالحة الوطنية.وسينضم لفيلق الاستئصال.كما سقطت ورقة التوت بأن بوتفليقة كان يريد ابن افليس وجبهة التحرير سندا له وغطاء لحملته الإنتخابية .والشعب لا يؤمن بالمسميات كما لا يعترف بالأشكال والحكايات ولكن يؤمن فقط بمن يحقق له مصلحته .فوجد بكل تأكيد بعد أن انتخب على عبد العزيز بوتفليقة بـأكثر من ثمانين بالمائة الطريق الذي ينهي له أزمته.فهل يوفق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي كان قد كرر مقولة شمروا على سواعدكم مخاطبا الشعب لأن الحل السحري لا يأتي من السماء أو بخاتم سليمان في أن يجد الحلول الشاملة لمجمل المشاكل والقضايا التي تشغل بال الشعب الجزائري .وهل قبل الشعب بأن يغير الخارطة السياسية ثلاث مرات.سنة1991 مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ.. سنة 1995 مع اليامين زروال..وهذه السنة مع عبد العزيز بوتفليقة ولو أن هذه الإنتخابات كانت استفتاء وصورة طبق الأصل لاستفتاء الوئام المدني سنة 1999 إلا من أجل حل جذري.لأن وهن الأزمة قد بلغ العظم وما عاد يحتمل.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية