ما كاد الغبار ينقشع عن مسرحية الاستفتاء حول خطة الانسحاب الأحادي من قطاع غزة سرعان ما "عادت حليمة إلى عادتها القديمة" وانطلقت تصريحات المسؤولين الفلسطينيين يدعون شارون للعودة إلى طاولة المفاوضات. فرئيس الوزراء الفلسطيني أعرب عن أمله أن يؤدي رفض حزب الليكود لخطة الانسحاب إلى تحسين فرص التوصل إلى اتفاق سلام عن طريق المفاوضات. مستشار الرئيس الفلسطيني دعا الكيان الصهيوني إلى "العودة إلى طاولة المفاوضات لتطبيق خارطة الطريق". ودعا الدكتور صائب عريقات الولايات المتحدة الأمريكية إل سحب وإلغاء رسالة الضمانات التي أعطتها لشارون وطالب الرئيس الأمريكي، الغارق إلى أذنيه في العراق وفي الانتخابات، العمل على عودة المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والكيان الصهيوني من أجل تنفيذ خارطة الطريق. ماذا يعني ذلك؟ أما زلنا نراهن على ماراثون المفاوضات؟ أما زلنا بهذه السذاجة في التعامل مع قضية شعب تنتهك حقوقه كل دقيقة وكل ساعة وكل يوم؟ ألم نصل إلى قناعة أن الكيان الصهيوني بجميع مكوناته عامة وشارون خاصة لا يريد سلاما وإنما يريد استسلاما؟
إن خطة الانسحاب هذه عبارة عن مسرحية شارون كتب فصولها وبوش أنتجها وأخرجها. وما الاستفتاء عليها إلا مشهد من مشاهد هذه المسرحية. وعلى فرض أن الانسحاب سيتم، فما هي ماهية هذا الانسحاب ؟ سيصبح قطاع غزة في أحسن الأحوال سجنا كبيرا محاصرا من جميع الجهات برا وبحرا وجوا يدخله المحتل متى شاء ويقصف ويخرج متى شاء؟
ولدى قراءة بنود خطة الانسحاب هذه تبين مدى زيف هذا الانسحاب وعدم جدواه من الناحية العملية على الشعب الفلسطيني. في الغالب الأعم كل شيء سيبقى على حاله. وتبعا للنص الكامل الذي نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية لخطة فك الارتباط الخاصة بالانسحاب من قطاع غزة وأربع مستوطنات شمالي الضفة الغربية، من الواضح أنه
o ستبقى في الضفة الغربية مناطق ستكون بمثابة جزء من الكيان الصهيوني، وبضمنها المستوطنات ومناطق أمنية وأماكن سيكون للكيان الصهيوني فيها مصالح أخرى.
o سيواصل الكيان الصهيوني بناء جدار الفصل العنصري.
o سيشرف الكيان الصهيوني ويرابط على الحدود الخارجية للقطاع من اليابسة، وسيسيطر بشكل مطلق على المجال الجوي للقطاع، وسيواصل القيام بعمليات عسكرية في المجال المائي لقطاع غزة.
o سيكون قطاع غزة منطقة منزوعة السلاح.
o سيحتفظ الكيان الصهيوني لنفسه بالحق الأساسي بالدفاع عن النفس، بما في ذلك القيام بمطارة المقاومين وكذلك بالرد من خلال استخدام القوة ضد التهديدات التي ستنشأ في المنطقة.
o ستتواصل النشاطات الأمنية في بقية مناطق الضفة الغربية.
o سيواصل الكيان الصهيوني الحفاظ على وجود عسكري على طول الخط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة ومصر (مسار فيلادلفيا) ويحتمل أن يتطلب الأمر، في مناطق معينة، القيام بتوسيع المنطقة التي ستتم فيها النشاطات العسكرية.
والأهم من هذا كله هو ما حصل عليه شارون بالمقابل. لقد حصل على جائزة لا ولن يحلم بها طوال حياته ولا في حياة الكيان الصهيوني ألا وهي رسالة الضمانات التي ارتقت بجدارة إلى مرتبة وعد بلفور الثاني. جائزة اعتراف بالكتل الاستيطانية الإسرائيلية الكبرى في الضفة الغربية، وعدم الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران 1967 وكذلك إلغاء حق العودة للاجئين إلى فلسطين التاريخية.
إن الإنسحاب الناجز والكامل لا يتأتى عبر خطط شارون وزبانيته ولكنه يكتمل بالإصرار على الثوابت الفلسطينية وتعزيزها بالوحدة الوطنية الفلسطينية وخيار المقاومة بكل أشكالها.
ونحن على يقين أنه بعد هذه المسرحية الهزلية المسماة الإستفتاء سيتم نسيان خطة شارون وستبقى رسالة الضمانات التي قدمها بوش إلى شارون. وهذا هو بيت القصيد عنده. شارون سعى إلى الضمانات التي حصل عليها من بوش وما يحدث بعد ذلك لا يهم. المهم أن الضمانات باقية في حرز حريز مع كل إدارة أمريكية ذاهبة أو آيبة. لن يعمد أي رئيس للولايات المتحدة إلى إلغاء هذه الضمانات إلا إذا أراد الكيان الصهيوني إلغاءها. وهنا يأتي دور الشعب الفلسطيني. فلن تلغى هذه الضمانات إلا بكفاح الشعب الفلسطيني وبالتفافه حول المقاومة وباستمرار الانتفاضة بالرغم من العنت والألم الذي يعانيه شعبنا وكذلك العدو أيضا يألم كما نألم. إن فلسطين تستحق كل هذا العنت والألم وكل هذه التضحيات.