لقد عرف المغرب في السنوات الأخيرة تأسيس جملة من الجمعيات الثقافية في العديد من الأحياء الشعبية لاسيما بالمدن المغربية الكبرى وكذلك في المدن الصغرى وبعض المدن الصغرى وبعض القرى النائية وقد تكاثر تأسيس الجمعيات لدرجة اعتبر البعض أن العمل الجمعوي لم يعد ظاهرة فقط وغنما أضحى ظاهرة اجتماعية فلم يعد العمل الجمعوي هاجس النخبة والمثقفين أو من فعل الجمعيات الإقليمية والجهوية الكبرى عبر خلق فروعها في مختلف أنحاء البلاد لأنه أصبح يعبر عن حاجة لدى عدد متعاظم من المتعلمين وغير المتعلمين وعموم الفاعلين في الجسم المجتمعي مباشرة.
لقد أصبح العمل الجمعوي بالمغرب أكثر من أي وقت مض يرتبط بهموم وتطلعات قطاعات اجتماعية واسعة واغلبها كانت بالمس القريب قطاعات مهمشة عموما بل بعضها كان مقصيا محليا عن الحقل الفكري والثقافي علما انه في السابق كان الحقل الثقافي مقتصرا على المثقفين الكبار أو ما كانوا ينعتون كذلك عدما كانت الثقافة في برجها العاجي معيدة عن المواطن العادية. ولعل هذا المد سائر حاليا صوب جعل جمعيات والعمل الجمعوي أحد عوامل إعادة إنتاج وتوزيع المنتوج الثقافي والمغربي عل أوسع الأصعدة بالبلاد وتكمن أهمية هذا المد في كونه يسعى إلى ربط الدوائر المهمشة بالأمس ( الأحياء الشعبية – المدن الصغيرة القرى النائية).
بمسار الإنتاج الفكري والثقافي ذي تعرفه البلاد، وهذا من شأنه لا محالة المساهمة في بلورة ولا أدل على ذلك ما نحظ من اهتمام فكري وتحليلي بالتغييرات الثقافية المحلي. وهذه صيرورة مآلها الحتمي هو الربط بين الخاص والعام، وبين الثقافي والحضاري، وبين الفكري والاجتماعي وفي نهاية المطاف الربط بين الواقع المعيش والقضايا المصيري.
فإذا كان العمل الجمعوي سابقا يعيش نزعة تجزيئي بين المجالات ( السينما، المسرح، الكتاب…)
جعلته يحيى في دوائر مغلق، فإنه اليوم يجته نحو مناطق الربط والتواصل بين مختلف المجالات، وهذه في حد ذاته خطوة أولى نحو السعي وراء تحقيق شمولي العملي الثقافية.
ومن الإشارات الايجابي أن العمل الجمعوي بدأ منذ سنوات التوجه نحو تجاوز العلاقات الآلية ( بين السياسي والثقافي) التي كانت حكمه منذ انطلاقة في حضن الحركة الوطنية، وبالتالي التخلص من الولاء الحزبي ضيق الآفاق والاهتمامات ومحدود المد.
و في حد ذاته يعتبر تطورا متناميا بخصوص الوعي بخصوصي العمل الثقافي وباسقلاليته عن باقي المجالات الأخرى. وهذه الاسقلالية النبي من شأنها أن نجعل العمل الثقافي على وجه الخصوص – والعمل الجمعوي – على وجه العموم- مدرس حية وحيوية لتفعيل الممارسة الديموقراطية ولتكريس ثقافة الديموقراطي والتعامل الديموقراطي.
كيف لا والعمل الجعوي يعتبر فعلا يوميا يخضع باستمرار لمحك الواقع، وبالتالي يمكنه أكثر من أي آل أخرى، نتاج جمل من القواعد والتقاليد في الممارسة عبر مواكبة سيرورة التغيير إلا أن هذا التطور لا يجب أن يحجب على أعيننا استمرار وجود جمل من النواقص التي لازالت عالقة بالعمل الجمعوي بالمغرب، ومن أهمها فقدان أغلبية الجمعيات الأرضية ورؤية واضحة المعالم ومحددا لمقاصد الشيء الذي يساهم في استمرار سيادة العفوية والارتجالية في العمل الجمعوي والاكتفاء بالجاهز ومن شأن هذا الواقع أن يكرس قوقعة الجمعيات في دائرة النقل والتكرار والموسمية والمناسباتية ( نفس الأسابيع الثقافية وأحيانا بنفس المواضيع ونفس الوجوه ونفس التنظيم ونفس السيناريو…) وهذا النمط لم ينتج إلا توجه أحادي الاتجاه غير خلاق، مثقف محاضر( المنتج) وجمهور متلقي ومسهلك فقط. وهذا أمر يكرس مركزية القرار الثقافي.
وفي هذا الصدد لا مناص من إثارة إشكالي ذات أهمية خاصة.وهي المتعلق بالفهم المغلوط لجماهرية العمل الثقافي، إذ أن النظر المهيمنة هي تلك التي تثمن نجاح وجماهيرية التظاهرات الثقافي بإقبال الجمهور عليها، وربما هذا ما يدفع مختلف الجمعيات إلى استدعاء الشخصيات الوازنة والرموز لجلب اكبر عدد من الجماهير، وهذه نظرة تركز على الكم أكثر ما تعتبر الكيف، باعتبار أن المهم والأهم في العمل الثقافي يمكنان بالأساس في وظيفة هذا العمل الثقافي، وبالتالي في مدى تمكنه من تكسير العلاقة الشاذة بين المحاضر( المنتج) والمتلقي ( السلبي) ( المنتج / المستهلك). لأن العمل الثقافي ذي البعد الجماهيري الفعلي هو الذي يسعى إلى تحرير الطاقات الخلاقة عند المتلقي الذي يسعى إلى تحرير الطاقات الخلاقة عند المتلقي الذي يتفاعل معه، أي إخراجه من وضعية المستهلك السلبي إلى موقع المستهلك الإيجابي ثم إلى موقع المنتج المبدع والمبادر.
وهذا يصبح مقياس جماهيرية العمل الجمعوي هو في الحقيقة مدى قدرته على تفعيل بروز مثقفين ملتحمين بالواقع المجتمعي وبتطلعات الناس وطموحاتهم وانتظاراتهم.
وعموما، إن العمل الجمعوي بالمغرب ما زال يطغى عليه الطابع الأدبي، وما زال يشكو من غياب البحث الميداني.
ولقد حان الوقت إلى الاهتمام بالإشكالية الثقافية لبلورة مشروع تجديد ثقافي لتمكين العمل الجمعوي من لعب دوره في عملية إعادة الارتباط بالواقع وبهموم المواطن وانتظاراته وطموحاته. وأول خطوة في هذا المسار هي التصدي للنظرة المحتقرة لكل ما هو محلي وخصوصي، وتغيير النظرة الاستخفافية السائدة في التعامل بهذا الصدد وذلك عبر تشجيع الاهتمام بالذاكرة الجماعية عوض التأمل المختبري والتأمل انطلاقا من الصومعة العاجلة. وهذا بدوره يتطلب ابتكار طرق وأساليب تسمح بتفعيل دور المتلقي ليرقى إلى مستوى المبادر الفاعل وهذا يجرنا بدوره إلى إشكالية أخرى مهمة بمكان. وهي مسألة العلاقة داخل الجمعيات وعلاقة هذه الأخيرة بأعطائها وجمهورها، وجدلية الفرد والجماعة في الإبداع الثقافي، باعتبار أن الجمعية عليها أن تكون مثقف جماعي.
وخلاصة القول فإن العمل الجمعوي عليه أن يكون مدرسة للديمقراطية للمعرفة وتفعيل سيرورة التغيير لتمكين بلادنا من صنع مستقبل يواكب الركب.