الإصلاح والتغيير في العالم العربي، إشكالية استقطبت اهتمام الكثيرين. إلا أن الجدال حول هذه الإشكالية قام بمعزل يكاد أن يكون كليا عن تطلع المواطن العربي واهتماماته وعن دور الفعلي وإمكانية انخراطه في تفعيل آليات التغيير لتكريس الديمقراطية وحقوق الإنسان على أرض الواقع المعيـش. وعموما يمكن القول أن العالم العربي لا زال يتخبط اليوم بخصوص تحديد الأولويات في مواجهته لتحديات العصر، علما أن كل هذه التحديات يمكن تلخيصها في فكرة واحـدة لا ثـاني لـها: التـصـدي للكـيان العـربي والإسـلامـي.
وهذا في ظل واقع مر يتميز بالأساس بهشاشة الكيان العربي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وعسكريا من جهة، ومن جهة أخرى مواجهة تحديات العولمة بدون التسلح بحد الأدنى الضروري لشروط المواكبة حتى من موقع مؤخرتها. علما أن الأجيال العربية الشابة لم تستسلم الإحباط الذي أنتجه سياسة القادة، ولم تتنكر إلى القضايا القومية، وتزداد صعوبة المهمة التاريخية المرتبطة بالأجيال العربية الشابة إذا علمنا أن واشنطن تحاول جاهدة لعرض نموذجها السياسي والحضاري الذي لن تستقيم أمامه طريق الترسيخ إلا بتفكيك الخصوصيات الثقافية والاجتماعية للدول العربية والإسلامية.
إلا أن التصدي للهيمنة الأمريكية لنولم يمكنه أن يتأتى إلا عبر تكريس آفاق أوسع وأرحب للممارسة السياسية والعلاقات الاجتماعية وللنشاط الاقتصادي والإبداع الفكري والثقافي لأوسع فئات الشعوب العربية داخل بلدانها وفي عقر دارها.
المطلوب حاليا بالنسبة لدول العالم العربي قاطبة ودون انتظار هو الإنجاز السريع لإصلاحات جذرية داخلية كفيلة بضمان استعادة الدول العربية لقدراتها والأنظمة السياسية العربية نجاعتها وللجمعيات العربية حركيتها وللاقتصاديات العربية أداؤها وللثقافة العربية بريقها و دينامكيها الإبداعية. باعتبار أن ضعف الكيان العربي حاليا وتهلهل مواقفه ما هي في واقع الأمر إلا نتيجة حتمية وطبيعية لواقع ضعفه في جميع المجالات وبدون استثناء، وبالتالي فهذا الواقع ينعكس على صعيد أداء الدول العربية يوميا.
فالمطروح حاليا عل الدول العربية، أكثر من أي وقت مضى، الاهتمام أولا وقيل كل شيء الاستثمار في الموارد البشرية وتمكين المواطن العربي من الشعور الفعلي بالمواطنة وبالإحساس اليومي أنه عنصر فاعل في المجتمع وليس واحد من الرعية ليس مطلوب منه إلا الخضوع للأسياد مهما كانت طبيعة سيادتهم دينية أم دنيوية، اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية أو سياسية. فإذا أصبح العربي يشعر فعلا أنه مواطن كامل المواطنة في وطنه يمكن آنذاك القول أن العرب شرعوا فعلا في صيرورة الخروج من دوائر التهميش لمواكبة عربة العصر، وما عدا ذلك فهو مجرد هراء في هراء.