دخل الإضراب المفتوح "الأمعاء الخاوية" أسبوعه الثاني حيث لا يسعنا إلا أن نحيي هؤلاء الأبطال في انتفاضتهم. إنكم تاج رؤوسنا وعزنا المسلوب وتمثلون كرامة الأمة بأسرها. إني أناديكم أيها الأحباب وأشد على أياديكم وأبوس الأرض تحت نعالكم. نحن الأسرى الحقيقيون أسرى خوفنا وذلنا وخنوعنا وأسرى سكوتنا وصمتنا وأنتم الأحرار يا عزنا وأنتم صانعو الكرامة والإنتفاضة على الذل والإذلال. أحيي أم نمر الصفدي (أم لأسير وأخت لأسيرين) المقدسية التي شاهدناها على الفضائيات تستصرخ ضمائر الأمة علها تفيق من سباتها العميق الذي طال وطال. ولكن اطمئني يا أم نمر لن تلامس صرختك مسامع الكثير ولكنها لن تضيع فهي باقية وخالدة في سجل المناضلين. لقد شاهدناها في "الحوار المفتوح" في قناة الجزيرة وهي تتحدث بكل ثقة واطمئنان وقالت ما لم يقله الآخرون بكل صراحة وبلا مواربة. إنها تملك وعيا كاملا بالمسألة برمتها. لقد قالت إن الإسرائيليين أعادونا إلى نقطة الصفر. أصبحنا الآن نطالب بتحسين أوضاع الأسرى بتحقيق مطالب إنسانية بسيطة هي من حق كل إنسان بدلا من المطالبة بتحريرهم. لقد تم تجاهل قضية الأسرى في أوسلو وفي جميع الاتفاقيات اللاحقة. ووضعت أملها في حزب الله وفي قائده السيد حسن نصرالله. وكذلك أحيي مواقف الأب عطاالله حنا العظيمة. فهو بلا شك إنسان بمعنى الكلمة. وقف ويقف دائما كرجل دين مسيحي وكمواطن فلسطيني وعربي مدافعا ومنافحا عن قضايانا العادلة. وفي الحوار المفتوح عبر قناة الجزيرة عبر عن تضامن الشعب بمسلميه ومسيحييه مع الأسرى الأبطال الذين يخوضون معركة نضالية قاسية مع الاحتلال. وبمناسبة حريق المسجد الأقصى ربط الأب عطاالله ما يحدث في العراق من مجازر الكنائس ومن مجازر النجف وفلسطين ببعضها البعض فأطرافها الصهيونية والاحتلال الأمريكي. لله درّك يا أبونا وشيخنا وحكيمنا عطاالله. فأين أنتم يا وعاظ السلاطين من هذا الأب الكبير المواطن العربي الفلسطيني الأصيل؟
إن إضراب الأسرى المفتوح ذو أبعاد أخلاقية وسياسية ووطنية. فالمطلوب من الجماهير العربية هو التضامن الأخلاقي والإنساني، وذلك أضعف الإيمان، بالمسيرات والاعتصامات والتضامن المعنوي والمادي مع المضربين والاتصال بوسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان وإجبارها على إبراز قضية الأسرى ومطالبهم المحقة وكتابة الرسائل التضامنية مع الأسرى. المطلوب من وسائل الإعلام العربية والفضائيات التضامن الإعلامي مع الأسرى وتوضيح مطالبهم العادلة وفضح ممارسات الإسرائيليين ومعاملتهم للأسرى والمعتقلين التي لا تقل وحشية وإجراما عن تلك الممارسات التي فضحها الإعلام في "أبو غريب". ما حدث في أبوغريب كان يحدث في السجون الإسرائيلية منذ سنين عديدة. ولعلنا نتذكر روايات الأسرى المحررين عن وسائل التعذيب الجسدي والاعتداءات الجسدية التي يمارسها السجانون مع أبنائنا وبناتنا في المعتقلات وكلنا يتذكر شكوى الأسير المحرر مصطفي أبو علي الديراني. لقد قامت قناة الجزيرة والمنار ببعض الجهد في هذا المجال والمطلوب المزيد من البرامج التي تفضح ممارسات العدو الصهيوني. فمثلا يجب التركيز على تصريحات القيادات الصهيونية العنصرية واللاإنسانية كتصريحات وزير الأمن الداخلي الذي قال سيترك الأسرى يموتون. فلو صدر مثل هذا التصريح من وزير أو مسؤول فلسطيني أو عربي آخر لقامت الدنيا ولم تقعد. فعلى وسائل الإعلام التركيز على هذه العنصرية والثقافة النازية التي تملأ وجدان وعقل الكيان الصهيوني العنصري.
وعطفا على ما يدور في الأراضي المحتلة من لعب بالنار وبالقضية برمتها، نقول كفى لعبا بمقدرات الشعب الفلسطيني. العار كل العار على هذه القيادات التراشق بالتصريحات وتبادل الاتهامات وما يزال الجرح ينزف ومازال الشعب يرزح تحت الاحتلال ويذبح كل يوم والأسرى في إضرابهم المفتوح. نعم الشعب الفلسطيني يريد إصلاحا حقيقيا بإرادة وطنية فلسطينية تعيد له ثقته بنفسه وتؤطر حقوقه التاريخية في أرض فلسطين. لا إصلاح بإملاءات إسرائيلية وأمريكية. لن يأتي إصلاح من فاسدين ومفسدين كانوا بالأمس الأبناء المدللين لمن خرجوا عليه اليوم. ففاقد الشيء لا يعطيه. ما يقوم به هؤلاء هو البحث عن مناصب وتركات وتدوير لأدوارهم السابقة. وهنا لا أشكك في نوايا الأغلبية المطالبة بالإصلاح. فالأغلبية صادقة في توجهها ولكني أشكك في نية من يوجهون هذا التيار نحو الاقتتال والاحتراب ولن يستطيعوا إنكار ارتباطاتهم بالخارج مهما ساقوا من تبريرات. هم جزء من الفساد وهم أوجدوه وساعدوا عليه وسكتوا عنه فهل يصلح فاسد فاسدا مثله؟
ونقول للسلطة ولرئيسها يجب أن يكون الإصلاح جذريا وشاملا ووطنيا لقطع دابر الفتنة وقطع الطريق على المستوزرين والباحثين عن السلطة ولو "على خازوق". إن الحلول الترقيعية لن تجدي. فتعيينات هنا وهناك واستبدال طواقي بطواقي أخرى لن يحل المعضلة ولن تعتدل أركان البيت. وكما قال الدكتور المناضل حيدر عبدالشافي في أحد حواراته الإصلاح لا يكون إلاّ بقيادة وطنية موحدة تأتي عبر انتخابات ديموقراطية وتأخذ على عاتقها قيادة الشعب الفلسطيني خلال فترة التحرر الوطني والاستقلال.