خيار مشاركة حركة حمس،في كل تركيبة حكومية مهما كان اللون الأيديولوجي لهذه الحكومة أو توجهاتها في مسألة القضايا الكبرى للأمة.أعطى انطباعا قويا لدى الرأي العام بأن هذه الحركة التي ولدت من رحم أزمة الشرعية وأزمة التيار الإسلامي الذي لا يزال ينزف بفعل الضربات المتتالية القاصمة،قد تجاوزها الزمن كحركة تستطيع أن تمثل التيار الإسلامي المعارض،أو حتى تستطيع أن تلعب دور المنقذ للشعب من داخل سرايا الحكم .خصوصا وأنها تعتبر خيار المشاركة في الحكومات المتعاقبة بحقائب وزارية الخيار الإستراتيجي الذي يجعلها قريبة من صناعة القرار،وقريبة من مفصل الحكم الذي تدعي أنها فيه ،ولكن الحقيقة أنها مجرد دمية في يد من فسح لها المجال كي تكون كومبارس و ديكورا للسلطة لا أن تكون ضمنها.المعارضة في قاموس حركة حمس تنطلق من مسلمة أن الاستئناس بمن هم في السلطة أفضل من الاستئناس بمن هم في صفوف الشعب.ولو أن الحركة لا تزال تمارس دور التعبئة الشعبية من خلال جمعية الإرشاد،ومن خلال الاتحاد الطلابي الحر داخل الأحياء الجامعية.والدور الذي تلعبه اليوم حمس كما هو مسطر في قاموسها أن مصلحة الحركة قبل مصلحة المشروع الإسلامي الذي خلقت من أجله .وقد قالها أبو جرة سلطاني صريحة لا تقبل تأويل المؤولين أو إبطال المبطلين،أن مشروع الدولة الإسلامية في الجزائر تجاوزه الزمن.كما تجاوز الزمن الأيديولوجية الشيوعية في عقر دارها بفعل مفعول بريسترويكية غورباتشوف.والرجل يدرك طبيعة المرحلة التي تمر بها حركته كونها أعلنت إفلاسها في سوق السياسة،وباعت كل أدوات مقوماتها كشبه حركة في سجل الحركات التي تمارس طقوس المعارضة.و نهايتها ليست على يد السلطة التي عرفت مكنون هذه الحركة وتركيبتها النفسية،بل على يد حركة حمس نفسها.وما المتناقضات التي تخرج بها بين الحين والأخر إلا دليل على أن الحركة لا تزال تغرف من معين عافه الزمن وأصبح لا يماشي موضة السياسة كما عاف أبو جرة سلطاني المشروع الإسلامي بأنه غير مساير للزمن،كما لا يجاريه. و أن معارضتها للسلطة تكتيكا و محاولة جدية لإستغباء الشعب.ولا ندري إن كانت هذه الحركة تدري أن أسهمها في البورصة في انخفاض مستمر لأنها تمارس اللعبة القذرة في تعاملها مع مفردات المعارضة التي يتوجب أن تؤخذ كليا أو تترك كليا.ولو أننا نفهم تبنيها لخطاب مزدوج الأول في الكواليس مع السلطة كخادمة له وهو الهدف الأسمى،والثاني الخطاب الشعبوي الذي يحاول أن يبقي شعرة معاوية مع الجماهير لأيام أُخر.لقد جاء تعاملها مع مشروع تعديل قانون الأسرة التي هاجت وماجت بحيث أنه لا يتماشى والشريعة الإسلامية التي تجاوز العمل بمشروعيتها الزمن .تعاملا بهلوانيا يثير الضحك ،ويبعث على التقزز.ونتصور كيف يتم معارضة مشروع هو بالدرجة الأولى قناعة شخصية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة ،وفي نفس الوقت تتم المطالبة بوجوب الالتفاف حول التحالف الرئاسي،والحفاظ عليه من كل تصدع مرتقب.فما معنى الإيمان بالشخص والكفر بمشروعه؟.وهل هناك فرق بين التواجد ضمن التحالف الرئاسي الذي جوهر وجوده هو الدفاع عن مشاريع الرئيس بوتفليقة التي من بينها مشروع تعديل قانون الأسرة ووضعه في أيادي غير أمينة من حيث المعرفة العميقة للشرع ،ولقوانين المجتمع الإسلامي؟.أين يكمن الفرق هنا إذن بين أبو جرة سلطاني وعمارة بن يونس.فكلاهما يدافع عن سياسة عبد العزيز بوتفليقة وعن مشروع المصالحة الوطنية الشاملة.غير أن الأول لا يريد أن يقول للناس أنه تألَّك- من اللائكية- بعد أن أعلن بأن المشروع الإسلامي تجاوزه الزمن، أما الثاني فلا يريد أن يصرح بأنه أخطأ التقدير عندما كان تحت جناح حزب الأرسيدي ويحبذ اليوم العودة كوزير.إن الدور الذي تلعبه حركة حمس اليوم باسم المعارضة ذات الصبغة الإسلامية هو دور شبيه بدور المعارضة المغربية التي تنطلق في معارضتها للحكومة باسم الملك.موهمة الناس بأن المشكل هو في تسيير الحكومة للملفات الرئيسية.وما أن ينطق الملك حتى تخرس هذه المعارضة لتجد موضوعا جديدا آخر تتلهى به باسم الملك أيضا.ولقد رأينا كيف سكتت حركة حمس عندما حل الجد محل الهزل السياسي.فلاذت بالصمت على الانسحاب من الحكومة كما تفعل المعارضة المتحضرة في جميع أنحاء العالم عندما تسحب جميع وزرائها من الحكومة كتعبير عن عدم الرضا عن سياسة الحكومة.بل راحت تدافع عن التحالف الرئاسي وعن خيارها الإستراتيجي الذي هو العناق لا الفراق للمذود السلطوي أبد الآبدين.ونعلم أنها سوف تؤول بلسان عليم الرضوخ للرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي سيوافق عن مشروع تعديل قانون الأسرة بالمسوَّدة الحالية.كما سوف تتكيف مع الوضع الجديد باسم فتوى صالحة لكل وضع ووضع.وإن حمس لتعلم علم اليقين بأنها لو تتجرأ وتخرج من الحكومة فلن تعود إليها إلا بعد أن يشيب الغراب.وما قصة تمرد علي بن فليس عن حمس ببعيد.فلتكن كما أريد لها أن تكون.. و المشروع الإسلامي قد تجاوزه الزمن فهل نسمع عما قريب أن المعارضة نفسها قد تجاوزها الزمن..فلا يبقى إذن سوى المعارضة ولكن على الطريقة الحمسية!