مع حلول الذكري الخامسة للانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت في 28 ايلول عام 2000، ما يزال الشعب الفلسطيني صامدا أمام أعتى قوى الشر والدمار في هذا القرن. لقد بات الشعب بمختلف مكوناته وفصائله الوطنية والإسلامية أكثر مضاء وتصميما على المضي في طريق المقاومة وإصرارا على استمرار الانتفاضة رغم الخسائر والتضحيات والآلام الفادحة التي ينزلها هذا العدو الغادر بأبناء شعبنا بكل وسائل الفتك والبطش على مدار اليوم بل على مدار الساعة. لم يحد هذا الشعب الصامد عن الثوابت الوطنية وبقي شامخا وراسخا رسوخ الرواسي الشم. ما تزال بوصلته تشير بكل عزم ومضاء إلى التحرير وزوال الاحتلال البغيض الجاثم على صدره. ومن أجل هذه الثوابت والأهداف الكبيرة قدم هذا الشعب الصابر والمحتسب الكثير والكثير وسيقدم الكثير ولن يركع ولن يستسلم. فهو بذلك تفوق ويتفوق على قيادته سواء في الفصائل أو في السلطة بدليل وحدة المقاتلين على الأرض. فترى العمليات يشترك في تنفيذها أطراف عدة من المناضلين. لطالما سمعنا أن عملية نفذها رجال من حماس والجهاد وكتائب الأقصى مثلا. وعلى العكس تماما، نرى القيادات الفلسطينية وضعت الشعب في ملهاة اسمها الحوار. نعم للحوار الجاد والحقيقي ولا للحوار كغاية. يجب أن يكون الحوار وسيلة لتضميد جراح هذا الشعب ودعما لنضاله في سبيل الحرية والاستقلال ودحر الاحتلال. ولقد بات العدو الصهيوني أيضا في مأزق حقيقي. يبدو ذلك من تخبطه في التصريحات والغارات التي لا تستهدف إلا المدنيين ومخيمات اللجوء وتصدير أزمته الداخلية إلى الخارج. وما اغتياله لأحد قيادات حماس في دمشق، الشهيد عزالدين شيخ خليل، إلا تعبير عن مأزقه الداخلي. ولهذا يجب أن يغذ الفلسطينيون الخطى نحو الحوار الجاد للتوافق على برنامج وطني موحد وقيادة وطنية موحدة تكون رافعة للنضال الوطني. فمثل هذا البرنامج وهذه القيادة الوطنية الموحدة ستعمق المأزق الصهيوني. فمجرد وجود قيادة وطنية موحدة وبرنامج موحد هو ضربة للرهان الصهيوني على تمزق صفوف الشعب الفلسطيني ويعيد الثقة للشعب الفلسطيني بقيادته ويلتف حولها ويكون نضاله على أرض صلبة تمتص ضربات العدو الصهيوني وترد الصاع صاعين.
إن هذا الشعب الجبار يستحق من قياداته الكثير وأقلها هو الارتقاء إلى مستوى نضالاته وتضحياته. بل والأكثر من ذلك إنه يستحق قيادة تتقدم نضالاته وتضحياته لا قيادة تساوم وتفاوض وتروج لمشروعات أمريكية صهيونية أقلها وقف الانتفاضة والقضاء على طموحات الشعب الفلسطيني. يتطلع الشعب إلى وحدة وطنية ومشروع وطني تلتف حوله كل فعاليات الشعب الفلسطيني. يتطلع إلى قيادة وطنية موحدة تضطلع بمسؤوليات التحرير والاستقلال. يتطلع إلى قيادة وطنية تستند على الثوابت الفلسطينية تتشكل نتيجة تفاهمات واتفاقات وحوارات بين القوى الفاعلة والحية في الشعب الفلسطيني.إن تجربة الحوار حتى الآن غير مشجعة وفاشلة في عمومها. فالمتتبع للحوار الفلسطيني – الفلسطيني منذ بدايات الانتفاضة الثانية على الأقل يجد أن الأمور تراوح مكانها. لقد أصيب شعبنا بخيبة شديدة بمثل هذا الحوار العقيم مع أن الشعب يعرف طريقه ويعرف هدفه وثوابته. لقد تحول الحوار –برعاية خارجية- إلى حوار الطرشان حيث لا يسمع كل طرف إلا نفسه. لقد أصبحنا في حلقة مفرغة ندور وندور على أنفسنا كحكاية "إبريق الزيت". لقد تحول إلى شعار فارغ يفتقر إلى الجدية يردده المحللون والمنظرون في الفضائيات وفي وسائل الإعلام دون جدوى. أصبحت الأطراف المشتركة في الحوار بارعة في تسويق التحليلات ومبررات الاختلاف والحجج وتعليق الفشل والأخطاء على شماعة الآخرين وفي النهاية الحق على "الطليان". والغريب أنهم، في نفس الوقت، يدعون أنهم متفقون على الثوابت الوطنية بصورة أو بأخرى. فإذا كان ذلك صحيحا، فأين تكمن المشكلة؟
بينما يمعن العدو الصهيوني في شعبنا تقتيلا وتشريدا وتجريفا وتقليعا واغتيالا وما يتبع ذلك من إجراءات الإذلال والقمع،ليس من الغريب والعجيب أن قادتنا البواسل لم يجدوا الإجابات لأسئلة كثيرة: متى يكون الحوار؟ وعلى ماذا يكون الحوار؟ وأين يكون الحوار؟ ومن هو راعي الحوار؟ فما الذي تنتظره القيادات الفاعلة لإنجاز الحوار وبلوغ أهدافه؟
هل عجز ويعجز الفلسطينيون أن يجتمعوا، دون رعاية أو وصاية من أحد، ويتحاوروا ويقرروا المناسب لاستمرار نضالهم والخروج بثوابت متفق عليها في هذه المرحلة وفي المراحل القادمة؟ أليس من المعيب ألاّ نستطيع، كفلسطينيين، أن نجتمع مع بعضنا البعض لنتحاور ونتناقش ونختلف دون رعاية خارجية أو وسيط خارجي حتى لو كان عربيا؟ أما نزال في مرحلة الرضاع لا نفهم مصلحتنا الوطنية؟ ألم نبلغ مرحلة الفطام بعد كل هذه السنين من الآلام والأحداث الجسام؟ أنحتاج لوسيط يلم شملنا ويشرف على حوارنا وأحيانا يملي علينا أمورا لا نرغبها؟ نعم إن المسألة معقدة وتحتاج إلى إنضاج وترو وتؤدة. ولكن إلى متى وقد ولغ العدو في دمائنا وفي أرضنا واستباح كل شيء؟
إن أي حوار لا يأخذ في الاعتبار الثوابت الفلسطينية لن يكتب له النجاح. ومن ضمن هذه الثوابت التي يتطلع إليها الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الميتة من تاريخ الأمة العربية التي ترك فيها وحيدا ما يلي:
• قيام قيادة وطنية موحدة تأخذ على عاتقها اتخاذ القرارات الهامة المتعلقة بأساليب المقاومة والإصلاح والانتخابات وغيرها
• استمرار الانتفاضة الباسلة بكل الوسائل المتاحة
• العمل الجاد في سبيل تحرير أسرانا البواسل تيجان رؤوسنا ومكمن فخرنا وعزنا
• قيام دولة ديموقراطية على كامل التراب الفلسطيني والعودة إلى الميثاق الوطني الفلسطيني
• إخلاء المستعمرات من كل المستعمرين الغاصبين للأرض والحرية والماء والهواء
• عودة اللاجئين حق مقدس لا يمسه أحد لا من قريب أو بعيد
• الإصلاح الديموقراطي على أسس وطنية وليس استجابة للمطالب الأمريكية و الصهيونية
• محاربة الفساد والمفسدين بأثر رجعي وألاّ تسود قاعدة "عفا الله عما سلف"
إن الموقف لا يحتمل التسويف والتأخير والتأجيل ولا مجال للخلافات المشروعة وغير المشروعة. إن ذلك سوف يزيد من الإحباط والخيبة في صفوف المناضلين. فكلما أسرعت القيادات الفلسطينية في إنجاز ما هو مطلوب منها رفعت من معنويات الشعب وزادته تصميما وعزما واقتربت ساعة التحرير والاستقلال. فكل الفصائل الفلسطينية مدعوة وكذلك السلطة الفلسطينية اليوم إلى طرح التسويف والتبريرات جانبا والمبادرة إلى حوار جدي هدفه تحقيق الوحدة الوطنية والقيادة الوطنية الموحدة وألاّ يصبح الحوار الغاية والهدف النهائي لهذه القيادات. بل يجب أن يكون هذا الحوار الوسيلة لبلوغ الوحدة الوطنية وترتيب البيت وضمان استمرارية النضال والصمود في وجه النازية الجديدة.