فجأة تصدر لفظ "الجنجويد" المشهد الإعلامي العربي والعالمي بغرابته التي احتاجت التفسير فجاء التفسير ليكرس الإحساس نفسه، وانطلاقا من الأجواء المثيرة نفسها أطلق موسى هلال زعيم الجنجويد تحذيرا ينبغي التوقف عنده طويلا(حوار بجريدة الاتحاد 3 – 8 – 2004)، إذ قال: "دار فور ليست الأندلس". وهو بذلك إنما يشير إلى شعار يرفعه بعض المتمردين يدعو لطرد العرب "الغزاة" من أفريقيا ليعودوا من حيث جاءوا وهو أحد أدبيات عديدة يطمح مروجوها لطرد العرب من أفريقيا كما طردوا من الأندلس، فطالما أمكن طردهم منها بعد ثمانية قرون فلا يوجد ما يمنع من طردهم من السودان – أو القارة كلها – بعد خمسة عشر قرنا!!! ورغم أن ما ارتكبته ميليشيات الجنجويد من جرائم بحق سكان دار فور لا يمكن الدفاع عنه ولا تبريره بأي وجه فإن الموقف الأخلاقي الذي يرفض التبرير لا يتعارض مع الموقف التحليلي الذي يستهدف التفسير. والتفسير صادم إذ تشهد أفريقيا منذ حوالي عقد صعودا كبيرا لقوى معادية للوجود العربي في القارة الأفريقية في حزام يمتد من موريتانيا إلى إثيوبيا وهذه القوى التي يطلق عليها جميعا "الحركة الأفريقانية"تشكل معضلة من أخطر مشكلات المستقبل العربي.
وقد قرأت عنها للمرة الأولى في تقارير صحفية في النصف الأول من التسعينات بوصفها أحد حلفاء حركة التمرد في الجنوب السوداني ولا يكاد يوجد كتاب واحد بالعربية يتتبع الظاهرة وتطورها وأفكارها الرئيسة وإن كانت التطورات الدامية في السنوات الأخيرة قد دفعت بعض الباحثين لتناولها في أعمال بحثية لم تزل أقل بكثير من حجم الظاهرة وأهميتها وتأثيرها المرتقب في المستقبل العربي.
والمشهد في دار فور ينطوي على دروس أخرى خطيرة منها أنه يعيد طرح قضيتي الأقليات و"التخوم" (تركيا – إيران – القرن الأفريقي . . . ) وضرورة بناء جسور تعاون حقيقية معها كجزء رئيس من أي تصور لأمننا القومي. من ناحية أخرى تفتح صرخة موسى هلال جراحا أخرى لا مجال لتجاهلها، فالأندلس سقطت أولا بالغفلة العربية ودار فور إن أضيفت إلى القائمة فينبغي الاعتراف بأن الدولة السودانية – ومعها النظام الرسمي العربي - تتحمل المسئولية الأولى قبل التدخل الغربي. وإذا كانت حركة القرصنة التي أعقبت سقوط الأندلس وكانت في نظر منفذيها الذين لا نشك في حسن نيتهم محاولة للانتقام من الغرب آنذاك قد فشلت في استعادة الأندلس وأدت لنتيجة معاكسة هي توحد القوى الغربية ضد المسلمين، فإن علينا أن ندرك أن منع دارفور من مصير الأندلس لا يكون عبر الإبادة وحرق القرى والاغتصاب.
ولنتذكر ما قالته قبل أكثر من خمسة قرون والدة أبي عبد الله ملك غرناطة الذي بكى وهو يستسلم مهزوما "ابك كالنساء ملكا لم تحافظ عليه كالرجال".

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية